في إطلالة اعتبرها المصريون اهانة وإساءة بالغة، اعتبر الإعلامي إبراهيم عيسي أن تأجيل الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي زيارته لأمريكا يضر بالمصالح المصرية، بل وهاجم اصطفاف المصريين ورفضهم للتهجير .
وقال عيسي :” عايزين ترجعونا لأيام ولا يهمك من الأميركان يا ريس؟، بقول للسيسي: يهمك الأميركان ويهمك الإسرائيليين، مفيش حاجة اسمها “ميهمش”.
وقال مصدران أمنيان مصريان إن الرئيس عبد الفتاح السيسي لن يسافر إلى واشنطن لإجراء محادثات في البيت الأبيض، إذا كان جدول الأعمال يشمل خطة الرئيس الأميركي دونالد ترامب لتهجير الفلسطينيين من قطاع غزة.
ووجّه ترامب دعوة مفتوحة للسيسي لزيارة واشنطن في اتصال بينهما في الأول من فبراير/شباط الجاري، حسبما ذكرت الرئاسة المصرية في وقت سابق، فيما قال مسؤول أميركي إنه لم يتم تحديد موعد لمثل هذه الزيارة.
مسار التحول الذي طرأ على أفكار ومواقف الإعلامي المصري، إبراهيم عيسى، بات يشكل حالة من الجدل والتساؤل، خاصة وقت المعارك الفاصلة بين المقاومة الفلسطينية والاحتلال الإسرائيلي.
وبعد عملية “طوفان الأقصى” التي شنتها حركة المقاومة الإسلامية “حماس” في 7 أكتوبر/ تشرين الأول 2023، وأثقلت الاحتلال بخسائر فادحة، شهد قطاع غزة موجة عدوان إسرائيلية لم تتوقف.
وبالتزامن مع هذا العدوان، انطلق عيسى من خلال برنامجه “حديث القاهرة” على قناة “القاهرة والناس”، في تبني سردية تنال من المقاومة وتكيل لها الاتهامات بالتسبب في الدمار الذي حل بغزة.
وذهب إلى أبعد من ذلك عندما قال “حماس صناعة إسرائيلية”، ودافع عن سياسة غلق معبر رفح، وعدم إدخال المساعدات إلى المنكوبين في غزة، إلا بعد موافقة الطرف الإسرائيلي. الأمر الذي دفع وسائل إعلام عبرية للإشادة بأطروحات عيسى ضد حركة “حماس”، والمتوافقة تماما مع “الرؤية الصهيونية”.
وأثار ترامب غضب العالم العربي بخطته لتهجير أكثر من مليوني فلسطيني بشكل دائم من قطاع غزة والسيطرة عليه وتحويله إلى “ريفييرا الشرق الأوسط”، وطالب مصر والأردن باستقبال الفلسطينيين الذين سيتم إبعادهم.
وناقش ترامب الخطة خلال اجتماع مع عاهل الأردن الملك عبد الله الثاني في البيت الأبيض أمس الثلاثاء، والذي بدا الملك خلاله منزعجا، حيث كرر ترامب خطته بامتلاك غزة وإدارتها وتهجير أهلها، مذكرا أن الولايات المتحدة تقدم أموالا كثيرة للأردن ومصر، قائلا “لكننا لن نصدر تهديدات بشأنها”.
وقال السيسي مرارا إن مصر لن تشارك مطلقا في تهجير واسع للفلسطينيين عبر الحدود.
ونقلت صحيفة وول ستريت جورنال الأميركية، عن مسؤولين مصريين قولهم إن السيسي قلق بشأن الصورة العامة إذا ما زار واشنطن والتقى الرئيس الأميركي دونالد ترامب بعد دعوته مصر والأردن لاستقبال أهالي غزة.
وأضاف المسؤولون أن السيسي يشعر بالقلق أيضا من المخاطر المترتبة على تعرضه لضغوط أميركية علنية، مع مواصلة ترامب الترويج لخطته التي أكدت القاهرة رفضها القاطع لها كما يرفضها الشعب المصري، وقد تعد مشكلة أمنية للجيش.
ولا أنباء حتى الآن عن لقاء مرتقب أو مخطط بين الرئيسين الأميركي والمصري، لكن ترامب قال سابقا إنه سيتحدث مع الرئيس المصري بشأن خطته لغزة وعن استقبال القاهرة سكان القطاع.
وعندما أطلق إبراهيم عيسى عام 2005 مشروعه الصحفي الأول والأبرز، صحيفة “الدستور” الأسبوعية المعارضة، عدت حينها مدرسة جديدة في الصحافة المصرية باعتمادها شبه الكامل على صحفيين شباب، وعلى لغة بسيطة وقريبة إلى اللغة الشعبية.
وفي الوقت ذاته، تبنت آراء شديدة في المعارضة ضد الأنظمة الحاكمة في مصر والعالم العربي، وتبنت تماما مناصرة المقاومة سواء في فلسطين أو لبنان.
ومع اندلاع الحرب بين لبنان وتحديدا “حزب الله” وإسرائيل في 12 يوليو/ تموز 2006، سخر عيسى صحيفته وقلمه وكلمته لدعم “حزب الله”.
وفي لقاء له آنذاك مع شبكة قنوات “الجزيرة” القطرية، قال نصا: “تأييدي لحزب الله في لبنان لأنه حزب المقاومة، لأنه يقاوم إسرائيل”.
