كان الزواج قديما بالأقارب محبذا جدا، وكانت مقولة “الذي يتزوج من غير ملته يموت بعلة غير علته” سائدة إلى أن أصبح الزواج من كل الملل والطوائف والجنسيات، فكيف يتكيف شريكا زواج من جنسيات مختلفة في تقبل ثقافة بعضهما البعض أو الاندماج بالمجتمع وعاداته وتقاليده؟
كثرت قصص الحب والارتباط بين الشباب العرب والروسيات في الآونة الأخيرة، كما أصبحت من العادات الشائعة بالرغم من فقرهم أو حالتهم المادية التي غالبا ما تكون متوسطة، وهو الأمر الذي دفع الشبان العرب بدورهم للبحث عن الفتيات الروسيات للزواج.
السبب الأول يرجع إلى جمالهن الفاتن، إضافة إلى الهروب من واقع الفتاة العربية التي تشترط على كل متقدم للزواج تكاليف مادية صعبة من مهر وزفاف، وغيرها من الأمور التي تراها الفتاة الأجنبية من الكماليات التي لا تعيرها الكثير من الاهتمام.
من ناحية ثانية قد تتكون عند الفتيات الروسيات فكرة غير واقعية عن العالم العربي، لكن عندما يجدن أنفسهن في البلدان العربية، يدركن أن الحياة الواقعية تختلف بالكامل عن الحكايات الشرقية.
لهذه الأسباب يقبلن على الزواج من عرب؟أليونا ـ من موسكو: أكدت، أنها تزوجت من شاب مصري، فقد كانت تعرف إلى أين سوف تذهب، فقد تعرفت بزوج المستقبل من خلال برنامج “سكايب”، بعدها زارت منطقة شرم الشيخ.
تقول:” في البداية، أحببت مصر، أعجبني كل شيء، ابتداءً من الصحراء وحتى المصريين البسطاء في شوارع شرم الشيخ. فيما بعد، تواصلت مع زوج المستقبل عبر السكايب لفترة طويلة، حيث تبادلنا الأحاديث إلى أن وصلنا إلى المشاعر الكبيرة، وعندما جاء إلى هنا لزيارتي وطلب يدي للزواج، كدت أطير من الفرح”.
ومن أجل زوجها المصري، باعت هذه السيدة شركة السياحة التي كانت تملكها في موسكو وانتقلت للإقامة الدائمة في مصر، بعد 8 سنوات، لا تندم أليونا على شيء، فقد كان هدفها هو إنشاء أسرة، وأنجبت طفلتين.
لكن لماذا أقبلت على الزواج بعربي، قالت: ” لقد طلب مني الزواج فوراً. أما في موسكو فكانوا يدعونني للعيش معاً لفترة قصيرة، ومن ثم النظر بمسألة الزواج، وكنت أجنّ من هذه الاقتراحات، فأنا امرأة شرقية من الداخل”.
مارينا تشوغرييفا: تقول “ما شدني في زوجي أساسا هو الحماية والرعاية، فللمرأة هناك مكانها، فالنساء لا يحملن الحقائب ولا يقمن بأعمال التصليح، كما أن كثيرات منهن لا يعملن، فمهمة المرأة الاهتمام بالبيت والأطفال والزوج وأن تكون جميلة دائماً له. فالزوج دائماً في المقام الأول، ثم الأطفال، فالعرب يحبون الأسرة يتواصلون ويلتقون مع جميع أقاربهم”.
ويتحدث طوني ضو عن تجربته في الزواج بعمر 43 سنة من صبية روسية تدعى زويا ماسروفا منذ 7 سنوات كانت تعمل في أحد المقاهي، ولم ير منها إلا كل حب واحترام له ولأهله وعائلته.
ويقول إن زوجته رغم أن عمرها 38 عاما فإنها لا تدخن أمام أهلها احتراما لهم، ولديها اكتفاء ذاتي وغير متطلبة، لديها قناعة، وهو يتمنى لكل شخص زوجة كزوجته تتفهم وضعه وحتى إذا كان الوضع الاقتصادي صعبا بعكس الزوجة اللبنانية، بحسب قوله.
وتعتبر اختصاصية تدريب الآباء (parent coaching) رفيدة الصالح أن المشكلة الأساسية بين الشريكين هي التدخل في حرية الآخر ومساحته وجعله نسخة عنه.
