نشرت صحيفة شرق الإيرانية تقريرا، الأربعاء 22 يناير/كانون الثاني 2025، تناولت فيه عودة دونالد ترامب إلى البيت الأبيض مساء الاثنين 20 يناير/كانون الثاني، وما قد يترتب على ذلك من أدوار لشخصيات بارزة مثل إيلون ماسك في الإدارة الأمريكية الجديدة.
ماسك، الملياردير الأمريكي وصاحب شركتي “تسلا” و”سبيس إكس” ومنصة “إكس” (تويتر سابقا)، الذي ارتبط اسمه مرتين بقضايا تتعلق بإيران، مما يسلط الضوء على تأثيره المتزايد في المشهدين السياسي والاقتصادي.
وأوضحت الصحيفة، أنه في أواخر نوفمبر/تشرين الثاني 2024، أثارت أنباء عن لقاء جمع ماسك بسفير إيران الدائم لدى الأمم المتحدة، سعيد إيرواني، ضجة إعلامية ودبلوماسية.
كما بينت أن التقارير تشير إلى أن أغنى رجل في العالم لعب دورا في الإفراج عن الصحفية الإيطالية تشيتشيليا سالا، التي كانت محتجزة في إيران، بتهمة انتهاك قوانين الحكومة الإيرانية.
وأشارت إلى أن صحيفة “نيويورك تايمز” الأمريكية كشفت في تقرير لها، نقلا عن مصادر مطلعة، أن الملياردير إيلون ماسك لعب دورا رئيسيا في الإفراج عن الصحفية الإيطالية سالا.
وذكرت أنه بحسب التقرير المشار إليه، قام زوج سالا بإرسال رسالة عبر وسيط إلى شخصية يُعتقد أن لديها القدرة على التدخل في القضية، وكانت تلك الشخصية هي إيلون ماسك، الذي تواصل مع إيرواني، وساهم بنهاية المطاف في الإفراج عن الصحفية.
وتابعت أن صحيفة “نيويورك تايمز” نقلت عن مصدرين إيرانيين على علم بملف تبادل السجناء بين إيران وإيطاليا، أن ماسك لعب دورا حاسما في هذه العملية، كما طلب المصدران عدم الكشف عن هويتهما، بسبب حساسية الموضوع.
وأفادت الصحيفة، بأنه على الرغم من التقارير التي أشارت إلى دور إيلون ماسك في الإفراج عن الصحفية الإيطالية تشيتشيليا سالا، نفى مسؤولون من إيطاليا وإيران هذه الادعاءات.
وأشارت إلى تصريح أنطونيو تاجاني، وزير الخارجية الإيطالي، بأن ماسك لم يلعب أي دور في القضية، كما أكدت جورجيا ميلوني، رئيسة وزراء إيطاليا، أنها ليست على علم بأي تدخل من جانبه.
ونقلت وصف إسماعيل بقاعي، المتحدث باسم وزارة الخارجية الإيرانية، لتقرير صحيفة “نيويورك تايمز” بأنه مجرد خيال إعلامي وقصة مختلقة.
وذكرت أن هذه هي المرة الثانية خلال الأشهر القليلة الماضية، التي يتم فيها تكذيب تقارير عن اتصالات بين ماسك وإيرواني.
وتابعت أنه في أقل من شهرين، ذكرت “نيويورك تايمز” أن ماسك وإيرواني عقدا اجتماعا استمر ساعة في نيويورك، وهو ما نفته إيران رسميا.
ومع ذلك، تشير هذه التقارير إلى الدور المتزايد الذي قد يلعبه ماسك في إدارة ترامب الثانية، وإلى نفوذه الكبير في المشهد السياسي الدولي.
ومن جانبه، أكد إيلون ماسك بشكل غير مباشر، وجود اتصالات غير رسمية مع إيران، حيث كتب على منصة “إكس”، ردا على سؤال حول دوره في الإفراج عن الصحفية الإيطالية: “لم يكن لدي أي اتصال مباشر مع إيران، لكن بعض الدعم تم تقديمه، بناءً على توصيات منا”.
