دروز سوريا: أقلية عربية تاريخية بين التحديات السياسية والاجتماعية
يشكل الموحدون الدروز في سوريا إحدى أهم الأقليات الدينية والثقافية في البلاد، حيث يقدر عددهم بنحو 700 ألف إلى 800 ألف نسمة، أي ما يعادل 3.2% من إجمالي السكان وفقاً للتقديرات المتاحة. وتزعم بعض المصادر الأخرى أن عدد الدروز السوريين قد يصل إلى نحو مليون نسمة، مما يجعل سوريا موطناً لحوالي 40% إلى 50% من إجمالي الموحدين الدروز حول العالم البالغ عددهم نحو 1.5 مليون نسمة. يتميز الدروز بتمسكهم بهويتهم الدينية والثقافية الفريدة، ويتركزون في مناطق محددة من سوريا، خاصة في محافظة السويداء المعروفة رسمياً باسم جبل الدروز، بالإضافة إلى تواجدهم في مناطق ريف دمشق والمناطق الجبلية في شرق وجنوب العاصمة. وقد لعب الدروز دوراً تاريخياً مهماً في تشكيل المشهد السياسي والاجتماعي في سوريا عبر العصور المختلفة.
الخلفية التاريخية والتوزيع الجغرافي
يعود تاريخ وجود الدروز في سوريا إلى قرون طويلة، حيث استقروا في المناطق الجبلية بحثاً عن الأمان والاستقرار. يتركز الموحدون الدروز السوريون بشكل رئيسي في محافظة السويداء (جبل الدروز)، وهي منطقة جبلية وعرة تقع في جنوب غرب البلاد، يسكنها أكثر من 90% من الدروز السوريين، ويتوزعون هناك على نحو 120 قرية. وتشير الإحصائيات إلى أن محافظة السويداء البالغ عدد سكانها نحو 375 ألف نسمة، يشكل الموحدون الدروز نحو 90% من سكانها، بينما يشكل المسيحيون نحو 7%، والعرب السنّة نحو 3% من السكان.
كما توجد مجتمعات درزية بارزة أخرى في مناطق متفرقة من سوريا، مثل جبال حارم، وضاحية جرمانا بدمشق، وعلى المنحدرات الجنوبية الشرقية لجبل الشيخ. ويقيم نحو 250 ألف من الدروز في دمشق وضواحيها (جرمانا وصحنايا وجديدة عرطوز)، إضافة إلى 30 ألف درزي يعيشون على الجانب الشرقي من جبل الشيخ، ونحو 25 ألف درزي يقيمون في أربع عشرة قرية في جبل السماق شمال شرق إدلب.
كانت هناك أيضاً جماعة درزية سورية كبيرة تاريخياً في مرتفعات الجولان، لكن بعد حروب 1967 و1973 مع إسرائيل، فرّ الكثير من هؤلاء الدروز إلى مناطق أخرى من سوريا. ومعظم الذين بقوا يعيشون في عدد قليل من القرى في المنطقة المتنازع عليها، حيث يقدر عددهم حالياً بنحو 24 ألف درزي في هضبة الجولان المحتلة التي استولت عليها إسرائيل من سوريا في حرب عام 1967.
المعتقدات والممارسات الدينية
يدين الموحدون الدروز بمذهب التوحيد ذي التعاليم الباطنية، الذي يتضمن عناصر من عدة فلسفات ومعتقدات. وهم يسمون أنفسهم “أهل التوحيد”، ومن المميز في عقيدتهم أنها لا تتبع أركان الإسلام الخمسة مثل الصيام في شهر رمضان والحج إلى مكة. تتضمن معتقدات الدروز عناصر من الإسماعيلية، والإسلام الشيعي، والغنوصية، والأفلاطونية، والمسيحية، وغيرها من الفلسفات.