وهذا يحدث أكثر مع اختلاف ثقافة الشريكين أو مجتمعيهما أو دينيهما أو بلديهما حيث يأخذان قيمهما منها، والحل يأتي في الانفتاح على الآخر، وعدم تصنيف وإطلاق الأحكام وإلقاء اللوم الذي يؤدي إلى فشل العلاقة.
والمهم -برأي رفيدة- هو الخروج من عقلية الضحية لدى الطرفين، والشعور بالمسؤولية بتحسين الأمور من دون طلب التغيير من الشريك.
وتضيف أنه بالنسبة للأولاد فمن الغنى أن تكون للأهل مشارب ثقافية مختلفة، ليأخذوا أفضل العادات والمهارات من الطرفين دون استخفاف أو انتقاد.
وتختم بأن فهم الاختلاف كتنوع واستفادة وغنى هو الأفضل، وإن أردنا من الآخر أن يشبهنا يصبح الاختلاف نقمة.
ويعتبر الروس من الجنسيات التي تحب المكوث في مصر والزواج من أهلها؛ وذلك بسبب اعتدال الطقس وكرم المصريين.
و كشف الموقع الروسي “روسيا ما وراء العناوين ” من خلال تقرير “مصر الروسية: نظرة على حياة الروس في مصر”، مجموعة من الروس عاشوا في مصر، وتزوجوا من أهلها، ومكثوا فيها.
التقرير تحدث عن الذين “مدوا جذورًا عميقة في القاهرة والإسكندرية، أو في أسوان والأقصر” حتى أصبحت مصر وطنًا ثانيًا لهم.
وكشف التقرير الأسباب التي جذبت الروس لما سموه “بلاد الأهرامات” مصر، وقالت إحدى الروسيات: “غادرت روسيا عندما كنت في السادسة عشرة من العمر، وفي البداية درست في أحد البلدان العربية”.
وأضافت: “بعد ذلك وجدت نفسي في مصر، وفي القاهرة أردت أن أمارس اللغة العربية عمليًا، وأن أقضي بعض الوقت قبل موعد التقدم لإحدى الجامعات الروسية، ولكن القدر قادني إلى طريق آخر، فها أنا ذا، أعيش هنا في مصر منذ سبع سنوات، وعندي زوج مصري وطفلان”.
سبب انجذاب الروس لمصر تسرده روسية أخرى: “يجذبني الطقس في مصر قبل أي شيء آخر، فهنا صيف دائم وبحران، ولا داعي للتفكير في الثياب الشتوية، أو الخوف على تسريحة الشعر تحت المطر، أو اللقاحات الموسمية”.
وقالت:”إنني أسافر إلى روسيا في الصيف، لأنني صرت غير معتادة على الطقس البارد، فلم أر الشتاء منذ اثني عشر عامًا”.
وأضافت: “في الحقيقة، إنني لا أفتقد الشتاء كثيرًا، لأنه يوحي لي دائمًا بالكآبة، كما أنني على ثقة من أن المناخ الذي نعيش فيه يترك بصماته على طباعنا، وعلى أحاسيسنا تجاه العالم المحيط، أليس لهذا السبب تجد الناس في الشرق مبتسمين، مسترخين، ومضيافين؟”
أما السبب الآخر الذي يجعل الروس والأجانب الآخرين يحبون مصر- حسبما يؤكد التقرير- فهو الأسعار الرخيصة نسبيًّا: “الغاز، البنزين، الفاكهة، الخضار، المطاعم، ممارسة الرياضة، إيجارات السكن”، كل ذلك أرخص مما هو عليه في روسيا.
وقالت إحدى الروسيات من مدينة “بطرسبورج” إن “مصر بيتنا الريفي”، وفي الواقع، فإنه لا يفصل مدينتهم عن مصر سوى بضع ساعات من الطيران، وساعتان من الفرق في التوقيت، وبالمقابل باقة من الشمس والبحر وابتسامات الترحيب على وجوه السكان المحليين”.
وأضافت: “لكن، على الرغم مِن كلّ ما في مصر من روعة، فإنني أشتاق لروسيا في بعض الأحيان”.وأكدت “أشتاق إلى الطبيعة الروسية، إلى الشوارع العريضة، واللغة الروسية، والخبز الأسود، وأشتاق إلى والديّ وأقاربي، ومن الغريب أن أدرك أن بيتي هنا في مصر، بينما أهلي هناك في روسيا”.
وأشارت إلى أن أولادها لن يفكروا باللغة الروسية، وأنهم بعيدون عن جديهم وجدتيهم، وخالاتهم وأخوالهم، وأبناء وبنات خالاتهم وأخوالهم، وقالت: “أحيانًا أفكر بذلك، فينتابني حزن حقيقي”.