وأوضحت الصحيفة، أنه على الرغم من التكذيب الرسمي من الجانب الإيراني، فإن التقارير المتعلقة بدور ماسك في الإفراج عن سالا، إضافة إلى الأنباء عن اجتماعه مع إيرواني، تشير إلى احتمال وجود قنوات اتصال غير رسمية بين طهران والملياردير الأمريكي.
آلة إزالة الثلوج
ذكرت أن دور إيلون ماسك في العلاقات الإيرانية-الأمريكية قد أخذ بعدا جديدا، حيث أشار تقرير صادر عن وكالة “بلومبرغ” الأمريكية إلى أن ماسك قد يلعب دور “آلة إزالة الثلوج”، في إشارة إلى قدرته على تذليل العقبات وتمهيد الطريق أمام فتح مسارات التواصل بين طهران وواشنطن، خصوصا مع الاستراتيجية الجديدة لإدارة ترامب الثانية في التعامل مع إيران.
وأوضحت الصحیفة، وفقا لتقرير “بلومبرغ”، أن هناك تباينا في وجهات النظر داخل دائرة مستشاري ترامب بشأن التعامل مع إيران، إلا أن الجميع يتفقون على ضرورة تعزيز الضغوط القصوى على طهران.
وأضافت أنه مع ذلك، فإن الدور المحدد لماسك يبدو أكثر بروزا مقارنة بالمسؤولين الرسميين في الإدارة الأمريكية؛ وذلك نظرا إلى خلفيته التكنوقراطية وشخصيته غير الحزبية، مما يجعله وسيطا مقبولا لإيران، التي ترفض التواصل المباشر أو غير المباشر مع مسؤولي إدارة ترامب.
وتابعت أن التواصل مع ماسك يُعتبر أسهل وأقل تعقيدا من الناحيتين الهيكلية والحزبية، مما يجعله لاعبا رئيسيا في فتح قنوات اتصال جديدة مع إيران، إضافة إلى ذلك، فإن هذه الاستراتيجية تعتمد بشكل أساسي على خيار الضغط؛ لإقناع إيران والأطراف الأخرى بالعودة إلى طاولة المفاوضات.
النفط الإيراني
وأشارت الصحيفة إلى أن مصادر مقرّبة من إدارة ترامب، وفقا لتقارير نشرتها وكالة “بلومبرغ” الأمريكية، كشفت أن هناك إجماعا بين المستشارين الرئيسيين للرئيس الأمريكي السابق حول العودة إلى استراتيجية “الضغط القصوى” على إيران.
وأوضحت وفقا للتقارير المشار إليها، أن هذه الاستراتيجية تهدف إلى استهداف طهران من خلال حزمة عقوبات كبيرة، من المتوقع أن تؤثر بشكل رئيسي على اللاعبين الأساسيين في صناعة النفط الإيراني، وقد يتم الإعلان عنها مطلع فبراير/شباط 2025.
وذكرت أن إدارة ترامب اتبعت نهجا مشابها خلال فترة ولايته الأولى، مما أدى إلى انخفاض كبير في صادرات النفط الإيرانية.
قنوات إتصال
وأشارت إلى تصريح فرشيد باقريان الخبير في الشؤؤون الدولية، حيث نفى أن يكون لإيلون ماسك دور جدي في قضايا السياسة الخارجية الأمريكية، خاصة في ما يتعلق بإيران.
وأكد باقريان أن التقارير الإعلامية، مثل تلك التي نشرتها “نيويورك تايمز” و”بلومبرغ”، والتي تتحدث عن دور ماسك في تشكيل سياسة إدارة ترامب تجاه إيران، بعيدة عن الواقع.
وأوضح أن إيران ليست دولة صغيرة أو قضية هامشية يمكن التعامل معها من خلال شخصيات مثل ماسك، مشيرا إلى أن طهران لديها علاقات معقّدة مع العديد من القضايا الإقليمية والدولية، بدءا من الشرق الأوسط وحتى علاقاتها مع روسيا والصين، إضافة إلى قضايا أمن إسرائيل.
ورغم ذلك، أكد باقريان أهمية محاولة إيران إقامة قنوات اتصال مع شخصيات مثل ماسك ومع مسؤولي إدارة ترامب.
