”الجرائم الإسرائيلية ليست إنجازا”، كان ذلك تصريح الأمين العام لحزب الله، في الوقت الذي يتغاضي فيه عن جرائم حليفه الرئيس الهارب ذو القبضة الحديدية بشار الأسد.
ومثل كرة الثلج تدحرجت أمور المنطقة بسرعة هستيرية، لدرجة أنه لم يعد للمراقب قدرة على التقاط الأنفاس لاستيعاب الأحداث، أحداث عملت عليها كوادر وشعوب منذ عقود، فتحققت خلال أقل من 11 يوماً، ويصح وصفها بما تحدث به يوماً الزعيم الشيوعي الروسي الراحل فلاديمير لينين، عندما قال، “هناك عقود لا يحدث فيها شيء، وهناك أسابيع تحدث فيها عقود”.
وقال حسن فضل الله، النائب عن جماعة حزب الله اللبنانية في مجلس النواب اللبناني ، إن الجماعة تعتبر ما يجري في سوريا “تحولا كبيرا وخطيرا وجديدا” وذلك في أول رد فعل للجماعة المدعومة من إيران على الإطاحة بحليفها بشار الأسد.
ولعب حزب الله دورا رئيسيا في دعم الأسد خلال سنوات الحرب في سوريا قبل إعادة مقاتليه إلى لبنان خلال العام الماضي للقتال في حرب ضروس مع إسرائيل، ما أضعف خطوط الحكومة السورية.
وينتمي بشار الي الجيل الثاني من سلالة عائلية استبدادية احتفظت بالسلطة لأكثر من 5 عقود، واختفاؤه وسط تقدم سريع للمعارضين السوريين المسلحين يشير إلى إعادة ترتيب هائلة للسلطة في دولة ذات أهمية استراتيجية في الشرق الأوسط.
يُعرف الأسد بحكمه الوحشي لسوريا، التي دمرتها منذ عام 2011 حرب أهلية وحولتها إلى أرض خصبة لتنظيم “داعش” الإرهابي، كما أشعلت حربًا دولية بالوكالة وأزمة لاجئين شهدت نزوح الملايين من ديارهم.
بدأت الحرب بعد أن رفض نظام الأسد الرضوخ للاحتجاجات الجماهيرية المؤيدة للديمقراطية في ذلك العام خلال الربيع العربي، وشن بدلًا من ذلك حملة قمع وحشية على الحركة السلمية، مما أسفر عن مقتل وسجن الآلاف في الأشهر القليلة الأولى فقط من الاحتجاجات.
ومنذ ذلك الحين، اتُهمت قوات الأسد بارتكاب انتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان وهجمات وحشية ضد المدنيين طوال الحرب التي استمرت 13 عامًا، بما في ذلك استخدام الأسلحة الكيميائية ضد شعبها.
وفي بداية الحرب، دعت الولايات المتحدة والأردن وتركيا والاتحاد الأوروبي الأسد إلى التنحي، لكن النظام الذي يعاني من عقوبات غربية شديدة ومعزول دوليا تمسك بالسلطة حتى الآن بفضل دعم حلفائه الأقوياء روسيا وإيران، وحملة بلا رحمة ضد المعارضة.
جاءت مشاهد الاحتفالات في المدن السورية كشاهد على فظاعة النظام. ففي حمص، أظهرت مقاطع فيديو رصدتها “المنشر” سكان المدينة وهم يمزقون ملصقات تحمل صورة الأسد ووالده في مشاهد تذكرنا بصور رمزية من عام 2011.
تولى الأسد السلطة في انتخابات بلا منافسين في عام 2000 بعد وفاة والده حافظ الأسد، الذي ارتقى من الفقر ليقود حزب البعث واستولى على السلطة في عام 1970، ليصبح رئيسًا للبلاد في العام التالي.
نشأ بشار الأسد في ظل والده، حليف السوفييت الذي حكم سوريا لمدة 3 عقود وساعد في دفع الأقلية العلوية إلى مناصب سياسية واجتماعية وعسكرية رئيسية.
