كشفت مصادر سيادية مطلعةأن رئيس مجلس السيادة وقائد الجيش، الفريق أول عبد الفتاح البرهان، أبلغ السلطات السعودية رسمياً بقرار الحكومة السودانية تجميد كافة الخطوات المتعلقة بإنشاء قواعد عسكرية أجنبية على ساحل البحر الأحمر، وفي مقدمتها القاعدة البحرية الروسية المقترحة في بورتسودان.
تراجع تحت ضغط استراتيجي
يأتي هذا التطور بعد أسابيع من الجدل الذي أثارته تقارير غربية، أبرزها في صحيفة وول ستريت جورنال، كشفت عن عرض قدمته حكومة بورتسودان لموسكو يتضمن اتفاقاً لمدة 25 عاماً لإنشاء أول قاعدة بحرية روسية في أفريقيا، مقابل الحصول على شحنات عاجلة من الأسلحة النوعية والذخائر لدعم عمليات الجيش ضد قوات الدعم السريع.
ووفقاً للمصادر، فإن التحرك السوداني الأخير جاء لاستيعاب المخاوف الأمنية للدول المشاطئة للبحر الأحمر، وعلى رأسها المملكة العربية السعودية، التي أبدت معارضة حازمة لأي تواجد عسكري لروسيا أو إيران على الضفة المقابلة لسواحلها، معتبرة ذلك تهديداً مباشراً لأمن الملاحة واستقرار المنطقة.
كواليس القرار وموازنات الحرب
أفاد مصدر عسكري رفيع لـ سودان تربيون أن قرار التجميد ليس جديداً كلياً، بل هو تأكيد لموقف اتُخذ مطلع ديسمبر الجاري، موضحاً أن التقارير التي تحدثت عن تقدم سريع في تنفيذ الاتفاق مع روسيا “لم تكن دقيقة”.
وأضاف أن السودان يسعى للحفاظ على توازن دبلوماسي دقيق بين حاجته للسلاح الروسي وبين علاقاته الاستراتيجية مع المحيط الإقليمي والمجتمع الدولي.
الضغوط التي مارستها مصر وواشنطن والرياض لعبت دوراً حاسماً في إقناع القيادة السودانية بأن ثمن القاعدة الروسية قد يكون “عزلة سياسية” لا يحتملها السودان في ظروفه الحالية.
ممر التجارة العالمية في قلب الصراع
تثير فكرة القاعدة الروسية قلقاً دولياً واسعاً، كونها تقع بالقرب من ممر ملاحي حيوي يمر عبره نحو 12% من التجارة العالمية.
ويرى مراقبون أن البرهان اختار في نهاية عام 2025 ترجيح كفة التهدئة مع الغرب والسعودية، طمعاً في الحصول على دعم اقتصادي واعتراف سياسي أوسع، مع الإبقاء على التعاون الفني والعسكري مع موسكو في مجالات التسليح والتعدين بعيداً عن ملف القواعد.
ويمثل قرار تجميد القاعدة الروسية في هذا التوقيت انعطافة حادة في استراتيجية “دبلوماسية الضرورة” التي اتبعتها حكومة بورتسودان. يمكن تلخيص تداعيات هذا القرار في المحاور التالية:
الاستجابة لـ “الخط الأحمر” السعودي
تعتبر الرياض أمن البحر الأحمر امتداداً لأمنها القومي، خاصة مع مشروعاتها العملاقة على الساحل (مثل نيوم). وجود قاعدة روسية كان سيعني توتراً دائماً مع الجار الأهم للسودان. بتجميد الاتفاق، ضمن البرهان استمرار الدعم الإنساني والسياسي السعودي، وإبقاء “منبر جدة” كخيار تفاوضي متاح تحت مظلة إقليمية مقبولة.
تحييد الضغوط الأمريكية والغربية
كانت واشنطن تلوح بعقوبات أشد في حال مضي السودان في منح موسكو موطئ قدم على البحر الأحمر. هذا التجميد يمنح الجيش السوداني مساحة للمناورة مع الإدارة الأمريكية لرفع القيود عن بعض التحويلات المالية.
وكذلك تقليل فرص اعتراف القوى الغربية بشرعية “قوات الدعم السريع” كطرف مكافئ تماماً للدولة.
ميزان القوى العسكري (سلاح روسيا مقابل شرعية الغرب)
دخل الجيش في مقايضة صعبة؛ فهو يحتاج بشدة للمسيرات والذخائر الروسية لحسم معارك الميدان، لكنه يدرك أن “ثمن” القاعدة قد يكون باهظاً سياسياً.
السيناريو الحالي: الاستمرار في شراء السلاح الروسي نقداً أو عبر عقود تعدين الذهب، مع استبعاد “السيادة البحرية” من الصفقة حالياً.
هل هو تجميد أم إلغاء؟
يجمع المراقبون على أن الملف “مجمد” وليس “ملغى”. وهذا يعني أن البرهان يحتفظ بهذه الورقة لاستخدامها مجدداً في حالتين:
إذا أحرزت قوات الدعم السريع تقدماً ميدانياً خطيراً يهدد بورتسودان.
إذا فشلت الضغوط السعودية والأمريكية في وقف تدفق السلاح لمنافسيه.










