في إطار جهودها المستمرة لتخفيف حدة الجمود السياسي والاقتصادي في ليبيا، التقى رئيس حكومة “الوحدة الوطنية” المؤقتة، عبد الحميد الدبيبة، مع المبعوثة الأممية بالإنابة، ستيفاني خوري، لبحث سبل معالجة قضية “الإنفاق الموازي” والعمل على إيجاد “آلية موحدة” للإنفاق في البلاد لعام 2025. هذا اللقاء يأتي في وقت حاسم مع استمرار الانقسامات السياسية وتباين السلطات بين الحكومتين المتنافستين في ليبيا.
وقف الإنفاق الموازي وتحقيق الشفافية المالية
خلال الاجتماع الذي عُقد يوم الأحد، ناقش الدبيبة مع خوري أهمية معالجة “الإنفاق الموازي”، وهو الظاهرة التي تسهم في تعميق الأزمة الاقتصادية في البلاد نتيجة عدم وجود آلية موحدة للإنفاق الحكومي. في هذا السياق، شدد الدبيبة على ضرورة تعزيز الشفافية المالية وضمان التوزيع العادل للموارد، بما يضمن توفير الخدمات الأساسية للمواطنين.
وأعرب الدبيبة عن دعمه الكامل لجهود بعثة الأمم المتحدة في ليبيا، وأكد التزامه بتفعيل آليات مالية شفافة تضمن تحسين الوضع الاقتصادي في البلاد. كما شدد على ضرورة أن تتم عملية الإنفاق بشكل منظم ومتناغم بين جميع المؤسسات الحكومية، بعيداً عن الإنفاق المزدوج الذي يخلق أزمات إضافية في توفير الموارد والتمويل.
دور المبعوثة الأممية في الدفع بالعملية السياسية
في سياق آخر، تمحور الحديث بين الدبيبة وخوري حول الوضع السياسي في ليبيا، لا سيما في ضوء الجهود الدولية الرامية إلى إنهاء الجمود الحالي في العملية السياسية. وأشادت خوري خلال اللقاء بجهود الحكومة الليبية في دعم الانتخابات البلدية الأخيرة، وشددت على ضرورة استمرار هذا الدعم والتنسيق مع “المفوضية الوطنية العليا” للانتخابات، خاصة في ظل الاستحقاقات البلدية المقررة في عام 2025.
كما أكد الدبيبة في اللقاء دعمه الكامل لجهود الأمم المتحدة من أجل تحريك العملية السياسية في ليبيا، بهدف الوصول إلى الانتخابات وإنهاء المراحل الانتقالية، والانتقال مباشرة إلى الاستحقاق الانتخابي، مع التأكيد على أهمية احترام الاتفاق السياسي والمؤسسات المنبثقة عنه لضمان الاستقرار السياسي في البلاد.
تحديات الوحدة الوطنية والانتخابات في ليبيا
تتواصل التحديات السياسية في ليبيا وسط الصراع على السلطة بين حكومتين متنافستين، أحدهما حكومة “الوحدة الوطنية” برئاسة عبد الحميد الدبيبة، والأخرى حكومة مكلفة من البرلمان، والتي تدير المنطقة الشرقية وتحظى بدعم من الجيش الوطني بقيادة خليفة حفتر. كما أن هناك صراعًا داخليًا بين مختلف الفصائل السياسية والعسكرية، مما يعرقل تقدم العملية السياسية ويزيد من تعقيد المشهد العام في البلاد.
وقد أعلنت المبعوثة الأممية، ستيفاني خوري، عن إحاطتها الدورية الرابعة التي ستقدّمها أمام مجلس الأمن الدولي يوم الاثنين، في محاولة لكسر الجمود الراهن في العملية السياسية. يتطلع المجتمع الدولي إلى أن تحمل هذه الإحاطة خارطة طريق أو مبادرة جديدة قادرة على دفع العملية السياسية نحو إجراء الانتخابات، والتي يراها البعض السبيل الوحيد لتحقيق الاستقرار في البلاد.
التوقعات المستقبلية والآراء المتباينة
تباينت آراء المراقبين بشأن قدرة خوري على إحداث تغيير حقيقي في الوضع السياسي في ليبيا. بعض السياسيين والمراقبين يشككون في قدرة المبادرة الأممية على تحقيق اختراقات حقيقية، مستشهدين بتجارب سابقة مثل مبادرة المبعوثة الأممية السابقة، ستيفاني وليامز، التي قادت إلى انتخاب حكومة “الوحدة الوطنية” والمجلس الرئاسي، ولكن دون تحقيق توافق حقيقي حول الإطار القانوني للانتخابات، مما زاد من تعقيد الوضع السياسي.
من جانب آخر، يرى عضو مجلس الأعلى للدولة، علي السويح، أن إحاطة خوري قد تمهّد لمشهد سياسي جديد في ليبيا، ويأمل أن تفتح الباب لمسار جديد يمكن أن يؤدي إلى إجراء الانتخابات وتنفيذ الإصلاحات المطلوبة.
تستمر ليبيا في مواجهة تحديات كبيرة على الصعيدين السياسي والاقتصادي، ويأمل المواطنون والمجتمع الدولي في أن تتمكن بعثة الأمم المتحدة من دفع العملية السياسية نحو الأمام وإيجاد حلول عملية للاحتقان السياسي والاقتصادي. وقد يساهم التعاون بين الحكومة الليبية والمبعوثة الأممية في تحقيق نتائج إيجابية، خاصة إذا ما تم اعتماد آلية موحدة للإنفاق وإصلاح النظام المالي في البلاد.