في خطوة وصفها مراقبون بأنها جزء من استراتيجية جديدة تهدف إلى تحسين الوضع الاقتصادي والإنساني في مناطق سيطرة “هيئة تحرير الشام”، أعلن قائد الهيئة، أحمد الشرع الملقب بـ “أبي محمد الجولاني”، عن دراسة لرفع رواتب السوريين بنسبة تصل إلى 400%. يأتي ذلك في وقت يشهد فيه الاقتصاد السوري تحديات غير مسبوقة، خاصة مع تدفق السوريين من لبنان والأردن، ما أدى إلى ارتفاع قيمة الليرة السورية بنسبة 20% أمام الدولار خلال اليومين الماضيين، وهو ما يُعتبر تحسناً كبيراً مقارنة بالفترة السابقة.
ارتفاع قيمة الليرة السورية وتحسن الاقتصاد
تزامن هذا الإعلان مع تقرير نشر في 9 ديسمبر 2024 من قبل شركة “كابيتال إكونوميكس” (Capital Economics)، الذي أشار إلى تدهور الاقتصاد السوري بشكل كارثي نتيجة الحرب المستمرة منذ عام 2011. حيث أشار التقرير إلى أن الناتج المحلي الإجمالي للبلاد انخفض بنسبة تزيد على 85%، ليصل إلى أقل من 9 مليارات دولار. كما تدهورت البنية التحتية بشكل كبير، مع تدفق الملايين من السوريين إلى الخارج بسبب النزاع المستمر. كما لفت التقرير إلى أن إنتاج النفط السوري انخفض من 600 ألف برميل يومياً إلى أقل من 100 ألف برميل، وهو ما ساهم في تفاقم الأزمات الاقتصادية.
ورغم هذه التحديات، فإن التحسن الأخير في قيمة الليرة السورية أمام الدولار يعتبر خطوة إيجابية، حيث ارتفعت بنسبة 50% منذ سقوط نظام بشار الأسد، وهو ما يعكس بداية الانتعاش في بعض القطاعات الاقتصادية. ويُعتقد أن تدفق السوريين من لبنان والأردن قد ساعد في تحسين العملة المحلية بشكل غير مباشر.
تصريحات الجولاني بشأن المرحلة المقبلة
من جانبه، أكد الجولاني أن أحد أولويات “هيئة تحرير الشام” في المرحلة المقبلة سيكون إعادة البناء والاستقرار في المناطق المحررة. وقال: “لن يكون هناك تجنيد إلزامي في الجيش باستثناء بعض الاختصاصات التي ستكون إجبارية لفترة محددة”. وأشار إلى أن المرحلة الحالية لن تكون مجرد استمرار للثورة، بل تهدف إلى بناء دولة حقيقية على أسس القانون والمؤسسات.
وأشار الجولاني إلى أن النظام السابق في سوريا لم يكن قد بنى دولة بل “مزرعة”، في إشارة إلى سياسات حكم بشار الأسد التي جعلت من سوريا دولة فاشلة، بحسب تصوره. وأكد الجولاني أن المرحلة المقبلة ستشهد حل جميع الفصائل المسلحة في المنطقة، مع الحفاظ على سلاح الدولة فقط.
وفيما يتعلق بالحل السياسي، اعتبر الجولاني أن الحل السياسي الذي كان قائماً سابقاً لا يمكن تطبيقه مجددًا. وقال: “لم يكن لدينا الخيار إلا العمل العسكري رغم تعقيده”، في إشارة إلى أن هيئة تحرير الشام قد اضطرت إلى اتخاذ خطوات عسكرية في سياق الثورة السورية في مواجهة نظام الأسد.
خطوات الجولاني في إعادة بناء سوريا
وفيما يتعلق بالإعمار، أضاف الجولاني أنه ستُعطى الأولوية لبناء المنازل المدمرة وإعادة المهجرين، مؤكداً أن الهدف الأساسي هو “إعادة كل سوري إلى وطنه، حتى آخر خيمة”. وتأتي هذه التصريحات وسط حاجة ماسة لإعادة بناء البنية التحتية في مناطق شمال غرب سوريا، حيث تضررت العديد من المدن والبلدات نتيجة القصف المستمر والدمار الذي خلفته الحرب.
مستقبل سوريا بعد الأسد
يبدو أن الجولاني يخطط للمرحلة المقبلة بشكل يتسم بالتركيز على الاستقرار الداخلي وإعادة البناء، وهو ما يتناقض مع الفترة التي شهدت فوضى وصراعًا داخليًا في صفوف الفصائل المسلحة. وبينما يتحدث الجولاني عن “البناء والاستقرار”، يرى مراقبون أن الأيام المقبلة قد تشهد تغييرات كبيرة على الأرض في سوريا بعد سقوط النظام الأسدي.
يبدو أن “هيئة تحرير الشام” بصدد اتخاذ خطوات كبيرة نحو تحولات اقتصادية واجتماعية في المناطق التي تسيطر عليها، في محاولة لتحسين الظروف المعيشية للسوريين. ومع استمرار تدهور الوضع الاقتصادي العام في سوريا، قد تشكل تلك الإجراءات بداية لاستقرار نسبي في المناطق المحررة، وهو ما يُعتبر خطوة مهمة في سبيل إعادة بناء سوريا بعد سنوات من الدمار.