اقترح رئيس الوزراء التركي الأسبق رئيس حزب «المستقبل» التركي المعارض، أحمد داود أوغلو، إجراء استفتاء على ربط غزة بتركيا مع منحها الحكم الذاتي حتى قيام الدولة الفلسطينية.
مقترح أوغلو بمنح غزة حكما ذاتيا، وجعلها مرتبطة بتركيا الي أن تتحرر فلسطين، في نظر البعض فكرة استراتيجية إبداعية خارج الصندوق، وهي التي أنقذت بها تركيا أتراك قبرص من الإبادة على أيدي القبارصة اليونانيين المدعومين من أوروبا، وفي نظر آخرين لا تختلف عن أطماع ترامب.
وانقسمت جزيرة قبرص المتوسطية منذ 1974 بين جمهورية ناطقة باللغة اليونانية في الجنوب معترف بها من قبل الأمم المتحدة وأخرى قبرصية تركية في الشمال أعلنت استقلالها بشكل أحادي عام 1983
واعتمد كثير من الكتابات الأكاديمية، المقاربةَ الديمغرافية أساسًا لتفسير السلوك التركي تجاه جزيرة قبرص، اعتمادًا على وجود القبارصة الأتراك في الجزيرة، لكن هذه المقاربة تمثل جزءًا من الحقيقة وليس كلها.
فلو لم يكن هناك تركي واحد في الجزيرة لكان لزامًا على تركيا إستراتيجيًا وضع قدم لها في الجزيرة، نظرًا لأهميتها الجيوستراتيجية الهائلة.فقبرص تعد حلقة الوصل بين ثلاث قارات، هي: أوروبا، وآسيا، وأفريقيا، وهي ثالث أكبر جزر البحر المتوسط، وتتميز بقربها من دول شرق المتوسط، مثل: تركيا، وسوريا، ولبنان، ومصر.
أي أنه لا يمكن لأي دولة ذات حضور إقليمي ودولي إخراج الجزيرة من حساباتها.كما ساهم موقع تلك الجزيرة في منحها ميزات عسكرية ودفاعية مهمة، ما حدا ببريطانيا إلى الاحتفاظ بقاعدتين عسكريتين حتى الآن، فيما يلعب الجزء اليوناني من الجزيرة أدوارًا لوجيستية مهمة للقوات الأميركية وحلفائها.
وقال أوغلو: «بصفتي تركياً من رعايا الدولة العثمانية، أقول للرئيس الأميركي دونالد ترمب إن الدولة الشرعية الأخيرة التي حكمت فلسطين وأهل غزة هي الدولة العثمانية، وبعد ذلك، تم إنشاء الانتداب البريطاني ولم يمنح الجنسية لأحد، وإسرائيل بالفعل غير شرعية ولم تمنح الجنسية لأحد قط».
وأضاف أن «جمهورية تركيا هي الاستمرارية الشرعية للدولة العثمانية، ويجب على أهل غزة إجراء استفتاء بصفتهم رفاق تاريخ ومواطنين، ويجب ربطهم بالجمهورية التركية، منطقة مستقلة تتمتع بالحكم الذاتي حتى يتم إنشاء دولة فلسطين».
وأثارت هذه التصريحات ردود فعل واسعة، خاصة على مواقع التواصل الاجتماعي، حيث اعتبرها البعض محاولة لإحياء النفوذ العثماني في المنطقة، في حين رآها آخرون موقفًا سياسيًا يعكس توجهات المعارضة التركية في ظل التوترات الإقليمية.
من جهته، كتب أكرم رزق تعليقًا على الفكرة، “لا أرى أهل غزة يوافقون، ولكن أظن أنها مناورة سياسية مربكة لسردية “من النيل إلى الفرات”، تستحق اللعب بها قليلًا لإبعاد التركيز على فكرة التهجير باعتبارها ثيمة يراد لها أن تعلو الترند كونها من تصريحات لترمب، وإحلال ترند جديد فيختفي حديث التهجير لنخرج من الدفاع إلى الهجوم”.
أما عبد الله عقيل، فيقول: “فلسطين أقدم من الدولة العثمانية والبريطانية والأميركية. وتاريخ الحكم العثماني هو جزء من التاريخ الفلسطيني، مرحلة من مراحل فلسطين”.
أما فيان فترى، بأنها فكرة ليست سيئة وتكتب: “لن يجبر الفلسطينيون على ترك أراضيهم. منطقة الحكم الذاتي خطوة جيدة جدًا نحو الدولة الفلسطينية”.
من ناحيتها، كتبت نهى فتحي: “كانوا فين وهي غزة بتتقصف كل يوم ما شوفناش رد فعل وقتها يعني مصدرش منهم أي حاجة توقف العدوان”.
على المستوى الرسمي، لم تصدر بعد أي ردود فعل عربية أو فلسطينية مباشرة، لكن المقترح يتعارض مع الإجماع العربي الذي يؤكد أهمية إقامة دولة فلسطينية مستقلة على حدود عام 1976 وعاصمتها القدس الشرقية.
من جهته، قال الكاتب والمحلل السياسي التركي إسماعيل ياشا، إن تركيا ترفض تهجير سكان قطاع غزة، ولكن لا يتوقع أن يكون ردها على خطة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب كما تحلم به المعارضة التركية، مهما حاول حزب الشعب الجمهوري استفزاز الرئيس رجب طيب أردوغان.
وأكد ياشا أنه من المتوقع أن تتحرك أنقرة لإفشال الخطة دون إطلاق تصريحات تستهدف الرئيس الأمريكي مباشرة، وأن تبذل جهودا دبلوماسية لإعادة إعمار القطاع ودعم سكانه، بالتنسيق والتعاون مع الدول العربية والإسلامية والأوروبية الرافضة للخطة.
ولفت إلى أن تركيا ستواصل دفاعها في المحافل الدولية عن حقوق الشعب الفلسطيني، وتكثف جهودها لإقامة دولة فلسطينية مستقلة ذات سيادة كاملة.
من جانبه، رفض رئيس حزب «الديمقراطية والتقدم»، علي باباجان، مطالبة ترمب بتهجير الفلسطينيين من قطاع غزة أو إقامة أي مشاريع فيها، قائلاً إن «غزة ملك لشعب غزة، ولأولئك الذين يقاومون من أجل فلسطين المستقلة، ليس لدى الفلسطينيين شبر واحد من الأرض ليعطوه لإسرائيل أو الولايات المتحدة. ألم تفهموا بعد؟ لقد مرت عقود من الزمن، ولم تتغير المقاومة الفلسطينية، ستخسرون».
وأضاف باباجان: «لقد وضع هؤلاء أنظارهم على الأراضي في غزة، أولئك الذين ينظرون إلى القتلى ويرونهم أرقاماً بسيطة يفكرون في الأموال التي سيكسبونها من خلال النظر إلى الحطام، وبالطبع، هناك أيضاً خلفية آيديولوجية هنا، القضية الحقيقية هي أنهم يخططون حالياً لاقتلاع الفلسطينيين من أراضيهم وترحيلهم إلى أراضٍ أخرى».
في السياق ذاته، أكد الرئيس التركي، رجب طيب إردوغان، أن إقامة دولة فلسطينية ذات سيادة وتتمتع بوحدة أراضيها على حدود عام 1967 وعاصمتها القدس الشرقية، بات أمراً لا يحتمل التأخير أكثر من ذلك.