جمهورية “ليتوانيا” احتضنت واحدة من أكبر التجمعات اليهودية في أوروبا الشرقية قبل الحرب العالمية الثانية، حيث كانوا يستقرون بشكل أساسي في المدن الرئيسة، وخلال الاحتلال النازي للبلاد، قتل وشرد نحو 95 في المئة من أكثر من 200 ألف يهودي.
وفيما لا ينكر أحد تقريباً هذه المذبحة، ولكن الساسة القوميين سعوا منذ فترة طويلة إلى التقليل من الدور الذي لعبه الإثنيون الليتوانيون في قتل اليهود. ويصرون على أن مثل هذه الروايات التاريخية كانت دعاية من جانب الاتحاد السوفياتي.
ونالت الحكومة الليتوانية الجديدة ثقة البرلمان بعدما قدم ائتلاف من ثلاثة أحزاب تشكيلته برئاسة غينتوتاس بالوتسكاس ممثلاً عن الحزب الاشتراكي الديمقراطي الفائز والاتحاد الديمقراطي “من أجل ليتوانيا” اليساري الوسطي، وحزب الصاعد الجديد، مفاجأة الانتخابات الأخيرة، “فجر نيمان” الشعبوي القومي، الذي حل ثالثاً في الانتخابات.
ومن أصل 141 نائباً في البرلمان الليتواني، من الحاضرين في جلسة التصويت منح الثقة 85 نائباً، فيما حجبها 14، وامتنع 28 عن التصويت.
وقبل طرح التشكيلة الحكومية على تصويت الثقة، وبحسب الدستور، أبدى رئيس البلاد، غيتاناس ناوسيدا موافقته عليها.
كما جرى انتخاب رئيس حزب الاتحاد الديمقراطي “من أجل ليتوانيا”، رئيس الوزراء السابق، ساوليوس سكفارناليس رئيساً للبرلمان بحسب الاتفاق بين أطراف الائتلاف.
ومن أهم الأسماء في الحكومة الجديدة، وزير الخارجية كيستوتيس بودريس ووزيرة الدفاع دوفيله شاكالياني.
وأثارت مشاركة “فجر نيمان” جدلاً كبيراً في البلاد، بسبب مواقف رئيسه ريميغيوس جيمايتايتيس الجدلية، والذي استقال من مقعده النيابي سابقاً هذا العام بعد اتهامه بخرق القسم النيابي بسبب تعليقات اعتبرت معادية للسامية زعم فيها – من دون أي دليل – أن اليهود كما الروس مسؤولون عن إبادة الليتوانيين خلال الاحتلال السوفياتي الأول (1940-1941).
واستغل جيمايتايتيس الهجوم عليه لعزله وتجريده من مقعده في البرلمان وقدم نفسه كضحية لثقافة الإلغاء وشكل حزبه الخاص لخوض الانتخابات التي حقق فيها نتائج مذهلة.
وبعد عودته للبرلمان في الانتخابات الأخيرة تجددت الاتهامات ضده ووافق إثرها برفع الحصانة عنه لكي يتمكن من الدفاع عن نفسه أمام القضاء.
وشهدت العاصمة فيلنيوس تظاهرات، نادرة لهذه الدولة البلطيقية، معارضة لمشاركة حزب “فجر نيمان” في الائتلاف الحكومي، كما تحدثت تقارير إعلامية عن تبعات هذه المشاركة على العلاقة مع الـ”ناتو” وتحديداً نشر القوات الألمانية في البلاد، خصوصاً مع الحساسية المعروفة لدى برلين من القضايا المتعلقة باليهود ومعاداة السامية.
ويتضمن برنامج الحكومة الجديدة فرض ضرائب تصاعدية بشكل أكبر، ورفع رواتب موظفي القطاع العام، وتسريع زيادات الرواتب التقاعدية، وتوفير التمويل الكافي للدفاع الوطني وبنى الطرقات التحتية، والدعم الشامل لأوكرانيا.
وفي مجال الدفاع، يعد البرنامج بتخصيص تمويل لا يقل عن 3.5 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي.ولا يوجد توقعات بحصول أي تغييرات في السياسة الخارجية إذ يُرجح أن يحافظ الائتلاف الجديد على سياسة دعم أوكرانيا في كافة المحافل الدولية والتحالف المتين مع الاتحاد الأوروبي وحلف “الناتو”، وعلى الموقف المتشدد من روسيا وحكم ألكسندر لوكاشينكو في بيلاروس.
وتصف الحكومة المستقبلية الصين بأنها “تحد متزايد” للسياسة الخارجية والأمنية لليتوانيا وتتعهد بتطوير العلاقات الاقتصادية والثقافية مع تايوان.
وشهدت ليتوانيا في الأعوام الأخيرة تحسناً اقتصادياً ملموساً، مكنها من أن تتفوق على جاراتها، إستونيا ولاتفيا، من الدول البلطيق، في عدد من المؤشرات ومنها الناتج المحلي الإجمالي ومستويات الحد الأدنى من الأجور.
وتوقع المصرف المركزي أن تسجل ليتوانيا نمواً وقدره 2.2 في المئة عام 2024، مع توقعات بتخطي هذه النسبة ثلاثة في المئة في العامين المقبلين.كما ارتفع الناتج المحلي للبلاد من 57 مليار دولار عام 2020 إلى 78 ملياراً تقريباً العام الماضي.