“سأقيم أفضل العلاقات مع الدول العربية الشقيقة ولن نصدر لدول الخليج سوى أفضل ما لدينا”، هكذا تعهد الرئيس اللبناني المسيحي المنتخب جوزيف عون.
ورحب سياسيون لبنانيون، يوم الخميس، بانتخاب قائد الجيش اللبناني العماد جوزيف عون رئيسا للبلاد، بعد عامين من شغور المنصب.
وقدم رئيس مجلس النواب اللبناني نبيه بري، باسم “الأمة اللبنانية واللبنانيين، بالتهنئة بانتخاب جوزيف عون رئيساً للبنان، خاصة في هذه الظروف الحرجة وتحديدا في الجنوب اللبناني، مؤكداً أن لبنان في حاجة إلى عهد جديد”.
بدوره رحب رئيس الحكومة اللبنانية السابق، سعد الحريري بانتخاب عون رئيسا للبلاد. وكتب الحريري عبر حسابه بمنصة “إكس”: “مبروك للبنان، الدولة والشعب، انتخاب العماد جوزيف عون رئيسا للجمهورية، وإحياء الأمل بإعادة الحياة الى المؤسسات الدستورية لمواجهة التحديات الصعبة وما أكثرها في هذه الأيام… مبروك فخامة الرئيس العماد جوزيف عون”.
وكتب وزير الاقتصاد في حكومة تصريف الاعمال أمين سلام عبر منصة” اكس”: “وبالدورة الثانية من بعد ظهر اليوم سنبارك للبنان وشعبنا الصامد بعماد الوطن رجل الدولة جوزيف عون رئيساً للجمهورية اللبنانية بـ ١٠٨ أصوات. من هنا تبدأ مسيرة إنقاذ البلد والسير نحو الاستقرار والازدهار والأمان “.
وشهد لبنان أزمة شغور رئاسي بعد انتهاء ولاية الرئيس السابق، العماد ميشال عون، في 31 أكتوبر الماضي، ولم يتمكن المجلس النيابي من انتخاب رئيس جديد للجمهورية بعد عقد عدة جلسة نيابية مخصصة لذلك، كما يشهد أزمة حكومية في ظل عدم تشكيل حكومة واستمرار حكومة تصريف الأعمال محدودة الصلاحيات في تسيير شؤون البلاد.
وتُظهِر تجربة الخمسين عاما الماضية أن مصير لبنان لا ينفصم عن مصير سوريا، وأن مَن يسيطر على دمشق يمكنه بسهولة فرض نفوذه على لبنان والتأثير على الحياة العامة اللبنانية، حتى لو كان نظاما هشا مثل نظام الأسد، وأنه إذا أرادت الحكومة السورية منح فصيل ما ميزة كما حدث مع حزب الله، فسوف يكون هذا الفصيل في وضع جيد للهيمنة على السياسة اللبنانية.
هذه النقطة الأخيرة تحديدا ستكون هي الخسارة القادمة لحزب الله بعد التراجع الإقليمي الذي مُني به بفعل الاستهدافات الإسرائيلية التي ختمت عقدا ونيفا من الاستغراق المكلف في سوريا.
ورغم أن هوية سوريا الجديدة وطبيعة نظامها السياسي وتوازنات القوى به لا تزال قيد التشكُّل، يبقى مرجحا أن أي نظام جديد في سوريا سوف يكون في اتجاه مُجافٍ لحزب الله أو غير ودي تجاهه في أفضل الأحوال، ليس فقط لأن النظام الجديد سوف يكون “سُنيا” على الأغلب، ولكن الأهم بسبب الإرث الثقيل الذي خلَّفه دعم الحزب اللبناني لنظام بشار الأسد.
لذلك لعله ليس من المبالغة أن سقوط نظام الأسد يُعد هو الصدمة الخارجية الأضخم التي تتلقاها السياسة اللبنانية منذ اتفاق القاهرة والحرب الأهلية اللبنانية.
