”والله رايح أجيبلك انجاصة وجوافة”.. وداع مؤلم من أب فلسطيني لابنته الشهيدة جراء قصف إسرائيلي استهدف حي الدرج بقطاع غزة أسفر عن استشهاد 6 أطفال اليوم الثلاثاء.
ولا يمكن حصر فصول القهر والمعاناة التي يعيشها أطفال فلسطين، بالنسبة الهائلة من الضحايا في صفوفهم، فالقتل ما هو إلا ضرب من هذا الواقع المؤلم، وهناك الكثير إلى جانبه مما يتغلغل في نفوسهم، إذ تحدق عيونهم في الموت مبكّراً، بعد أن انتهكت كل القيم الإنسانية، من خلال مطاردتهم بالرصاص والقذائف، ومن تكتب له النجاة، يجد نفسه في قبضة الاعتقال الظالم والبشع.
وتضع فظائع القتل وعمليات التنكيل الوحشية، أطفال فلسطين في مواجهة مبكّرة مع الموت، فتترك بصماتها على أجسادهم الغضة، وعلى أحلامهم وهواجسهم، أكان في الحرب الدامية على غزة، أو الاقتحامات والاغتيالات شبه اليومية في الضفة الغربية.
ودعا حاخام إسرائيلي إلى قتل نساء وأطفال غزة، معتبرًا أن ذلك يأتي استجابة لتعاليم “الشريعة اليهودية”.الدعوة جاءت على لسان الحاخام إلياهو مالي، في مقطع فيديو تم تداوله على نطاق واسع عبر مواقع التواصل الاجتماعي، الخميس.
ويرأس الحاخام مدرسة “شيرات موشيه” الدينية في مدينة يافا (وسط)، التي يدرس بها طلابا يخدمون بالجيش الإسرائيلي.
ويقول “مالي”، في مقطع الفيديو: “في حربنا المقدسة، وفي حالتنا هذه في غزة، فإنه وفق ما تقوله الشريعة (لا تُحيي كل نفس)، ومنطق هذا واضح جدا وهو: إذا لم تقتلهم فإنهم سيقتلونك”.
وزعم أن من وصفهم بـ”مخربي” حرب اليوم، “أطفال الحرب السابقة الذين أبقيناهم على قيد الحياة، والنساء في الواقع من يصنعن الإرهابيين”، على حد تعبيره.
وتابع: “هذا يعني أن هذه القاعدة (لا تُحيي كل نفس) واضحة جدا في مفهومها، فإما أنت أو هم”.واستطرد الحاخام المتطرف: “من يأتي لقتلك اقتله أولاً”.
وأردف: “الذي جاء لقتلك بهذا المفهوم لا يشمل فقط الشاب بعمر 16 أو 18 أو 20 أو 30 عامًا والذي يوجه عليك السلاح الآن، وإنما أيضا جيل المستقبل (أطفال غزة)، وكذلك أولئك الذين ينجبون جيل المستقبل (نساء غزة) لأنه لا يوجد فرق حقًا”.
وعندما سئل عما إذا كان يتحدث أيضًا عن كبار السن، فأجاب: “هذا سؤال ثقيل، هناك القلب اليهودي”، دون مزيد من التوضيح.
«الطفل الفلسطيني يكبر قبل الأوان، بل ربما يولد رجلاً» هكذا يقول الفلسطينيون، وقد أثبتت الأحداث الميدانية المتسارعة في غزة والضفة الغربية، صحة هذا المنطق، فلم يعد يستهوي أطفال فلسطين أي شيء من تلك الطقوس التي تتناسب وأعمارهم، وباتت كل أحاديثهم في السياسة، وحتى إن احتاجوا لشيء من الأحلام البكر، تبقى هواجسهم في صلب الأحداث التي التهمت صباهم.
ويبدو أن رصاص الاحتلال تعوّد على رائحة دم الطفل الفلسطيني، ليس فقط في غزة، وإنما أيضاً في الضفة الغربية، فقضى خلال الحرب على غزة 14737 طفلاً، بينهم 8 تجمدت الدماء في عروقهم من شدة البرد، في حين راح ضحية الأحداث التي أخذت تتسلل إلى الضفة الغربية 174 طفلاً، آخرهم ابنا العم رضا وحمزة بشارات (9 و10) أعوام، في بلدة طمون شمال الضفة الغربية، بعملية اغتيال نفذتها طائرة إسرائيلية مسيّرة.
ومع تواصل حرب الإبادة في قطاع غزة، قفزت دولة الاحتلال إلى صدارة قتلة الأطفال في العالم، خصوصاً في ضوء إصرارها على النيل من المدنيين العزل بشكل يومي، وملاحقتهم إلى داخل خيامهم، التي يلوذون بها، ما يؤشر على أن بنك الأهداف الأكبر للحرب قوامه الأطفال.