ويذكر التقرير أنه يوجد في القاهرة كثير من الروس، قائلين:”نحن نعيش بين المركز الثقافي الروسي، والقنصلية والسفارة الروسيتين”.
كما أن إحداهن تقول: “في الطابق الذي يقع تحتنا مباشرة تعيش أسرة روسية، الأب موظف في القنصلية الروسية، والأولاد يرتادون المدرسة المحلية، ويتحدثون بثلاث لغات، ولكنهم في البيت يتحدثون مع والدهم ووالدتهم بالروسية فقط، ومن ثم فلا أشعر بالملل”.
وأضافت: “كما أن غالبية الذين يتكلمون اللغة الروسية زاروا – في وقت ما – المركزَ الثقافي الروسي في القاهرة، وتوجد فيه مكتبة، صالة سينما، صالة رياضية، وصفوف تعليم مختلفة”.
وأكدت أن المركز الثقافي الروسي يشبه جزيرة تزخر بالحياة الثقافية الروسية، ويمثل نوعًا من أماكن اللقاء، ويمكن من خلاله سماع الأخبار الواردة من روسيا، والتعرف على أشخاص جدد، أو مجرد الاستماع إلى اللغة الروسية.
وأوضحت أنه توجد في القاهرة مدرسة روسية تابعة للسفارة، وهذا يعطي مصر أفضلية أمام البلدان العربية الأخرى؛ لأنه يأتي إليها المتعاقدون من روسيا مع أسرهم، وكثير منهم يبقى في مصر لعدة سنوات.
ولم تكن القاهرة وحدها هي التي تضم عددًا كبيرًا من الروس، فهم يفضلون أيضًا البقاء في الغردقة، وهم يعتبرونها ” قلب مصر الروسية”.
النساء المتزوجات من مصريين يشكلن القسم الأكبر من الجالية الروسية في بلاد الأهرامات، ويقول التقرير إن: أعمار الأطفال المولودين من زيجات مختلطة تتراوح ما بين حديثي الولادة والخامسة والعشرين.
كما يوجد أولئك الذين ولدوا قبل انهيار الاتحاد السوفييتي، وفي الغالب لا تُظهر أسماؤهم انتماءهم القومي، فعادة ما يحمل الأطفال في الأسر “الروسية ـ العربية” أسماء عربية؛ مثل: “تيمور، وكريم، وآدم، وياسمين، وناديا، صوفيا”.
واستشهد التقرير بأن والدة الفنانة العربية الشهيرة، نيللي كريم، هي روسية، وكشف التقرير أن الغردقة تعد قلب “مصر الروسية”، وتشعر بالتواجد الروسي في كل مكان، في المقاهي، ويقيمون حفلات شرب الشاي.
وأصبحت الروسيات من السكان المحليين، وفي المدارس المحلية التي افتتحها مواطنون روس، وفي المركز الثقافي الروسي، أو على الشاطئ، الذي يذكرنا بمنتجع “سوتشي”، في بعض الأحيان.
كما يوجد في الغردقة متجر للمنتجات الروسية، افتتحته مواطنة روسية، وهنا يمكن أن تجد بسعر معقول كل ما تشتهيه النفس الروسية تقريبًا..”ناتاشا” التي تعيش منذ فترة طويلة، في الغردقة، قالت: “توجد عندنا في الطابق شقةٌ للإيجار، وغالبًا ما يستأجرها روس؛ لأن منطقتنا تقع في المركز، ويمكن التعرف بسهولة على أولئك الأشخاص الذين جاءوا من فترة قصيرة.
وأكدت أن “نظرتهم غير مهتمة، وتراهم مستعجلين وجديين؛ ذلك أنهم لم يغيروا إيقاع حياتهم بعد، لم يشتاقوا للغتهم، لا يبحثون عن أصدقاء بين وجوه مواطنيهم الجديدة”.
ومن خلال التقرير، تجد أن الروس يفضلن البقاء في مصر أكثر من أية دولة عربية أخرى، وهناك ارتباط كبير بين المصريين والروس، بدأ منذ الحقبة الناصرية.
وهذا الارتباط لم ينفك، ولايزال حلم عودة العلاقات كما كانت بين مصر وروسيا، كما كانت في عهد الرئيس الراحل جمال عبد الناصر، واستمر الوضع إلى أن عادت العلاقات مرة أخرى، هذا العام، بعد زيارة المشير عبد الفتاح السيسي، وزير الدفاع، إلى روسيا.