وتحكم إيران قبضتها على لبنان عبر ذراعها حزب الله، الذي يسعى الى تنفيذ كل ما تطلبه طهران، بعيداً عن مصالح البلاد، ورغم الدعوات المتكررة للحزب بتغليب المصلحة العامة، إلا أنها بائت جميعها بالفشل، الأمر الذي أدى الى تقديم رئيس الوزراء اللبناني السابق سعد الحريري استقالته من رئاسة الحكومة، معللاً ذلك بتغليبه مصلحة البلاد.
وتشكّل السعودية وإيران كما يقول المحلل السياسي، فيصل عبد الساتر، “قطبين أساسيين على المستوى الإسلامي وعلى مستوى النفوذ، لذلك كان للتوتر والتصعيد بينهما انعكاسات سلبية في أكثر من بلد ومكان، كما كان ينعكس على الصراع والخلاف السني الشيعي.
بالتالي لا بد أن يكون لاتفاقهما انعكاسات إيجابية على الكثير من الملفات، سيما في إطار ما يشهده العالم من جنون على كل المستويات، لا بل تجفيف المشكلات بينهما في أكثر من ساحة وبلد، قد يشكل عاملاً إيجابياً أيضاً فيما يتعلق بالأزمة العالمية وموضوع الطاقة”.
وفي نظر بعض المراقبين كان المشروع السعودي واضحا في لبنان وهو جعل المسلمين السنة أسياد البلد السياسيين، وتوطين الفلسطينيين في لبنان؛ وعقد اتفاقية سلام مع العدو الصهيوني بناءً على المسار الذي بدأ في مؤتمر مدريد، وابقاء المسيحيين كواجهة للعمل في ادارة لبنان وذلك يعود للطابع الذي فرض على لبنان بعد الانتداب الفرنسي والتمييزات التي قدمها الانتداب الى الطائفة المسيحية في لبنان.
أغرق المشروع السعودي الدولة اللبنانية بالدين العام بالإضافة الى مشاريع البنى التحتية التي قام بها الرئيس الحريري، الأمر الذي زاد من الضغوط على الساحة السياسية الداخلية، إلى جانب السياسات المالية التي فرض من خلالها النتائج الاقتصادية التي وصل اليها لبنان اليوم، والمراد من هذا كله إخضاع اللبنانيين لمشروع السلام مع إسرائيل.
وبات قائد الجيش العماد جوزيف عون الرئيس الـ14 للجمهورية اللبنانية، بعد شغور في سدة الرئاسة استمر أكثر من عامين.
ومن جهة اخري، من المؤكد أن السقوط المدوي والمفاجئ لنظام بشار الأسد كان بمنزلة زلزال إستراتيجي سوف تُلمس آثاره في المنطقة بأسرها، ولن يكون لبنان تحديدا بعيدا عن ذلك. فعلى مدار سنوات طويلة، كان مصير السياسيين اللبنانيين والقرارات الكبرى المتعلقة بالسياسة في بيروت تُصنع في دمشق، أو تخضع لفيتو صادر عنها في أدنى الأحوال.
يعود هذا الإرث إلى ما قبل زمان الاستعمار الفرنسي للمنطقة، ولكنه ترسَّخ بفعل التدخل السوري طويل الأمد في لبنان خلال سنوات الحرب الأهلية في السبعينيات وما بعدها، وأسهم انخراط حزب الله في الحرب السورية دعما لنظام الأسد منذ مطلع العقد الماضي في زيادة “التداخل السياسي” بين البلدين.
وهو ما يجعل السياسة اللبنانية شديدة الهشاشة والتعقيد بالفعل، وأكثر حساسية للتغيرات السياسية في أروقة جارتها الأكبر، ولن تكون التطورات الحالية استثناء من ذلك.
وحذر الحريري في وقت سابق، من التدخل الإيراني الذي يدمر العلاقات مع الدول العربية الأخرى، وقال ان “ما يجري إقليمياً خطر على لبنان، ونرى اليوم التدخلات في شؤون الدول العربية من قبل إيران”، مشدداً على أن إيران يجب أن تكف يدها عن التدخل بالدول العربية، وأن تأخذ لبنان إلى محور ضد الدول العربية.