ومثله كمثل ابنه الذي خلفه، لم يتسامح حافظ الأسد مع المعارضة، حيث كان القمع منتشرًا على نطاق واسع، وكانت نوبات العنف الشديد من جانب الدولة تحدث بشكل دوري.
وفي عام 1982، أمر حافظ الأسد جيشه وأجهزة الاستخبارات بقتل الآلاف من معارضيه في مدينة حماة ــ التي استولى عليها مسلحو المعارضة في وقت سابق من هذا الأسبوع ــ وأنهى انتفاضة قادتها جماعة الإخوان المسلمين.
وباعتباره الابن الثاني غير المستعد لارتداء عباءة والده، درس بشار طب العيون في لندن حتى وفاة شقيقه الأكبر باسل، الذي كان قد تم إعداده لخلافة حافظ، في حادث سيارة عام 1994.
ثم برز بشار على الصعيد الوطني ودرس العلوم العسكرية، وأصبح فيما بعد عقيدًا في الجيش السوري.بعد وفاة والده في يونيو عام 2000، لم يستغرق الأمر سوى ساعات حتى يتمكن البرلمان السوري من تغيير الدستور وخفض سن الأهلية للرئاسة من 40 عامًا إلى سن الأسد في ذلك الوقت وهو 34 عامًا، وهي الخطوة التي سمحت له بخلافة والده بعد انتخابات خالية من المنافسين في الشهر التالي.
وأدى سقوط نظام بشار الأسد إلى حرمان حزب الله من حليف مهم على طول الحدود الشرقية للبنان. وكانت سوريا تحت حكم الأسد بمثابة قناة حيوية لإيران لتزويد حزب الله بالأسلحة.
وقال فضل الله في بيان إن “ما يجري في سوريا تحول كبير وخطير وجديد، وكيف ولماذا حصل ما حصل، هذا يحتاج إلى تقييم ولا يجري التقييم على المنابر”.
واجتاحت المعارضة السورية المسلحة بقيادة “هيئة تحرير الشام” دمشق الأحد الماضي واستولت على العاصمة وأجبرت الأسد على المغادرة إلى روسيا.
وكانت إسرائيل قد وجهت ضربات قوية لحزب الله خلال قتال استمر لأكثر من عام تزامنا مع الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة، ودخل اتفاق لوقف إطلاق النار في لبنان حيز التنفيذ في 27 نوفمبر.
وفي ضوء المعطيات الحالية، لا يمكن القول، إن “حزب الله” خذل حليفه بشار الأسد عمداً. بل إن التحديات والضغوط التي واجهها الحزب حدت من قدرته على تقديم دعم فعال في المرحلة الأخيرة من الصراع.
ومع ذلك، يبقى دور “حزب الله” في سوريا محط تساؤلات ونقاشات، خصوصاً في ظل التطورات الإقليمية المتسارعة. ويبدو أن الحزب استُنزف عسكرياً، خلال الحرب التي خاضها في لبنان ضد إسرائيل واستمرت أكثر من شهرين، مما أدى إلى خسائر كبيرة في صفوفه وتقليص قدراته العسكرية.
ومع تصاعد التوترات في المنطقة، واجه الحزب ضغوطاً متزايدة، مما حد من قدرته على تقديم دعم فعال للنظام السوري في مراحله الأخيرة، ولم يكن في إمكانه إلا تقديم الدعم عبر التصريحات أو التحركات المحدودة.
فيما يشير متابعون إلى أن موقف الحزب البارد تجاه ما حصل داخل “قصر المهاجرين” (قصر الرئاسة في سوريا) هو رد فعل على نأي الأسد بنفسه وبنظامه عما حصل في الداخل اللبناني، حتى إنه تأخر أكثر من يومين ليعلق على اغتيال الأمين العام الراحل للحزب حسن نصرالله، مما ترك غصة في قلوب المحازبين والمناصرين، وكان لهم تعليقات ومواقف حينها على وسائل التواصل، انتقدت موقف بشار “المتخاذل”.