من الملاحظ أن الدروز يتبعون نمطاً من العزلة الدينية حيث لا يسمح بأي تحول، لا من خارج الدين أو داخله. وعندما يعيش الدروز بين أتباع الديانات الأخرى، يحاولون الاندماج من أجل حماية دينهم وسلامتهم الخاصة. وقد يتكيفون مع البيئة المحيطة بهم بطرق مختلفة. ومع ذلك، يبدو أن هذا النظام قد تغير في العصر الحديث، حيث سمح المزيد من الأمن للدروز بأن يكونوا أكثر انفتاحاً بشأن انتمائهم الديني.
يُفرق الدروز بشكل عام بين الشخص الروحاني والشخص الجثماني؛ فالأول بيده أسرار الطائفة (رؤساء، وعقلاء، وأجاويد)، أما الثاني فلا يبحث في الروحانيات، ولكنه منغمس في الدنيويات (الجهال). وتعرف أماكن العبادة لدى الدروز بالخلوات يسمعون فيها ما يتلى عليهم، ولا يسمح للجهال بحضورها أو سماع الكتب المقدسة إلا في عيدهم الوحيد، في عيد الأضحى باعتباره أهم عطلة لهم.
الدور السياسي والتاريخي
لعب الدروز دوراً أكثر أهمية في السياسة السورية بالمقارنة مع عددهم الصغير نسبياً. فمع مجتمع لا يزيد عن 100 ألف نسمة في عام 1949، أو ما يقرب من 3% من سكان سوريا، شكل دروز الجبال الجنوبية الغربية في سوريا قوة فاعلة في السياسة السورية ولعبوا دوراً قيادياً في الكفاح القومي ضد الفرنسيين.
تحت القيادة العسكرية للسلطان باشا الأطرش، قدم الدروز الكثير من الوجوه العسكرية التي قادت الثورة السورية الكبرى بين عامي 1925 و1927. وفي عام 1945، قاد سلطان الأطرش، القائد السياسي الأعلى لجبل الدروز، الوحدات العسكرية الدرزية في تمرد ناجح ضد الفرنسيين، مما جعل جبل الدروز المنطقة الأولى والوحيدة في سوريا التي قامت بتحرير نفسها من الحكم الفرنسي دون مساعدة بريطانية.
عند الاستقلال، توقع الدروز، الذين اكتسبوا ثقتهم بنجاحهم، أن تكافئهم دمشق على تضحياتهم الكثيرة في ساحة المعركة وطالبوا بالحفاظ على إدارتهم المستقلة والعديد من المزايا السياسية التي منحها لهم الفرنسيون وطلبوا مساعدة اقتصادية سخية من الحكومة المستقلة حديثاً. وقد شهدت العلاقة بين الدروز والحكومة المركزية في دمشق توترات متعددة عبر فترات مختلفة من التاريخ السوري الحديث.
محنة الدروز في العصر الحديث
تعرض المجتمع الدرزي في سوريا لمحن عديدة عبر التاريخ الحديث. ففي فترة حكم أديب الشيشكلي في سوريا من ديسمبر 1949 إلى فبراير 1954، تعرض المجتمع الدرزي لهجوم شديد من الحكومة السورية. اعتقد الشيشكلي أن الدروز هم الأكثر خطورة بين خصومه، وكان مصمماً على سحقهم. أرسل 10 آلاف جندي نظامي لاحتلال جبل الدروز، وقصف عدة مدن بالأسلحة الثقيلة، مما أسفر عن مقتل العشرات من المدنيين وتدمير العديد من المنازل. وشن حملة وحشية لتشويه سمعة الدروز بسبب دينهم وسياستهم. وقد تم اغتيال الشيشكلي في البرازيل في 27 سبتمبر 1964 على يد درزي سعياً للانتقام من قصفه لجبل الدروز.
