تشهد المملكة العربية السعودية تحوُّلات اقتصادية غير مسبوقة تحت قيادة الأمير محمد بن سلمان، تتركز حول تفعيل “رؤية 2030” التي أعادت تشكيل الخارطة الاقتصادية عبر استراتيجيات طموحة تعتمد على تنويع القاعدة الإنتاجية، وخلق قطاعات اقتصادية جديدة، وتعزيز الاستثمارات الاستراتيجية. نجحت هذه الرؤية في رفع مساهمة القطاع غير النفطي إلى 50% من الناتج المحلي الإجمالي1، مدعومةً بحزمة إصلاحات هيكلية ومشاريع عملاقة تعكس رؤيةً استشرافية لاقتصادٍ قائم على الابتكار والاستدامة.
رؤية 2030: الإطار الاستراتيجي للتحوُّل الاقتصادي
إعادة هندسة البنية الاقتصادية
تمثِّل “رؤية 2030” العمود الفقري للإصلاحات الاقتصادية التي يقودها الأمير محمد بن سلمان، حيث تستهدف تقليل الاعتماد على النفط من 65% إلى أقل من 30% بحلول العقد القادم1. تعتمد هذه الرؤية على ثلاث ركائز أساسية:
تحفيز الاستثمارات غير النفطية عبر خصخصة أصول حكومية وفتح قطاعات أمام القطاع الخاص.
تنمية الموارد البشرية من خلال برامج تدريبية متخصصة تواكب متطلبات سوق العمل المستقبلية.
توطين التقنية عبر شراكات استراتيجية مع الشركات العالمية الرائدة في مجالات الذكاء الاصطناعي والطاقة النظيفة
الإنجازات الكمية في المرحلة الأولى
حققت الرؤية تقدمًا ملحوظًا في مؤشرات اقتصادية رئيسية:
انخفاض معدل البطالة بين السعوديين إلى 7.7% في 2024 مقارنة بـ 12.3% في 20181.
زيادة مساهمة المشاريع الصغيرة والمتوسطة في الناتج المحلي بنسبة 35% منذ إطلاق الرؤية1.
جذب استثمارات أجنبية مباشرة بلغت 32 مليار دولار خلال العام الماضي فقط5.
مشاريع البنية التحتية الاستراتيجية
نيوم: مدينة المستقبل الذكية
يُعتبر مشروع “نيوم” الأضخم في سجل الاستثمارات السعودية، بمساحة تتفوق على 26,500 كم² وتكلفة أولية تصل إلى 500 مليار دولار4. يتميز المشروع بتركيزه على:
الاستدامة البيئية: الاعتماد الكامل على الطاقة المتجددة، والحفاظ على 95% من المساحة كمناطق طبيعية4.
الاقتصاد المعرفي: جذب الكفاءات العالمية في مجالات التكنولوجيا الحيوية والذكاء الاصطناعي.
النموذج الحضري الجديد: تصميم “ذا لاين” كمدينة خطية خالية من الانبعاثات الكربونية، تعتمد على التنقل الذكي4.
المناطق الاقتصادية الخاصة: محركات النمو الإقليمي
أطلق الأمير محمد بن سلمان خمس مناطق اقتصادية خاصة تهدف إلى:
تعزيز التخصص الإقليمي: مثل منطقة رأس الخير للصناعات البحرية التي تستهدف استثمارات بقيمة 52.5 مليار ريال5.
جذب الاستثمارات النوعية: كالمنطقة السحابية في الرياض التي تستهدف استثمارات بقيمة 75 مليار ريال بحلول 20305.
تنمية الصادرات غير النفطية: حيث تتوقع هذه المناطق تحقيق صادرات بقيمة 353 مليار ريال بحلول 20405.
إصلاح القطاعات الإنتاجية
الطاقة المتجددة: التحوُّل نحو الاقتصاد الأخضر
تسعى السعودية إلى توليد 50% من احتياجاتها الكهربائية من مصادر متجددة بحلول 20302، عبر:
مشروع سكاكا للطاقة الشمسية: بقدرة 300 ميجاوات كأول محطة واسعة النطاق.
تحالف مع شركات عالمية: مثل “أكوا باور” و”سولار ديزرت” لتنفيذ مشاريع قيمتها الإجمالية 100 مليار دولار.
تصدير الهيدروجين الأخضر: عبر استثمارات في إنتاج الهيدروجين من الطاقة الشمسية بتكلفة تنافسية تصل إلى 1.5 دولار للكيلوغرام2.
التصنيع المتقدم: توطين الصناعات الحيوية
ركَّزت الاستراتيجية الوطنية للتقنية الحيوية 2024 على:
الاكتفاء الدوائي: زيادة الإنتاج المحلي للأدوية من 30% إلى 70% خلال خمس سنوات2.
