أيمن الأصفري مرشح لرئاسة الحكومة الانتقالية السورية
في خضم التطورات السياسية المتسارعة التي تشهدها سوريا، برز اسم رجل الأعمال السوري-البريطاني أيمن الأصفري كواحد من أبرز المرشحين لتشكيل الحكومة الانتقالية الجديدة في سوريا، بدعم من الرئيس السوري الانتقالي أحمد الشرع والسعودية بالإضافة إلى بريطانيا. تثير تساؤلات ترشيح الأصفري كواحد لرئاسة الحكومة الانتقالية الجديدة، حول طبيعة القوى السياسية الداعمة له، سواء على المستوى المحلي أو الإقليمي أو الدولي. يعتمد هذا التحليل على مصادر متعددة لتتبع خيوط التحالفات والعلاقات التي قد تساهم في دفع الأصفري إلى الصدارة السياسية.
العلاقة مع هيئة تحرير الشام
تشير التقارير إلى أن هيئة تحرير الشام، تُعد من الداعمين المحتملين لترشيح الأصفري، يعود هذا الدعم إلى عوامل جغرافية وسياسية:
- الانتماء الجغرافي: وُلد الأصفري في إدلب عام 1958، مما يمنحه شرعية رمزية في منطقة تعتبر معقلًا لهيئة تحرير الشام. هذا الانتماء قد يسهل وصوله الى رئاسة الحكومة السورية.
- الملاءمة السياسية: يُنظر إلى الأصفري كشخصية “تكنوقراطية” لا تشكل تهديدًا مباشرًا لهيمنة الهيئة، خاصةً في ظل غياب قاعدة شعبية أو تاريخ سياسي مسبق له. تعزز هذه الفرضية اللقاءات المبلغ عنها بين الأصفري وأحمد الشرع.
قاعدة المجتمع المدني
يمتلك الأصفري شبكة علاقات واسعة مع منظمات المجتمع المدني السوري، حيث أسس مبادرة “مدنية” في عام 2023، التي تجمع تحت مظلتها أكثر من 180 منظمة. تهدف هذه المبادرة إلى دمج الفاعلين المدنيين في العملية السياسية، وهو ما يعكس سعيه لبناء تحالف مع القوى التي طالما ظلت على هامش المشهد السياسي. وفقًا لتصريحات الأصفري، فإن “مدنية” تسعى إلى “حماية الفضاء المدني وتعزيز فاعليته في صنع القرار.”
الدعم الإقليمي والدولي: جسور نحو الغرب
يتمتع الأصفري بعلاقات قوية مع دول الاتحاد الأوروبي والمملكة المتحدة، حيث يقيم منذ سنوات. تُبرز المصادر دوره في استخدام نفوذه البريطاني للضغط على نظام الأسد، خاصة بعد إصدار الأخير مذكرة اعتقال بحقه بتهمة “تمويل الإرهاب” عام 2011، هذه العلاقات قد تفسر سبب ترحيب بعض الأوساط الغربية بترشيحه، نظرًا لـ:
- القدرة على تجاوز العقوبات: قد يساهم وصول شخصية مقربة من الغرب إلى السلطة في تخفيف العقوبات الاقتصادية المفروضة على سوريا، خاصة في قطاع الطاقة الذي يمتلك فيه الأصفري خبرة طويلة.
- جذب الاستثمارات: يشغل الأصفري منصب الرئيس التنفيذي لمجموعة “فينتيرا” المتخصصة في طاقة الرياح البحرية، وهو ما قد يجعله جسرًا للاستثمارات الأوروبية في البنية التحتية السورية المدمرة.
الدور السعودي والمسار الخليجي
رغم عدم وجود إشارات مباشرة في المصادر عن دعم سعودي، قد تعكس انفتاحًا خليجيًا على شخصيته. يُعتقد أن دول الخليج تبحث عن شركاء جدد في المشهد السوري بعيدًا عن النظام والمعارضة التقليدية، خاصة مع تراجع دور “الإخوان المسلمين” وتيارات الإسلام السياسي.
التحالفات الداخلية: بين المعارضة والنخب الاقتصادية
يمثل الأصفري نموذجًا لرجل الأعمال المنتمي إلى جيل النخب الاقتصادية السورية التي برزت خارج إطار النظام. بدأ مسيرته في سلطنة عمان عبر شركة “بتروفاك” المتخصصة في خدمات النفط، قبل أن يتوسع في مجال الطاقة المتجددة. هذه الخلفية قد تجعله مقبولًا لدى رجال الأعمال السوريين في الداخل والخارج، الذين يبحثون عن استقرار اقتصادي يسمح بإعادة الإعمار.
رغم أن الأصفري أعلن معارضته لنظام الأسد منذ عام 2011، ودعمه للثورة عبر تمويل “الخوذ البيضاء”، فإن غيابه عن العمل السياسي المباشر أثار شكوكًا لدى بعض القوى السياسية السورية. إلا أن مبادرته الأخيرة في باريس، والتي حضرها ممثلون عن منظمات مدنية متنوعة، قد تشير إلى محاولة لبناء جسور مع هذه مكونات الشعب السوري.
التحديات والانتقادات
يُنتقد الأصفري لعدم امتلاكه قاعدة شعبية داخل سوريا، إذ ظل بعيدًا عن العمل الميداني خلال سنوات الثورة. هذا الغياب قد يعرض شرعيته للطعن، خاصة في المناطق التي تعاني من هيمنة الفصائل المسلحة بعد سقوط نظام بشار الأسد.
إرث العائلة والانتماء البعثي
ينحدر الأصفري من عائلة مرتبطة تاريخيًا بحزب البعث، حيث كان والده أديب الأصفري من المؤسسين الأوائل للحزب، رغم أن الأب اعتقل لاحقًا من قبل نظام الأسد، إلا أن هذا الإرث قد يستخدمه الخصوم لتشكيك في نوايا الابن، خاصة في أوساط المعارضة الراديكالية. قد تواجه أي حكومة يترأسها الأصفري تحديات في التوفيق بين المطالب الدولية (مثل شروط الاتحاد الأوروبي) والداخل السوري، فشله في تحقيق هذا التوازن قد يعرض مشروعه السياسي للانهيار.
نحو مرحلة انتقالية هشة
يبدو أن ترشيح أيمن الأصفري يعكس محاولة لإيجاد توافق هش بين قوى متباينة: هيئة تحرير الشام التي تسيطر على الأرض، ومنظمات المجتمع المدني التي تسعى للتمثيل السياسي، والقوى الدولية الراغبة في كسر الجمود. نجاحه مرهون بقدرته على تحويل هذه التحالفات المتنافرة إلى برنامج عمل مشترك، مع الحفاظ على التوازنات الدقيقة التي أفرزتها سنوات الحرب. في غياب رؤية واضحة لإدارة هذه التناقضات، قد يصبح الأصفري مجرد واجهة مؤقتة في مسار انتقالي مليء بالمطبات.