رسالة نارية من بكين.. مناورات بالذخيرة الحية تهز مضيق تايوان
في تصعيد خطير يهدد بجرّ منطقة شرق آسيا إلى مواجهة عسكرية مفتوحة، أعلنت وزارة الدفاع الصينية عن تنفيذ مناورات ضخمة بالذخيرة الحية بالقرب من سواحل تايوان، تضمنت إطلاق دفعات من الصواريخ الباليستية قصيرة ومتوسطة المدى، في خطوة وصفتها تايبيه بأنها “استفزاز مباشر ومحاولة لترهيب الجزيرة”.
التحرك العسكري الصيني يأتي بعد أيام قليلة من زيارة وفد أمريكي رفيع المستوى إلى العاصمة التايوانية، الأمر الذي أثار غضب بكين ودفعها إلى وصف الخطوة بأنها “تعدٍ صارخ على سيادتها ووحدتها الإقليمية”.
المناورات الحالية تُعد الأكبر من نوعها منذ أكثر من أربع سنوات، وشارك فيها الأسطول الشرقي لجيش التحرير الشعبي إلى جانب قوات الصواريخ والمدفعية الساحلية.
ووفقًا لبيان وزارة الدفاع الصينية، فقد “تم تنفيذ عمليات إطلاق دقيقة لصواريخ موجهة لضرب أهداف بحرية تحاكي سفنًا معادية”، مؤكدة أن “الهدف هو اختبار الجاهزية القتالية وردع القوى الانفصالية في تايوان.
”تايبيه ترد بلهجة صارمةفي المقابل، أعلنت وزارة الدفاع التايوانية أن أنظمة الرادار في الجزيرة رصدت أكثر من عشرة صواريخ سقط بعضها في المياه الإقليمية القريبة من السواحل الشمالية والشرقية، مؤكدة أن قواتها في “أقصى درجات التأهب”
.وقالت الوزارة في بيان رسمي:“الصين تستخدم الذخيرة الحية لترهيب شعبنا، لكن القوات المسلحة التايوانية قادرة على الدفاع عن أراضيها وسترد بالشكل المناسب على أي خرق لخطوطها الحمراء.”وأفاد البيان بأن الدفاعات الجوية التايوانية تم تفعيلها بشكل احترازي، بينما تم تعليق مؤقت للملاحة في بعض الممرات الجوية والبحرية القريبة من مناطق التدريب الصيني لتجنب وقوع أي حوادث عرضية.ردود فعل دولية غاضبة
الولايات المتحدة سارعت لإدانة التصرفات الصينية، حيث وصف البنتاغون المناورات بأنها “تصعيد خطير وغير مسؤول يهدد الاستقرار في منطقة المحيطين الهندي والهادئ.” وأكد أن الجيش الأمريكي يتابع من كثب تحركات القوات الصينية باستخدام الأقمار الصناعية وطائرات الاستطلاع.
من جانبه، قال وزير الخارجية الأمريكي في بيان:“إطلاق الصواريخ بالقرب من تايوان عمل استفزازي يهدد حرية الملاحة الجوية والبحرية، ونحن نحث الصين على ضبط النفس الفوري.”كما أعلنت اليابان والفلبين وأستراليا قلقها العميق من التصعيد الصيني، بينما دعا الاتحاد الأوروبي إلى الحوار و”احترام الوضع الراهن في مضيق تايوان”
.تحليل عسكري ورسائل سياسية
المحللون يرون أن إطلاق الصواريخ يحمل أهدافًا تتجاوز البعد العسكري، فهو بمثابة رسالة سياسية مزدوجة موجهة إلى الداخل الصيني والخارج معًا.
فالقيادة في بكين تسعى لتأكيد أن تايوان ليست مجرد قضية خارجية، بل جوهر الهوية الوطنية الصينية، وأن أي محاولة لدعم استقلالها ستواجه بالقوة.
الخبير العسكري “تشن يونغ” قال لوسائل إعلام صينية رسمية إن “الاستعدادات الحالية تُظهر قدرة الجيش على عزل الجزيرة بالكامل في حال نشوب صراع”، مشيرًا إلى أن الجيش “قد يستخدم حصارًا بحريًا وجويًا لمنع أي دعم خارجي عن تايبيه”.
في المقابل، وصف مركز الدراسات الإستراتيجية الأمريكي المناورات بأنها “عرض قوة مُنسق يهدف لقياس رد فعل الولايات المتحدة وحلفائها قبل أي تحرك فعلي”، مضيفًا أن “إطلاق الصواريخ بالذخيرة الحية يشير إلى مرحلة جديدة من اختبار الجاهزية الصينية”.
تفاعل الشارع التايوانيداخل تايوان، عاش السكان يومًا مشحونًا بالقلق، حيث سُمعت أصوات الانفجارات من مناطق الساحل الشرقي، وشوهدت طائرات مقاتلة تحلق بكثافة فوق العاصمة تايبيه استعدادًا لأي تطور مفاجئ.
ورغم حالة التحذير القصوى، أعلنت الحكومة أن الحياة اليومية مستمرة وأن الخدمات العامة لم تتأثر.لكن بعض المواطنين أعربوا عن مخاوفهم من أن تكون هذه المناورات مقدمة لغزو فعلي. فقد قالت إحدى السيدات في مقابلة مع القناة الرسمية: “نسمع أصوات الانفجارات ونتذكر أوكرانيا.
نخشى أن تكون هذه البداية فقط.”بكين: “تحذير لا إعلان حرب”مع تزايد الانتقادات الدولية، أصدرت وزارة الخارجية الصينية بيانًا أكدت فيه أن “المناورات ليست إعلانًا للحرب، بل تحذيرًا ضروريًا ضد الاستفزازات المتكررة من سلطات تايوان والدول الداعمة لها”، مشددة على أن “سيادة الصين على تايوان مسألة غير قابلة للنقاش
.”وأكد البيان أن الجيش الصيني “يلتزم بضبط النفس، لكنه “لن يتردد في اتخاذ إجراءات أقوى إذا واصلت تايوان اللعب بالنار.”الخلاصة: أزمة تتدحرج نحو المجهول
بينما تصر بكين على “حقها السيادي”، وتتمسك تايبيه بحقها في “الدفاع عن الديمقراطية”، يقف العالم اليوم أمام أزمة حقيقية تذكّر بأجواء الحرب الباردة، حيث تتقاطع فيها الحسابات العسكرية مع الأجندات السياسية والانتخابية في واشنطن وبكين.
ويحذر خبراء العلاقات الدولية من أن أي خطأ في الحساب أو إطلاق نار عرضي قد يشعل صراعًا لا يمكن السيطرة عليه، ما يجعل مضيق تايوان أكثر بقاع العالم قابلية للاشتعال في عام 2026 المقبل