وفي التاريخ الأحدث، تعرض الدروز السوريون لهجمات من الجماعات المتطرفة خلال الحرب الأهلية السورية. ففي 10 يونيو 2015، وقعت مجزرة قلب لوزة التي استهدفت الدروز في قرية قلب لوزة بمحافظة إدلب، حيث فتح مقاتلو جبهة النصرة النار على القرويين المحتجين بعد اتهامهم بالتجديف. وفي 25 يوليو 2018، دخلت مجموعة من المهاجمين المرتبطين بتنظيم داعش مدينة السويداء ذات الأغلبية الدرزية وبدأت سلسلة من المعارك والتفجيرات الانتحارية في شوارعها، مما أسفر عن مقتل 258 شخصاً على الأقل، غالبيتهم العظمى من المدنيين.
الدروز في سياق الصراع الإقليمي
في إطار التطورات الإقليمية الحالية، ثمة تطورات لافتة تتعلق بدروز سوريا. فقد أشاد رئيس الطائفة الدرزية في إسرائيل الشيخ موفق طريف في 13 مارس 2025 بخطط وفد ديني درزي من سوريا لزيارة إسرائيل لأول مرة منذ 5 عقود رغم تصاعد التوتر عبر الحدود وشن إسرائيل غارة جوية على دمشق. وقال الشيخ إن الزيارة، التي سيقوم بها نحو 100 من شيوخ الدروز السوريين، ستكون الأولى لإسرائيل منذ نحو 50 عاماً حين جاءت مجموعة منهم مباشرة بعد حرب عام 1973.
كما أعلنت إسرائيل في مطلع مارس 2025 أن رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو ووزير الدفاع يسرائيل كاتس قد أصدرا تعليمات للجيش بالاستعداد للدفاع عن بلدة درزية تقع في ضواحي دمشق في مواجهة قوات الحكومة السورية، وهو ما يشير إلى تعقيدات الوضع السياسي والأمني للدروز في المنطقة.
من الجدير بالذكر أن الغالبية الساحقة من دروز الجولان رفضوا قبول الجنسية الإسرائيلية الكاملة، واختاروا الاحتفاظ بجنسيتهم السورية والهوية السورية، على الرغم من ضم إسرائيل للهضبة بشكل أحادي في عام 1981، وهو ما لم تعترف به معظم دول العالم ولا الأمم المتحدة.
الوضع الراهن والتحديات المستقبلية
يواجه الدروز في سوريا تحديات متعددة في الوقت الراهن، بعضها يتعلق بالحفاظ على هويتهم الثقافية والدينية، وبعضها الآخر يرتبط بالأوضاع السياسية والأمنية المتقلبة في المنطقة. ويظل موقف الدروز من الأحداث السياسية في سوريا متنوعاً، حيث أصبح بعضهم أكثر تعارضاً مع الحكومة في فترة الحرب الأهلية السورية، بينما أكد آخرون ولاءهم للنظام.
في محافظة السويداء، أصدر بعض قادة الدروز بيانات مناهضة للسلطة، وقد حُكم على زعماء دينيين دروز بالسجن لرفضهم الدعوة إلى إعادة انتخاب بشار الأسد، كما يرفض كثير من الدروز خدمة التجنيد الإجباري في الجيش العربي السوري أو الانضمام للميليشيات الموالية للحكومة. بالمقابل، أكد العديد من الدروز في محافظة السويداء والذين يقطنون في هضبة الجولان التي تحتلها إسرائيل ولاءهم لسوريا.
وتشمل الميليشيات الدرزية الموالية للحكومة كلاً من جيش الموحدين التي تناصر نظام الرئيس السابق السوري بشار الأسد وتعد أحد أهم الداعمين له، وفوج الجولان وهي ميليشيا يغلب عليها الدروز وهي جزء من قوات الدفاع الوطني ومنذ عام 2014 هي وحدة موالية لنظام الأسد وآخرين معارضين للنظام قبل سقوطه.
يمثل الدروز في سوريا نموذجاً فريداً لأقلية دينية وثقافية استطاعت الحفاظ على هويتها وتقاليدها عبر قرون من التحديات والمحن. وقد لعبوا دوراً تاريخياً مهماً في تشكيل الهوية الوطنية السورية، وساهموا بشكل فعال في النضال ضد الاستعمار والاحتلال.
