قالت “هيومن رايتس ووتش” إن على الدول الأعضاء في الأمم المتحدة رفض طلب السعودية الحصول على مقعد في “مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة” بسبب الانتهاكات الواسعة النطاق التي ارتكبتها المملكة، بما فيها جرائم محتملة ضد الإنسانية.
وقد اختارت “الجمعية العامة للأمم المتحدة” 18 عضوا جديدا لولاية مدتها ثلاث سنوات في مجلس حقوق الإنسان، تبدأ في يناير/كانون الثاني 2025. في ذلك التصويت، الذي يكاد يخلو من المنافسة، على وفود الدول أن تنظر بجدية فيما إذا كانت قطر وتايلاند وإثيوبيا تستحق أن تكون في المجلس الذي يضم 47 دولة نظرا للمخاوف الخطيرة بشأن سجلاتها الحقوقية.
قال لويس شاربونو، مدير شؤون الأمم المتحدة في هيومن رايتس ووتش: “السعودية ليست جديرة بعضوية مجلس حقوق الإنسان، وعلى الدول الأعضاء في الأمم المتحدة رفض ترشيح المملكة، كما فعلت في 2020. فالحكومات التي ترتكب جرائم ضد الإنسانية أو جرائم فظيعة مماثلة وتضمن إفلات المسؤولين عنها من العقاب ينبغي ألا تُكافَأ بمقاعد في أعلى هيئة حقوقية أممية”.
يحثّ قرار الجمعية العامة 60/251، الذي أنشأ مجلس حقوق الإنسان، الدول التي تصوت لاختيار الأعضاء على مراعاة “إسهام المرشحين في تعزيز وحماية حقوق الإنسان”. ويطلب من أعضاء المجلس أن يتحلوا “بأعلى المعايير في تعزيز وحماية حقوق الإنسان” في بلدانهم وخارجها “وأن يتعاونوا مع المجلس تعاونا كاملا”.
وقد وثّقت هيومن رايتس ووتش قتل حرس الحدود السعودي مئات المهاجرين وطالبي اللجوء الإثيوبيين الذين حاولوا عبور الحدود اليمنية-السعودية في عامي 2022 و2023، وهي جرائم محتملة ضد الإنسانية. كما لم تكن هناك مساءلة عن جرائم الحرب الكثيرة التي ارتكبها التحالف بقيادة السعودية في اليمن خلال النزاع الذي بدأ هناك في 2015، ويرجع ذلك لأسباب منها الجهود السعودية لتعطيل تحقيق أممي مستقل في انتهاكات حقوق الإنسان وجرائم الحرب.
كما لم تجرِ السعودية أي مساءلة عن جريمة قتل الصحفي السعودي جمال خاشقجي في القنصلية السعودية في إسطنبول عام 2018، والتي وقعت قبل ست سنوات في مثل هذا الأسبوع. وقد خلص تقرير استخباري أمريكي صدر عام 2018 إلى أن ولي العهد محمد بن سلمان هو من أعطى موافقته على جريمة القتل.
في التصويت المقبل، تتنافس 19 دولة على 18 مقعدا، تم توزيعها وفقا للمجموعات الجغرافية الخمس في الأمم المتحدة. مجموعة آسيا والمحيط الهادئ هي الوحيدة التي فيها قدر ضئيل من المنافسة: ستة مرشحين – تايلاند وجزر المارشال والسعودية وقبرص وقطر وكوريا الجنوبية – يتنافسون على خمسة مقاعد.
أما القوائم الأخرى فلا توجد فيها أي منافسة، ما يعني أن جميع المرشحين ضمنوا تقريبا فوزهم بالمقاعد. وفي أفريقيا، المرشحون هم إثيوبيا وبنين وجمهورية الكونغو الديمقراطية وغامبيا وكينيا. بالنسبة لأمريكا اللاتينية ومنطقة البحر الكاريبي، تتنافس بوليفيا وكولومبيا والمكسيك على ثلاثة مقاعد. بالنسبة لمجموعة أوروبا الغربية، تسعى كل من إسبانيا وأيسلندا وسويسرا للحصول على المقاعد الثلاثة. بالنسبة لأوروبا الوسطى والشرقية، من المرتقب حصول جمهورية التشيك ومقدونيا الشمالية على المقعدين المتاحين.
لدى قطر وتايلاند سجلات حقوقية سيئة، وكلاهما يستخدم قوانين غامضة وفضفاضة تجعل من انتقاد الحكومة جريمة جنائية. وتقمع السلطات القطرية الحقوق الأساسية في المشاركة الديمقراطية، ولم تعوّض العمال الوافدين عن الانتهاكات واسعة النطاق قبل “كأس العالم فيفا” لكرة القدم 2022 في قطر، ومنها سرقة الأجور والوفيات غير المبررة للعمال الذين حضّروا البطولة وأنجزوها.
