المجلس الإسلامي العلوي الأعلى يحذر من تصعيد خطير بالساحل السوري ويطالب بحماية دولية
حذر المجلس الإسلامي العلوي الأعلى في سوريا والمهجر، يوم الجمعة السابع من آذار/مارس 2025، من استمرار التصعيد في الساحل السوري في ظل الأرتال العسكرية التي تدخل المنطقة بحجة ملاحقة فلول النظام. وأكد المجلس في بيانه أن الهدف الحقيقي من هذه العمليات هو “الترهيب والقتل بحق الشعب السوري عامة وللطائفة العلوية خاصة”، مشددًا على ضرورة توفير حماية دولية للمنطقة ولسكانها. يأتي هذا التحذير في سياق تصاعد الاشتباكات في محافظة اللاذقية التي بدأت منذ الإطاحة بنظام الأسد في الثامن من كانون الأول/ديسمبر، والتي أسفرت عن سقوط عشرات القتلى وفرض حظر للتجوال في عدة محافظات ساحلية.
تفاصيل البيان والمطالب الرئيسية
أصدر المجلس الإسلامي العلوي الأعلى بياناً رسمياً وجه فيه نداءً إلى الأمين العام للأمم المتحدة ودولة روسيا والمجتمع الدولي ورئيس وأعضاء مجلس الأمن الدولي الدائمين العضوية، مطالباً بوضع الساحل السوري ومناطق الطائفة العلوية تحت حماية الأمم المتحدة. وشدد البيان على أهمية تطبيق أحكام الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة لحماية الطائفة العلوية وباقي الأقليات في سوريا. هذه المطالبة تأتي استناداً إلى الفصل السابع الذي يتيح لمجلس الأمن اتخاذ تدابير عسكرية أو غير عسكرية للحفاظ على السلم والأمن الدوليين أو إعادتهما إلى نصابهما.
وذكر المجلس في بيانه: “في ظل التطورات الأخيرة، ومتابعتنا للتصعيدات الجارية وعدد الأرتال التي تدخل إلى الساحل السوري بحجة فلول النظام وبقصد الترهيب والقتل بحق الشعب السوري عامة والطائفة العلوية خاصة وبالإثباتات، نطالب بوضع الساحل السوري ومناطق الطائفة العلوية تحت حماية الأمم المتحدة”. هذا التصريح يعكس مخاوف المجلس من استهداف محتمل للطائفة العلوية والأقليات الأخرى في سوريا في ظل الاضطرابات الأمنية المستمرة.
بالإضافة إلى المطالبة بالحماية الدولية، وجه المجلس أيضاً نداءً خاصاً إلى شيخ عقل المسلمين الموحدين الدروز، سماحة الشيخ حكمت الهجري، طالباً منه المساندة ورفع الظلم عن الطائفة العلوية. وجاء في البيان: “إنه مع اشتداد المحنة، نضع يدنا في يدكم، سماحة الشيخ حكمت الهجري، ونطلب منكم مساندتنا ورفع الظلم عنا”. هذا التوجه يشير إلى محاولة لبناء تحالفات بين الأقليات الدينية في سوريا لمواجهة المخاطر المحتملة.
خلفية الأحداث والتصعيد الأمني
شهدت محافظة اللاذقية اشتباكات غير مسبوقة منذ الإطاحة بالأسد في الثامن من كانون الأول/ديسمبر، أسفرت بحسب المرصد السوري لحقوق الإنسان عن مقتل أكثر من 70 شخصاً، بينهم مسلحون وعناصر من وزارتي الداخلية والدفاع ومدنيون. هذه الاشتباكات تمثل تحولاً خطيراً في المشهد السوري بعد نهاية حكم عائلة الأسد الذي استمر لعقود.
مع تصاعد الأحداث وانتشارها في عموم سوريا، أعلنت إدارة الأمن العام عن حظر للتجوال في محافظات اللاذقية وطرطوس وحمص، فيما دفعت وزارتا الداخلية والدفاع بتعزيزات عسكرية إلى الساحل. هذه الإجراءات تعكس خطورة الوضع الأمني وحجم التوترات في المنطقة الساحلية التي تعد معقلاً تقليدياً للطائفة العلوية.
وأوضح مدير المرصد السوري لحقوق الإنسان، رامي عبد الرحمن، أن “الاشتباكات بدأت في ريف مدينة جبلة عندما جرت محاولة لاعتقال أحد الأشخاص، فتصدى المدنيون لعناصر الدورية، ثم تدخل مسلحون وأطلقوا الرصاص عليهم، ما أدى إلى مقتل أحد العناصر”. وتشير التقارير إلى أن هذه الاشتباكات مرتبطة بمجموعات مسلحة تابعة لسهيل الحسن، العقيد السابق في الجيش السوري خلال حقبة الأسد والملقب بـ “مجرم الحرب”.