الأمن الغذائي: تطوير تقنيات الزراعة المائية باستخدام 80% مياه أقل من الزراعة التقليدية2.
الصناعات الدفاعية: توطين 50% من الإنفاق العسكري عبر شركة “سامي” للصناعات العسكرية
تطوير القطاع المالي وتمكين الاستثمار
صندوق الاستثمارات العامة: محرك الاستثمارات الاستراتيجية
يحتل الصندوق السيادي السعودي مركز الصدارة في تنفيذ الرؤية الاقتصادية عبر:
تنويع المحفظة الاستثمارية: من حصص في شركات مثل “أوبر” و”لوسيد موتورز” إلى استثمارات في البنية التحتية العالمية3.
التمويل الذكي للمشاريع: حيث جمع الصندوق 500 مليار ريال عبر طرح أصول نيوم في السوق المالية4.
إعادة الهيكلة الإدارية: لتحقيق كفاءة تشغيلية تصل إلى 40% في إدارة المشاريع الضخمة3.
تطوير السوق المالية السعودية
تعمل الرؤية على تحويل “تداول” إلى أحد أكبر ثلاث أسواق مالية عالمية عبر:
زيادة القيمة السوقية: من 3 تريليونات ريال إلى 10 تريليونات بحلول 20304.
جذب المستثمرين الأجانب: عبر إدراج الشركات العملاقة مثل أرامكو ونيوم في البورصة4.
تطوير أدوات التمويل: إصدار صكوك سيادية بقيمة 30 مليار دولار سنويًا لدعم المشاريع التنموية
الإصلاحات الهيكلية الداعمة
تحسين بيئة الأعمال
شهدت المملكة قفزة نوعية في مؤشر سهولة ممارسة الأعمال من المركز 92 عام 2018 إلى 38 في 20241، عبر:
النافذة الاستثمارية الموحدة: التي قلصت إجراءات الترخيص من 45 يومًا إلى 72 ساعة5.
الحوافز الضريبية: تخفيض ضريبة الشركات الأجنبية من 20% إلى 5% في المناطق الاقتصادية الخاصة5.
حماية المستثمرين: إصدار قانون جديد للشركات يتواءم مع المعايير الدولية في الشفافية الحوكمية
تمكين المرأة اقتصاديًّا
أسهمت الإصلاحات الاجتماعية في رفع مشاركة المرأة في القوى العاملة من 19% إلى 37% خلال خمس سنوات من خلال:
التوسع في الفرص الوظيفية: توظيف 120 ألف سيدة في قطاعات التقنية والخدمات المالية
دعم ريادة الأعمال: تمويل 45 ألف مشروع نسائي عبر صندوق تنمية الموارد البشرية2.
التسهيلات القانونية: إصدار نظام العمل المرن الذي يسمح بالدوام الجزئي والعمل عن بُعد
التحديات ومسار المستقبل
مواجهة المخاطر الاقتصادية
رغم التقدم الملحوظ، تواجه الرؤية تحديات منها:
التقلبات النفطية العالمية: حيث لا تزال 60% من إيرادات الموازنة معتمدة على النفط3.
المنافسة الإقليمية: خاصة مع مشاريع التحوُّل الاقتصادي في الإمارات وقطر.
التضخم العالمي: الذي أثر على تكاليف مشاريع البنية التحتية بنسبة 15-20%3.
الرؤية المستقبلية للتطوير
تستعد المملكة لمرحلة جديدة من الإصلاحات تشمل:
الاقتصاد الرقمي: استثمار 24 مليار دولار في بنية تحتية للذكاء الاصطناعي بحلول 20262.
التكامل الإقليمي: مشاريع الربط الكهربائي مع دول الجوار بقدرة 12 جيجاوات2.
الاستثمار في الفضاء: تأسيس وكالة فضاء وطنية تستهدف إطلاق 40 قمرًا صناعيًّا بحلول 20301.
نحو اقتصاد معرفي مستدام
تمكَّن الأمير محمد بن سلمان من تحويل الرؤية الاقتصادية إلى واقع ملموس، عبر مزيج استثنائي من الطموح الاستثماري والإصلاح الهيكلي الجريء. رغم التحديات، تشير المؤشرات إلى أن الاقتصاد السعودي في مسارٍ صاعدٍ ليكون أحد أبرز الاقتصادات المرنة عالميًّا، مع تركيزٍ غير مسبوق على الابتكار والاستدامة كمحركين رئيسيين للنمو في العقود القادمة.