يقول الناشط في قضايا الدفاع عن الأطفال الفلسطينيين رائد عطير، إن الحرب الدامية على غزة، أودت بحياة نحو 15 ألف طفل، بينما فرضت على ما يزيد على 50 في المائة في أطفال غزة العيش دون الوالدين (أحدهما أو كلاهما) ناهيك عن أن نسبة عالية منهم سلبتهم الحرب طفولتهم فباتوا مبتوري الأطراف أو مشوهين.
ويضيف: «الاستهداف الإسرائيلي للأطفال الفلسطينيين، لا يقتصر على قطاع غزة، ففي الضفة الغربية استشهد العشرات منهم نتيجة للمواجهات والاقتحامات والاعتداءات، وما جرى في بلدة طمون، باستهداف الطفلين بشارات بقصف جوي، بزعم زرع عبوات ناسفة، وهما بعمر أقل من 10 سنوات، يؤكد أن قتل الأطفال لدى جيش الاحتلال أصبح سياسة رائجة».
ويضيف: «علاوة على عمليات القتل بالقصف المتواصل، هناك العشرات من الأطفال في قطاع غزة، استشهدوا نتيجة للجوع أو الجفاف الناتج عن سوء التغذية، وآخرون بفعل البرد الشديد، أو نتيجة لانتشار الأمراض وعدم توفر العلاج والمطاعيم، في واحدة من أقسى الكوارث الإنسانية، التي يدفع أطفال غزة فاتورتها الأعلى».
وتزدحم الأسئلة على وجوه الأطفال في غزة، وهم يواجهون آلة القتل بكل هذا الذهول المسكون بالالتباس، يصرخون بحناجر مبحوحة، وربما لهذا السبب لا تصل صرختهم إلى المجتمع الدولي، فهذه البراعم الصغيرة لا تريد من هذا العالم سوى أن يعيد إليها الأمن المفقود، وأن يحميها من مصائد القتل البشع والموت المبكّر.
ولا يكاد يخلو أي قصف إسرائيلي يستهدف قطاع غزة من مقتل أطفال إلى جانب عائلاتهم وأقاربهم، منذ اندلاع الحرب في 7 أكتوبر/ تشرين الأول 2023.
وللشهر الـ11 تواليا من الحرب، ارتفع عدد ضحايا الهجمات الإسرائيلية من الأطفال إلى 16 ألفا و456 قتيلا، إضافة إلى آلاف المصابين منهم، بحسب بيانات المكتب الإعلامي الحكومي بغزة.
ولم تتوقف جرائم إسرائيل عند هذا الحد، إذ تسببت سيطرة جيشها على معبر رفح الحدودي مع مصر في منع خروج الجرحى لتلقي العلاج في الخارج، ما أدى إلى تفاقم الأزمة الإنسانية ووفاة أكثر من ألف طفل، وهو ما أضاف معاناة جديدة لمأساتهم المستمرة.
وفي 6 مايو/ أيار الماضي، أعلن الجيش الإسرائيلي بدء عملية عسكرية في رفح جنوب قطاع غزة، متجاهلا تحذيرات دولية من تداعيات ذلك على حياة النازحين الذين تكتظ بهم المدينة، لكنه سيطر في اليوم التالي على معبر رفح وأطبق حصاره على سكان القطاع من جميع الجهات.
من جهته، قال الحاخام اليهودي موشيه فريدمان إن ما تقوم به إسرائيل والولايات المتحدة بحق الفلسطينيين في قطاع غزة يمثل “عملية إبادة غير مسبوقة” مؤكدا أن على الدول القادرة التدخل بالقوة لوقف هذه المجزرة.
وأكد فريدمان وهو من يهود الحرديم المحافظين أن واجبه الديني والإنساني يحتم عليه رفع صوته، وفعل شيء لوقف ما يحدث، لأن التاريخ “سيدين كل من وقف صامتا إزاء حمام الدم المتدفق في القطاع حاليا، والذي يفوق كل مجازر التاريخ بما فيها محرقة اليهود (الهولوكست)”.
ورفض الحاخام الأكبر السابق ليهود النمسا مقارنة ما يجري في قطاع غزة بالمذابح التي شهدها التاريخ سابقا، وقال إن مدينة درسدن الألمانية التي تعرضت لقصف ساحق بعيد الحرب العالمية الثانية كانت بها منافذ للهروب، بينما غزة لا يوجد بها أي منفذ.
كما أن المدينة الألمانية -يضيف فريدمان- كان بها طعام وشراب وخدمات صحية رغم عدم وجود آلية لنقل ما تتعرض له لبقية أنحاء العالم، بينما غزة يمنع عنها كل شيء.