إلا أنه أشار إلى أن ما سيحدد مسار العلاقات بين طهران وواشنطن خلال السنوات الأربع المقبلة هو قرارات دونالد ترامب نفسه، ومواقف شخصيات مثل ماركو روبيو، المرشح لمنصب وزير الخارجية، أو أعضاء مجلس الشيوخ، وليس مواقف شخصيات مثل ماسك، الذي يفتقر إلى الخبرة في مجال السياسة الخارجية، بحسب وصفه.
كما لفت باقريان إلى أن قرار ترامب إقالة بريان هوك، المسؤول السابق عن ملف إيران في وزارة الخارجية خلال ولايته الأولى، يؤكد أن ترامب لا يعطي أهمية كبيرة حتى لشخصيات مثل هوك، فما بالك بماسك، الذي من غير المرجح أن تكون له توصيات مؤثرة في ملف إيران.
وأوضح في ما يتعلق بالتقارير التي تتحدث عن اتصالات بين السفير الإيراني لدى الأمم المتحدة، أمير سعيد إيرواني، وإيلون ماسك، أو دور ماسك في الإفراج عن الصحفية الإيطالية، أنه لا ينفي حدوث مثل هذه الاتصالات، لكنه يعتقد أن دور ماسك يجب ألا يتجاوز كونه شخصية يمكنها تقديم توصيات أو اقتراحات لترامب بناءً على فهمها المحدود للسياسة الخارجية.
كما انتقد باقريان تشبيه “بلومبرغ” لدور ماسك بـ”أداة إزالة الثلوج” الذي يمكنه فتح الطرق بين إيران والولايات المتحدة، قائلا: “ماسك لن يكون قادرا على لعب هذا الدور”.
حل الخلافات
وقال الخبير في الشؤون الأمريكية، أمير علي أبو الفتح، خلال حوار له مع صحيفة شرق، إن “قناة الاتصال بين إيلون ماسك والسفير الإيراني لدى الأمم المتحدة، أمير سعيد إيرواني، ليست ظاهرة جديدة”، مشيرا إلى أن إيران لديها تاريخ من التواصل مع شخصيات أمريكية أخرى لحل الخلافات.
وأضاف أبو الفتح أن دور ماسك في السياسة الخارجية الأمريكية، خاصة في ما يتعلق بإيران، يظل محدودا ولا يتجاوز كونه شخصية مؤثرة في وسائل التواصل الاجتماعي أو من خلال المقابلات الإعلامية، وليس له دور أساسي في المشهد الدبلوماسي.
كما أشار إلى أن إيران كانت لديها قنوات اتصال مع شخصيات أمريكية أخرى في الماضي، وبالتالي فإن فكرة إنشاء قناة اتصال بين ماسك وإيرواني ليست حدثا استثنائيا أو نقطة تحول في العلاقات بين البلدين.
ومن ناحية أخرى، أكد أبو الفتح أن ماسك، نظرا إلى نفوذه الكبير في قرارات ترامب، قد يحاول منع بعض الشخصيات المتشددة المعادية لإيران من الدفع نحو سياسات عدوانية، مثل الضربات العسكرية أو الحروب الطويلة الأمد.
وتابع قائلا: “إن ماسك، مثل ترامب، يتبنى قراءة اقتصادية للقضايا الدبلوماسية، ومن ثم فهو لا يميل إلى أي نوع من التصعيد أو الحرب مع إيران”.
وأضاف أن ماسك سيحاول استخدام نفوذه للحد من أي توترات بين طهران وواشنطن، تماما كما يدعو إلى إنهاء الحرب في أوكرانيا ويؤكد ضرورة وقف إطلاق النار بين موسكو وكييف.
ومع ذلك، شدد أبو الفتح على أن دور ماسك في الشؤون الدبلوماسية، خاصة في تحديد مسار العلاقات الإيرانية الأمريكية خلال ولاية ترامب الثانية، سيظل محدودا، موضحا أن السياسة الخارجية تتطلب شخصيات مختلفة تماما عن تلك التي تعمل في المجال الاقتصادي.