تشير التطورات الأخيرة إلى استمرار التحديات التي تواجه المجتمع الدرزي في سوريا، سواء فيما يتعلق بعلاقتهم مع الحكومة المركزية أو في مواجهة الجماعات المتطرفة التي استهدفتهم خلال سنوات الحرب الأهلية. كما أن وضع الدروز في الجولان المحتل يظل قضية شائكة في إطار الصراع الإقليمي الأوسع.
مع ذلك، يستمر الدروز في التأكيد على هويتهم وانتمائهم للمجتمع السوري الأوسع، مع الحفاظ على خصوصيتهم الثقافية والدينية. ويبقى مستقبل هذه الأقلية التاريخية مرتبطاً بشكل وثيق بمستقبل سوريا ككل، وبمدى قدرة البلاد على تجاوز أزمتها الحالية والتوجه نحو بناء دولة المواطنة التي تحترم التنوع وتصون حقوق جميع مكوناتها.
الموحدون الدروز في سوريا
آخر الأخبار والتطورات المتعلقة بالطائفة الدرزية في سوريا.
أحدث المقالات حول الموحدين الدروز في سوريا
على أنغام “طلع البدر علينا”: وفد درزي سوري يدخل إسرائيل (فيديو)
في 14 مارس 2025، دخل وفد درزي سوري إلى إسرائيل، مع أنغام “طلع البدر علينا”، في زيارة تاريخية تُعتبر من بين الأولى من نوعها منذ فترة طويلة.
اقرأ المزيد…شيخ طائفة الموحدين الدروز في سوريا يدعو لوقف فوري للاقتتال في الساحل السوري
في 8 مارس 2025، دعا شيخ طائفة الموحدين الدروز في سوريا إلى وقف فوري للاقتتال الدائر في الساحل السوري، مؤكداً ضرورة الحفاظ على الأمن والاستقرار في المنطقة.
اقرأ المزيد…احتجاجات في السويداء ضد سلطة أحمد الشرع: رفع علم الدروز وطرد المحافظ الجديد
في 6 مارس 2025، اندلعت احتجاجات في السويداء ضد سلطة أحمد الشرع، حيث رفع المحتجون علم الدروز وطردوا المحافظ الجديد في تحدٍ لسلطة الحكومة.
اقرأ المزيد…إسرائيل تهدد بحماية الدروز في جرمانا: نتنياهو يعلن الحرب على أحمد الشرع
في 1 مارس 2025، هددت إسرائيل بحماية الدروز في جرمانا، بعد إعلان رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو الحرب على أحمد الشرع بسبب ما وصفه بالتجاوزات في حقوق الدروز.
اقرأ المزيد…دروز سوريا أمام اختبار “اليوم الواحد” الإسرائيلي
في 25 فبراير 2025، ناقش دروز سوريا التحديات التي يواجهونها في ضوء التصعيد السياسي والعسكري، وكيفية تعاملهم مع الضغوط الإسرائيلية في إطار “اليوم الواحد” الإسرائيلي.
اقرأ المزيد…المجلس العسكري في السويداء يعلن انطلاق عمله: هل يعد نواة لتشكيل إقليم الدروز؟
في 24 فبراير 2025، أعلن المجلس العسكري في السويداء عن انطلاق عمله، وسط تساؤلات حول ما إذا كان سيشكل نواة لتشكيل إقليم الدروز في سوريا.
اقرأ المزيد…تشكيل المجلس العسكري في السويداء: دروز سوريا في مواجهة انتهاكات سلطة الشرع
في 23 فبراير 2025، تم الإعلان عن تشكيل المجلس العسكري في السويداء، في مواجهة الانتهاكات التي تُمارس ضد الطائفة الدرزية من قبل سلطة أحمد الشرع.
اقرأ المزيد…