موقف المجلس من قضايا العدالة الانتقالية
أكد المجلس الإسلامي العلوي الأعلى في بيانه موقفاً واضحاً من قضايا العدالة الانتقالية ومسألة المحاسبة لمرتكبي الجرائم خلال حقبة نظام الأسد. وأوضح البيان أن الطائفة العلوية “لا تناصر ظالماً ولا تقف مع أيادٍ تلطخت بالدماء، بل تقف مع الحق والعدل، ومستعدة لمحاسبة أي مجرم اقترف جريمة بحق أبناء شعبنا، ولو كان من أبنائنا”. هذا الموقف يمثل محاولة للتأكيد على أن الطائفة العلوية ليست داعمة بالضرورة للنظام السابق أو لجرائمه.
وفي هذا السياق، نفى المجلس وقوفه مع عناصر النظام السابق المتورطين في جرائم، مؤكداً أنهم يقفون “مع الحق والعدل”، ومستعدون لمحاسبة أي مجرم اقترف جريمة بحق أبناء الشعب السوري، حتى لو كان من أبناء الطائفة العلوية نفسها. هذا الموقف يعكس محاولة للتمييز بين الانتماء الطائفي والمسؤولية السياسية أو الجنائية.
نداء التضامن الموجه للدروز
تضمن بيان المجلس الإسلامي العلوي الأعلى نداءً خاصاً موجهاً إلى شيخ عقل المسلمين الموحدين الدروز، سماحة الشيخ حكمت الهجري، يطلب فيه المساندة ورفع الظلم عن الطائفة العلوية. وجاء في النداء: “إننا نناشدكم الوقوف معنا، فأنتم أهل المروءة والنجدة، والمرجع الوطني الذي نثق به في هذه المحنة، فليكن موقفكم سنداً لنا، ولتُرفع أصواتكم معنا حتى يصل نداؤنا إلى كل صاحب ضمير حي”.
هذا النداء يكتسب أهمية خاصة في ظل التاريخ المشترك للأقليات الدينية في سوريا ومعاناتها المشتركة خلال فترات الصراع. ويعكس النداء أيضاً محاولة لبناء تحالفات بين الطوائف والأقليات التي قد تشعر بالتهديد في ظل التغيرات السياسية الجارية في سوريا، خاصة بعد سقوط نظام الأسد الذي كان يعتبر نفسه حامياً للأقليات.
المخاوف من استهداف طائفي في مرحلة ما بعد الأسد
تعكس مطالبة المجلس بالحماية الدولية مخاوف عميقة لدى الطائفة العلوية من احتمال حدوث استهداف طائفي في مرحلة ما بعد سقوط نظام الأسد. ويبدو أن المجلس ينظر إلى العمليات العسكرية الجارية في الساحل السوري، والتي تتم بحجة ملاحقة “فلول النظام”، على أنها قد تكون غطاءً لاستهداف أوسع للمكون العلوي في سوريا.
وتشير المطالبة بتطبيق الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة، الذي يتيح استخدام القوة لحفظ السلم والأمن الدوليين، إلى حجم المخاوف من تطور الصراع إلى مستوى يهدد وجود الطائفة العلوية نفسها. هذه المخاوف تستند إلى تجارب تاريخية سابقة شهدت فيها المنطقة صراعات طائفية حادة، وإلى الخطاب الطائفي الذي ساد خلال سنوات الحرب الأهلية السورية.
يمثل بيان المجلس الإسلامي العلوي الأعلى تعبيراً عن المخاوف العميقة لدى الطائفة العلوية في سوريا من مستقبل غامض بعد سقوط نظام الأسد الذي حكم البلاد لعقود. ويعكس البيان تخوفاً من أن تؤدي عمليات ملاحقة بقايا النظام إلى استهداف أوسع للمكون العلوي، وهو ما دفع المجلس إلى المطالبة بحماية دولية وفق الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة.
ومع ذلك، فإن المجلس يحاول رسم حدود واضحة بين الانتماء الطائفي والمسؤولية عن الجرائم المرتكبة خلال حكم الأسد، مؤكداً استعداده لمحاسبة المجرمين حتى لو كانوا من أبناء الطائفة العلوية نفسها. كما يسعى إلى بناء تحالفات مع الأقليات الأخرى، وخاصة الدروز، لمواجهة التحديات المشتركة في هذه المرحلة الانتقالية الحرجة من تاريخ سوريا.
تبقى قضية حماية الأقليات وضمان حقوقها في إطار عملية انتقال سياسي تحدياً رئيسياً أمام سوريا الجديدة، وهي قضية تتطلب اهتماماً دولياً ووطنياً لتجنب المزيد من العنف والاستقطاب الطائفي في بلد أنهكته سنوات طويلة من الحرب والصراع.