وبخصوص حزب الله، ذكر الحريري أن حزب الله يثقل على اللبنانيين الوزن الذي يتحملوه، وأضاف “أنا مع التسوية ولست متوجهاً ضدّ أي فريق لا سيما حزب الله ولكن لا يحق له أن (يخرب) البلد”.
وانتقد الحريري موقف حزب الله من السعودية والتدخل الإيراني في الشؤون الداخلية اللبنانية، لكنه رأى في الوقت نفسه أن السعودية “لم تتدخل في لبنان”.
ومنذ تأسيس حزب الله في لبنان عام 1982م، ودخوله المعترك السياسي عام 1985م. الذي ولد من رحم حركة أمل اللبنانية المدعومة من إيران، سعت طهران في ذلك الوقت إلى تأسيس حركة جديدة تُسمّى (حزب الله) على يد محمد حسين فضل الله والملقب بـ (خميني لبنان)، وصبحي الطفيلي، وحسن نصر الله وإبراهيم الأمين وعباس موسوي ونعيم قاسم وزهير كنج ومحمد يزبك وراغب حرب.
وسرعان ما تفجر الوضع بين هؤلاء بسبب محاولة كل طرف بسط نفوذه على مناطق الشيعة في لبنان؛ فاقتتل الطرفان حركة (أمل) و(حزب الله) قتالاً شرساً، حتى تمكَّن (حزب الله) من بسط نفوذه على أغلب مناطق الجنوب.
لم ينتظر الحزب طويلاً حتى بدأ بتنفيذ الأجندة التي وجد من أجلها، ففي عام 1985 جرت محاولة لاغتيال أمير الكويت الراحل الشيخ جابر الأحمد الصباح بتفجير سيارة مفخخة.
وتمكنت السلطات الكويتية من إلقاء القبض على 17 متهماً، بينهم لبناني عضو في حزب الله، يتخذ اسماً حركياً، الياس صعب، وهو اسم غير حقيقي، وحاول حزب الله إطلاق سراح هؤلاء الـ 17 ، من السجن عن طريق خطف الطائرة الكويتية من قبل عماد مغنية مقابل تحرير رهائن الطائرة وتركها، وعندما رفضت الكويت هذه المقايضة بدأ مغنية بقتل الرهائن فقتل منهم اثنين.
واستمرت إيران بمحاولة زعزعة استقرار دول الخليج عن طريق ذراعها “حزب الله”. فقد استفاق السعوديون في الثالث عشر من نوفمبر 1995، على وقع تفجير ارهابي في مدينة الخبر شرق السعودية، أسفر عن مقتل 19 جنديا أميركيا وجرح نحو 500 شخص.
وأظهرت التحقيقات أن المهاجمين قاموا بتهريب المتفجرات إلى السعودية من لبنان، وتمكنت قوات الأمن السعودية من إلقاء القبض على المشتبه به الرئيسي أحمد ابراهيم المغسل، بعد 20 عاماً من عملية التفجير، إثر ورود معلومات تؤكد وجود أحمد المغسل في العاصمة اللبنانية بيروت.
وفي الثالث عشر من أغسطس من العام 2015 كشفت السلطات الكويتية عن «خلية العبدلي» بعدما ضبطت قوى الأمن مخزناً للأسلحة والمتفجرات في مزرعة بمنطقة «العبدلي» الحدودية.
ودلت التحقيقات على أسلحة ومعدات وأجهزة اتصال في 3 مواقع أخرى بينها مخبأ محصن بالإسمنت المسلح تحت بيت أحد المتهمين. وقدرت وزارة الداخلية في بيان وقتها كمية الأسلحة بعشرين طناً تقريباً.
وأكدت السعودية والحكومة اليمنية في ضلوع حزب الله اللبناني مباشرة في الحرب بين الحكومة الشرعية والانقلابيين من ميليشيا الحوثي وقوات الرئيس المخلوع علي عبد الله صالح، والتخطيط لشن عمليات داخل الأراضي السعودية.