أصدرت المحكمة الدستورية العليا، برئاسة المستشار بولس فهمي، حكماً تاريخياً هاماً يخص ملايين المواطنين من الملاك والمستأجرين، حيث قضت بعدم دستورية الفقرة الأولى من المادتين (1 و 2) من القانون رقم 136 لسنة 1981 بشأن بعض الأحكام الخاصة بتأجير الأماكن وتنظيم العلاقة بين المؤجر والمستأجر. وتضمنت هاتين المادتين تحديد الأجرة السنوية للأماكن المرخص بإقامتها لأغراض السكنى على أن تظل ثابتة من تاريخ العمل بالقانون، وهو ما اعتبرته المحكمة غير دستوري.
حيثيات الحكم
وقالت المحكمة في حيثيات حكمها، إن تثبيت القيمة الإيجارية عند لحظة معينة من الزمان لمدة عقود طويلة، دون أن تتأثر بالتغيرات الاقتصادية من زيادة معدلات التضخم أو انخفاض القوة الشرائية، يشكل عدوانًا على مبدأ العدل وإهدارًا لحق الملكية. وأكدت المحكمة أن هذا النظام الذي يثبت الأجرة بمرور الوقت يتسبب في إهدار عائد استثمار الأموال من خلال تثبيت الإيجار لفترات طويلة دون النظر إلى التغيرات الاقتصادية التي تطرأ على السوق.
وأضافت المحكمة أن القوانين الاستثنائية الخاصة بإيجار الأماكن السكنية تتسم بخصيصتين أساسيتين: الأولى الامتداد القانوني لعقود الإيجار، والثانية التدخل التشريعي في تحديد قيمة الأجرة. وأوضحت المحكمة أن هذا التدخل يجب أن يكون منظمًا بحيث يحقق التوازن بين حقوق المالك والمستأجر، بما يضمن عدم استغلال المستأجر في تحديد الأجرة، وفي نفس الوقت يحترم حقوق المالك في الحصول على عائد مناسب لاستثماره.
الأثر المستقبلي للحكم
وبناءً على ذلك، قررت المحكمة أن أثر الحكم سيبدأ من اليوم التالي لانتهاء دور الانعقاد التشريعي الحالي لمجلس النواب (الدورة البرلمانية الخامسة)، مما يعطي للمشرع مدة زمنية كافية لسن التشريعات الجديدة التي تنظم تحديد أجرة الأماكن السكنية، بما يتماشى مع مبدأ التوازن الذي دعا إليه الحكم.
وفي هذا السياق، أكد المستشار محمود غنيم، نائب رئيس المحكمة ورئيس المكتب الفني، أن المحكمة منحت المشرع مهلة ليختار بين البدائل المناسبة لوضع ضوابط قانونية جديدة تنظم العلاقة بين المالك والمستأجر، وبالتالي على مجلس النواب الإسراع في إصدار قانون جديد يراعي هذا التوازن المطلوب.
دعوة للمشرع
وأشارت المحكمة إلى أن المشرع يجب أن يتحرك بسرعة لتطوير تشريع يعالج المسائل المتعلقة بالإيجارات القديمة، ويضع ضوابط عادلة وموضوعية، قبل أن يبدأ تطبيق هذا الحكم، لتجنب حدوث فوضى قانونية في العلاقات التعاقدية القائمة حالياً والتي تستند إلى القانون رقم 136 لسنة 1981.
أهمية الحكم
يعتبر هذا الحكم تطورًا كبيرًا في مسار قانون الإيجار القديم، حيث من المتوقع أن يؤثر بشكل مباشر على ملايين المستأجرين وأصحاب العقارات في مصر، ما يستدعي تحركًا سريعًا من الحكومة والبرلمان لإيجاد حلول قانونية بديلة تراعي حقوق جميع الأطراف.