وأتبع: “انظر إلي مواقفي وكتاباتي، أنا ضد كل من يقف مع إسرائيل، أما من ضد إسرائيل فأنا معه أحبه وأؤيده وانتصر له”.
وشدد: “أنا مع كل فصيل يهدد الكيان الصهيوني حتى لو حزب الله”. لم يكتف عيسى بتلك الكلمات، ففي عدد صحيفة “الدستور” الصادر في 19 يوليو 2006، وجه نقدا لاذعا للحكام العرب، على رأسهم الرئيس المصري حينها حسني مبارك.
وفي الصفحة الأولى لنفس العدد، وضع صورة كاريكاتورية لزعيم حزب الله حسن نصر الله، وكأنه يوجه رسالة للحكام، وكتب فوقها “يا منطقة مفيكيش (ليس بها) راجل”.
ووصل الأمر بصفحة “إسرائيل بالعربي” التي تخصصت منذ اندلاع العدوان الأخير على غزة في تشويه صورة الفصائل الفلسطينية ومحاربة المقاومة، إلى الاحتفاء والاستشهاد بكلام إبراهيم عيسى.
ففي 1 نوفمبر 2023، نشرت الصفحة مقاطع فيديو له وهو يتحدث عن حجم الضرر الذي لحق بالقطاع خلال السنوات الماضية.
واتفق كلاهما على تحميل حركة “حماس” مسؤولية ما حدث في غزة رغم استمرار العدوان الشرس على المدنيين والبنية التحتية دون توقف.
ومن هنا إذا ما توغلنا أكثر في تراث إبراهيم عيسى الكتابي، سنجد أن هناك فارقا شاسعا، بين ما يقوله في الوقت الراهن وما أطر له قبل سنوات طويلة.
فعندما أصدر كتابه “اذهب إلى فرعون” في ديسمبر/ كانون الأول 2005، أورد في الصفحة رقم 325: “يبقى أن نشير بكل امتنان مذهل للحركة الإسلامية الساطعة في فلسطين، لكن المعركة لنصرة فلسطين ليست حكرا على جماعة أو فريق، والنصر قادم بإذن الله بتحالفنا جميعا وإيماننا كلنا وراية الإسلام الدين والحضارة ترفرف فوقنا جميعا”.
وأكمل: “الصحوة هي الإيمان المطلق بأن المعركة تدور اليوم ولا تنتظر يوم القيامة، والحرب ضد إسرائيل هذه الساعة وليس يوم قيام الساعة”.هنا عيسى لم يتبن دعم المقاومة فقط وتأييد محاربة إسرائيل، بل وضع نفسه في صفوف المحاربين، وعد نفسه من “جنود المقاومة والإسلام والعروبة”.
من جانبه، قال الباحث الإعلامي بجامعة أدنبرة الأسكتلندية طارق محمد، إن “ما حدث لإبراهيم عيسى ليس تحولات، وإنما انقلاب كامل وسريع على أفكاره وأيديولوجيته دون مبرر أو إعطاء تفسير، والأدهى والأمر أنه حاول حذف أرشيفه القديم في صحف الدستور والتحرير، حتى مقالاته في كثير من الصحف حذفها”.
وأضاف : “لمن لا يعلم إبراهيم عيسى كان أمين التثقيف في الحزب الناصري بمحافظة المنوفية، وتبنى أفكار القومية العربية، لذلك فقد انخرط في الدعم الكامل لمحور المقاومة والممانعة سواء في فلسطين ولبنان وسوريا وصولا حتى إلى إيران”.
وأوضح: “لا يوجد معلومة جازمة عن لماذا انقلب إبراهيم عيسى على أفكاره لهذه الدرجة؟ ببساطة لأنه نفسه لم يقم بمراجعات أو تمهيد، فبين عشية وضحاها وجدناه على هذا النحو”.
وتابع: “لكن التفسير الوحيد لمثل هذه الحالات هو أنه إما أن يكون قد تعرض لابتزاز وتهديد بملفات معينة، أو يكون قد حصل على إغراء مادي ضخم، جعله على هذه الشاكلة الفجة والمضمحلة فكريا وأخلاقيا ووطنيا
وكان السيسي قد شدد على إعادة إعمار قطاع غزة بهدف جعله قابلا للحياة، وذلك من دون تهجير سكانه الفلسطينيين، وبما يضمن الحفاظ على حقوقهم ومقدراتهم في العيش على أرضهم.
وقدمت الولايات المتحدة لمصر منذ توقيع اتفاقية السلام مع إسرائيل عام 1979 ما يقدر بأكثر من 80 مليار دولار من المساعدات العسكرية والاقتصادية طبقا لتقرير لخدمة أبحاث الكونغرس اطلعت عليه المنشر.
ويفترض أن تحصل مصر هذا العام على 1.433 مليار دولار من إدارة ترامب، منها 1.3 مليار دولار مساعدات عسكرية و133 مليون دولار مساعدات غير عسكرية، في حين وقع الأردن اتفاق سلام مع إسرائيل عام 1994، وحصل على مساعدات قيمتها تقترب من 30 مليار دولار، ويحصل على مساعدات عسكرية واقتصادية هذا العام مقدراها 1.45 مليار دولار.