منذ مارس الماضي، يتدفق تمويل أجنبي على مصر المثقلة بالديون، بعد الاتفاق مع صندوق النقد الدولي لاستئناف برنامج الإصلاح الاقتصادي الذي تم التوافق بشأنه في ديسمبر 2022.
واتفقت مصر مع صندوق النقد الدولي، في بداية العام، على زيادة حجم التمويلات ضمن برنامج يستمر حتى خريف 2026، من 3 مليارات دولار إلى 8 مليارات.
وتعد التجربة الغانية أقرب للقاهرة، إذ بعد تعرضها لأزمة ديون كبيرة أدت إلى إفلاسها المالي عام 2022، نجحت غانا في إعادة هيكلة ديونها مع مجموعة متنوعة من الدائنين، بما في ذلك الدول الغربية والصين، والمستثمرين من القطاع الخاص.
وقال موقع “لو فيغارو” الفرنسي إن “الحكومة نجحت في تخفيف عبء الديون المحلية، مما أدى إلى توفير سيولة مالية جديدة للموازنة العامة”.
وأوضح أنه “بفضل العديد من الإجراءات، بدأت غانا في استعادة الثقة المالية، كما تحسن التصنيف الائتماني لها من قبل وكالة موديز”.
مع ذلك، أشار الموقع إلى “استمرار تحديات مثل ارتفاع التضخم وتراجع العملة المحلية، رغم توقعات بنمو اقتصادي قوي في الفترة المقبلة”.
ولفت “لو فيغارو” إلى أن “غانا، قبل بضع سنوات، كان يُنظر إليها على أنها بطل غرب إفريقيا، وكنموذج للديمقراطية، نالت الثناء على استقرارها السياسي وحسن إدارتها ونموها الديناميكي”.
وأردف: “إذ تمكنت أكرا من الاعتماد على نفسها، متحررة من وصاية صندوق النقد الدولي، كما تمكنت من تمويل نفسها في الأسواق الدولية”.
وعلى مدى أربع سنوات، من 2018 إلى 2021، قال الموقع إن “غانا تمكنت من جمع حوالي 3 مليارات من سندات اليوروباوند سنويا”.
واستدرك: “ولكن هذه الفترة السعيدة توقفت فجأة بسبب سلسلة من الصدمات، جائحة كورونا والحرب في أوكرانيا وارتفاع أسعار المواد الخام، وهو ما أثر بشدة على البلاد”.
ونقل الموقع عن أحد الاقتصاديين قوله إنه “في عام 2022، مع تصاعد عبء الديون إلى مستوى غير محتمل، تخلفت أكرا عن سداد ديونها لدرجة أدهشت الجميع نظرا إلى سمعتها الجادة”.
وبسبب هذه المحنة، اضطرت البلاد للعودة مرة أخرى إلى صندوق النقد الدولي. وفي نهاية عام 2022، بحسب ما ذكره الموقع الفرنسي، بدأت الحكومة في تنفيذ إجراءات لإعادة هيكلة الديون.
وفي هذا الصدد، أوضحت “لو فيغارو” أن هذه العملية شملت ديونها المحلية تجاه الدائنين من البنوك والمؤسسات، وكذلك الديون الدولية الثنائية مع دائني نادي باريس ودول ناشئة أخرى -مثل الصين والهند وتركيا وجنوب إفريقيا، إضافة إلى الديون الخاصة.
جدير بالإشارة إلى أن “غانا تُعد واحدة من أربعة بلدان -إلى جانب زامبيا وإثيوبيا وتشاد- طلبت إعادة هيكلة ديونها بموجب الإطار المشترك الجديد لمجموعة العشرين، والذي يفرض معاملة متساوية لجميع الدائنين”.
ولفت الموقع إلى أن “هذه الإجراءات تستغرق وقتا طويلا بسبب تنوع الديون التي تحملتها البلدان الفقيرة على مدى السنوات العشرين الماضية من مجموعة متنوعة من المقرضين”.
وفي مصر تتقارب الصورة مع غانا، اذ قال البنك المركزي المصري، الأربعاء، إن مصر سددت 23.8 مليار دولار من أعباء خدمة الدين الخارجي من الفوائد والأقساط خلال 9 شهور في الفترة (يوليو 2023- مارس 2024).
وأضاف في تقرير نشرته وسائل إعلام مصرية، أن أعباء خدمة الدين تنقسم إلى 8.168 مليار دولار بنهاية الربع الأول من 2023-2024، و7.384 مليار دولار خلال الربع الثاني، و8.255 مليار دولار خلال الربع الثالث من العام المالي الماضي.
وتراجع الدين الخارجي لمصر ليسجل 160.6 مليار دولار بنهاية مارس 2024، مقابل 164.5 مليار دولار بنهاية الربع الأول من 2023-2024 بحسب ما نشر موقع اتحاد بنوك مصر، الأربعاء.
أصبحت مباحثات مصر مع صندوق النقد الدولي وثيقة الصلة بتطورات الحرب على قطاع غزة بشكل واضح، وربما أحد الأسباب الرئيسية المحركة لها بعد تعليقها؛ بسبب فشل التوصل إلى اتفاق بين الطرفين حول آلية تنفيذ البرنامج الاقتصادي.
هذا الارتباط الوثيق، بحسب مراقبين ونشطاء، ظهر على مستويين؛ الأول مع الأسابيع الأولى من بداية الحرب والحديث عن زيادة محتملة لبرنامج القرض نتيجة الصعوبات الاقتصادية الناجمة عن هذه الحرب؛ والثاني الحاجة لتقديم “دعم شامل” لمساعدة مصر على التعامل مع الضغوط التي تفرضها قضية اللجوء من غزة.
وأثار استمرار ربط مباحثات صندوق النقد مع مصر بالحرب على قطاع غزة تساؤلات واسعة حول المغزى من ربط برنامج المساعدات الاقتصادية تارة بتداعيات الحرب على مصر، وتارة أخرى بالضغوط التي يشكلها احتمال استقبال لاجئين من غزة.