وبموجب دستور تايلاند لعام 2018 الذي تشوبه عيوب جوهرية والصادر في ظل الحكم العسكري، حلّت السلطات الحزب السياسي الفائز بأكبر عدد من الأصوات في انتخابات 2023، وحاكمت قرابة ألفَي شخص بموجب مرسوم طوارئ منتهي الصلاحية وقوانين فضفاضة بشأن إهانة الملك والفتنة والجرائم الإلكترونية، ما يقوض الحق في حرية التعبير، وتكوين الجمعيات، والتجمع، والمشاركة الديمقراطية.
في إثيوبيا، ما يزال ضحايا الجرائم ضد الإنسانية وغيرها من الفظائع في انتظار المساءلة الحقيقية في حين ارتكبت القوات الحكومية جرائم حرب خلال النزاعات المستمرة كما هو الحال في منطقة أمهرة. وقد قوّضت إثيوبيا الرقابة الدولية على الانتهاكات الجسيمة، بما فيها التحقيقات الإقليمية التي تجريها الأمم المتحدة والتحقيقات الإقليمية الأفريقية.
أما في كينيا، فقد أطلقت قوات الأمن النار مباشرة على حشود من المحتجين خلال المظاهرات التي عمت البلاد في يونيو/حزيران احتجاجا على مشروع قانون المالية الذي اقترحته الحكومة. ولم تكن هناك أي مساءلة واضحة لأفراد قوات الأمن الذين استخدموا القوة المفرطة والقاتلة التي قتلت متظاهرين، ومنهم من كان يفر.
وفي جمهورية الكونغو الديمقراطية، اتخذت السلطات إجراءات صارمة ضد أعضاء أحزاب المعارضة ونشطاء المجتمع المدني ومنتقدي الحكومة والصحفيين طوال فترة الانتخابات الرئاسية لعام 2023 وما بعدها. وباستثناء عدد قليل من الإدانات، لم يحاسَب أفراد قوات الأمن الكونغولية المسؤولين عن قتل 57 شخصا على الأقل في غوما في أغسطس/آب 2023.
وفي المكسيك، تتقاعس الحكومة عن التصدي للعنف الإجرامي واسع النطاق والانتهاكات المتكررة على يد قوات الأمن الحكومية. وبصفتها عضوا حاليا في مجلس حقوق الإنسان، قادت المكسيك قرارات مواضيعية هامة بشأن حقوق المهاجرين، لكنها لم تتخذ إجراءات بشأن الانتهاكات المتفشية ضد المهاجرين ضمن حدودها.
كما أن بوليفيا، العضو الحالي في مجلس حقوق الإنسان والتي تسعى إلى إعادة انتخابها، عارضت باستمرار مراجعة السجلات الحقوقية السيئة لحكومات مختلفة، منها نيكاراغوا وروسيا وإيران. وتفتقر محاكم البلاد إلى الاستقلالية، وقد استخدمتها الحكومات المتعاقبة لمحاكمة المعارضين بشكل تعسفي.
وما تزال معدلات العنف في كولومبيا مرتفعة، حيث تقتل المجموعات المسلحة المدافعين عن حقوق الإنسان وتجند الأطفال وترتكب انتهاكات خطيرة أخرى.
ولدى الجمهورية التشيكية سجل قوي في دعم حقوق الإنسان في أوكرانيا والمساءلة عن جرائم الحرب التي ارتكبها الجيش الروسي وغيرها من الفظائع. لكنها اتخذت نهجا معاكسا مع إسرائيل وفظائعها المرتكبة في فلسطين، وصوتت في سبتمبر/أيلول ضد قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة الذي يؤيد الحكم التاريخي لـ “محكمة العدل الدولية” الذي يدعو إلى إنهاء الانتهاكات الإسرائيلية المرتكبة خلال الاحتلال الإسرائيلي للأراضي الفلسطينية على مدى عقود.
قال شاربونو: ”الغياب شبه التام للمنافسة في التصويت في مجلس حقوق الإنسان هذا العام يجعل من كلمة ‘انتخابات’ مدعاة للسخرية ويمهد الطريق أمام جميع المرشحين تقريبا للحصول على مقعد، سواء كانوا يستحقونه أم لا. على الدول أعضاء المجلس المهتمة بحقوق الإنسان أن تستغل سنوات ولايتها الثلاث لدعم التدقيق بشأن جميع الدول التي تبرر سجلاتها الحقوقية ذلك، سواء كانت في المجلس أو خارجه”.