ضربات في اليمن وحدود بحرية تشعل أخطر خلاف خليجي منذ عقود
الأزمة بين السعودية والإمارات دخلت أخطر مراحلها مع نهاية 2025 بعد تحوّل الخلافات السياسية والأمنية في اليمن والسودان وقضية الحدود البحرية إلى مواجهة علنية وقرارات متبادلة تعيد رسم خريطة التحالفات في الخليج والمنطقة.
التطور الأبرز تمثل في مطالبة الرياض أبوظبي بسحب قواتها من اليمن خلال 24 ساعة، وحديث مراقبين عن “لحظة مفصلية” في مسار العلاقة بين البلدين بعد سنوات من التنسيق الوثيق.
الشرارة الأخيرة: اليمن في قلب العاصفة
التصعيد بلغ ذروته مع تنفيذ تحالف تقوده السعودية ضربة جوية على ميناء المكلا في جنوب اليمن، قالت الرياض إنها استهدفت شحنة أسلحة وصلت لدعم قوات “المجلس الانتقالي الجنوبي” المدعوم من الإمارات. أعقب الضربة إعلان مجلس القيادة الرئاسي اليمني إلغاء اتفاقية الدفاع المشترك مع أبوظبي، وفرض حالة الطوارئ وحصار بري وبحري وجوي مؤقت بدعم سعودي مباشر.
الرياض تبنت خطابًا صارمًا، معتبرة أن دعم فصائل جنوبية تتحرك قرب حدودها “تهديد مباشر للأمن القومي وخطًا أحمر لن يُسمح بتجاوزه”، في إشارة واضحة لدور الإمارات في بناء نفوذ منفصل عبر المجلس الانتقالي في الجنوب.
في المقابل، نفت أبوظبي اتهامات “تغذية الانقسام” وقالت إنها ترفض الزج باسمها في الصراع بين القوى اليمنية، لكنها أعلنت لاحقًا سحب ما تبقى من قواتها من البلاد.
أبعاد أعمق: من السودان إلى الحدود البحريةاليمن ليس سوى واجهة لخلاف أوسع؛ إذ تعززت الهوة مع دعم كل طرف لمعسكر مختلف في حرب السودان، حيث تميل الإمارات لدعم قوات الدعم السريع، بينما تميل السعودية لمساندة الجيش الرسمي والسعي إلى الوساطة في مسار جدة.
هذا التباين في الرهانات الإقليمية أظهر صراع نفوذ حقيقي في البحر الأحمر والقرن الإفريقي، بدل الشراكة الكاملة التي ظهر عليها التحالف خلال سنوات سابقة.
إلى جانب ذلك، انفجر ملف ترسيم الحدود البحرية بين البلدين إلى السطح، بعد أن بعثت الرياض مذكرة رسمية للأمم المتحدة في فبراير 2025 رفضت فيها إعلان الإمارات تطبيق خطوط أساس مستقيمة على سواحلها، معتبرة أن ذلك يخالف اتفاق ترسيم الحدود عام 1974 والقانون الدولي.
هذه الخطوة عكست انتقال الخلاف من غرف مغلقة إلى مؤسسات دولية، وهو تطور نادر في العلاقات الخليجية الداخلية
.الاقتصاد وأوبك+: التنافس المكتوم
على المستوى الاقتصادي، تكشف تقارير غربية أن التباين في رؤية البلدين داخل “أوبك+” حول مستويات الإنتاج والأسعار يعمّق فجوة الثقة بينهما، وسط رغبة سعودية في ضبط السوق على المدى الطويل مقابل سعي إماراتي لزيادة حصتها الإنتاجية وتوسيع استثماراتها المستقلة.
مراقبون يحذّرون من أن أي تصعيد سياسي جديد قد ينعكس على وحدة الموقف داخل أوبك+، ما يربك أسواق الطاقة العالمية ويضغط على اقتصادات الخليج نفسها.
إلى جانب النفط، يتفاقم التنافس على جذب المقرات الإقليمية للشركات العالمية، حيث تقود السعودية سياسة “الرياض أولًا” بينما تطور الإمارات نموذج دبي وأبوظبي كمراكز مالية وسياحية، في سباق نفوذ اقتصادي ناعم يوازي الخلافات الأمنية.
الخطاب والإشارات السياسية
تحليلات سياسية عدة تشير إلى أن “برودة” العلاقة مستمرة منذ نحو عامين على الأقل، تجلت في انخفاض الزيارات الرسمية رفيعة المستوى وتراجع ظهور التنسيق العلني في الملفات الإقليمية
تقارير صحفية استحضرت تصريحات منسوبة إلى ولي العهد السعودي يُقال إنه اتهم الإمارات في جلسة مغلقة قبل سنوات بـ“الطعن في الظهر” على خلفية تباين المواقف في ملفات اليمن والنفط، ما يعكس تراكمات لم تُحسم بالكامل.
مع ذلك، لا يزال الخطاب الرسمي في البلدين يتحدث عن “حرص على العلاقات الأخوية” و“ضبط الخلافات”، في محاولة لاحتواء مخاوف الأسواق والبيئة الخليجية الأوسع من انزلاق الخلاف إلى قطيعة كاملة أو مواجهة مباشرة.
إلى أين تتجه الأزمة؟
خبراء في شؤون الخليج يرون أن الأزمة الراهنة تمثل أعلى درجات التصعيد العلني بين الرياض وأبوظبي منذ تأسيس مجلس التعاون، لكنها لا تعني بالضرورة انهيارًا كاملًا للتحالف، بل إعادة تفاوض على قواعد اللعبة في اليمن والبحر الأحمر والطاقة.
السيناريوهات المطروحة تتراوح بين تهدئة مشروطة عبر وساطات عربية ودولية، أو استمرار “الحرب الباردة” بين الحليفين السابقين ضمن حدود مدروسة لا تمس استقرارهما الداخلي.
في كل الأحوال، تبدو المنطقة أمام لحظة فارقة: فالعلاقة التي كانت توصف قبل سنوات بأنها “محور حديدي يقود الشرق الأوسط” تحولت اليوم إلى ملف مفتوح على احتمالات التقارب المشروط أو القطيعة التدريجية، في وقت تترقب فيه العواصم العربية والدولية كل إشارة تهدئة أو تصعيد جديد بين الرياض وأبوظبي.










