الولايات المتحدة ترسل قاذفات “بي-52” لتعزيز العمليات العسكرية ضد الحوثيين في اليمن
بتوجيه مباشر من الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، انطلقت قاذفتان استراتيجيتان من طراز “بي-52” من ولاية ألاباما متجهتين نحو الشرق الأوسط للمشاركة في العمليات العسكرية المتصاعدة ضد جماعة الحوثيين في اليمن. يأتي هذا التطور بعد سلسلة من الضربات الجوية الأمريكية التي استهدفت مواقع في صنعاء وصعدة، وتصعيد مستمر للتوترات في المنطقة نتيجة هجمات الحوثيين على الملاحة البحرية في البحر الأحمر.
تصعيد عسكري أمريكي جديد في الشرق الأوسط
أعلنت وزارة الدفاع الأمريكية (البنتاغون) عن إرسال قاذفات استراتيجية من طراز “بي-52” للمشاركة في العمليات العسكرية ضد الحوثيين، في تطور يشير إلى تصعيد محتمل في النهج الأمريكي تجاه الصراع اليمني. وتعتبر هذه الخطوة امتدادًا لسلسلة من الطلعات الجوية الاستراتيجية التي نفذتها الولايات المتحدة فوق الشرق الأوسط خلال الأسابيع الماضية.
وكانت القيادة المركزية الأمريكية قد أعلنت في وقت سابق عن تنفيذ قاذفات “بي-52” لطلعات جوية فوق الشرق الأوسط انطلاقًا من قاعدة فيرفورد الجوية الملكية في المملكة المتحدة، حيث حلقت فوق ست دول حليفة للولايات المتحدة في المنطقة. كما سبق أن نفذت قاذفتان من نفس الطراز طلعة جوية عبر المجال الجوي لتسع دول في المنطقة، رافقتهما طائرات مقاتلة من أربع دول في الشرق الأوسط.
سلسلة الضربات الأمريكية ضد الحوثيين
يأتي إرسال القاذفات “بي-52” بعد أيام فقط من إعلان الرئيس الأمريكي دونالد ترامب عن سلسلة ضربات جوية واسعة استهدفت مواقع تابعة للحوثيين في اليمن. وقد برر ترامب هذه الضربات بأنها رد على هجمات الحوثيين المتكررة على حركة الملاحة في البحر الأحمر.
وكتب ترامب على منصته الاجتماعية “تروث”: “البلطجية الحوثيون، الممولون من إيران، أطلقوا صواريخ على طائرات أمريكية، واستهدفوا قواتنا وحلفاءنا“، مشددًا على أن هذه الأعمال كلفت “مليارات الدولارات” وعرضت الأرواح للخطر.
وبحسب وزارة الصحة التي يسيطر عليها الحوثيون، فقد أسفرت الضربات الجوية الأخيرة عن مقتل تسعة أشخاص على الأقل وإصابة تسعة آخرين. وتستهدف هذه الضربات بشكل رئيسي مدينتي صنعاء، العاصمة اليمنية الخاضعة لسيطرة الحوثيين، وصعدة، المعقل الرئيسي للجماعة في شمال البلاد.
موقف إدارة ترامب من إيران والحوثيين
تتزامن العمليات العسكرية الأمريكية ضد الحوثيين مع مساعي إدارة ترامب للضغط على إيران بشأن برنامجها النووي. وقد صرح مستشار الأمن القومي الأمريكي مايك والتز لشبكة فوكس نيوز أن ترامب “جاد للغاية” بشأن وقف البرنامج النووي الإيراني، مشيرًا إلى أن “جميع الخيارات مطروحة على الطاولة”.
وأضاف والتز أنه إذا كان القادة الإيرانيون يرغبون في التفاوض بشأن تخفيف العقوبات، فيجب عليهم “التخلي عن برنامجهم [لتخصيب اليورانيوم] بالكامل” و”عدم ممارسة الألعاب كما رأينا إيران تفعل في الماضي”. وتعتبر إدارة ترامب جماعة الحوثيين إحدى الأذرع الإقليمية لإيران في المنطقة، وتتهمها بتلقي دعم عسكري ومالي من طهران.
استمرار التهديد الحوثي في البحر الأحمر
رغم الضربات الأمريكية المتكررة، أكدت جماعة الحوثيين عزمها على مواصلة عملياتها الهجومية ضد السفن في البحر الأحمر. وقد صعدت الجماعة من هجماتها على الشحن البحري كرد فعل على العمليات العسكرية الإسرائيلية في غزة، مما تسبب في اضطرابات كبيرة في حركة التجارة العالمية وارتفاع تكاليف الشحن.
وأدت هذه الهجمات إلى تحويل مسار العديد من السفن التجارية لتجنب البحر الأحمر وقناة السويس، مما يضطرها للالتفاف حول القارة الأفريقية، الأمر الذي يزيد من تكلفة وزمن الرحلات البحرية. وتقدر الخسائر الاقتصادية الناجمة عن هذه الاضطرابات بمليارات الدولارات.
الوجود العسكري الأمريكي المتنامي في المنطقة
تأتي عملية إرسال القاذفات “بي-52” بالتزامن مع تغييرات في الانتشار العسكري الأمريكي في المنطقة. فقد تزامنت الطلعات الجوية السابقة للقاذفات الاستراتيجية مع نهاية انتشار حاملة الطائرات “يو إس إس ترومان”، التي كانت متمركزة في مياه الشرق الأوسط خلال الشهرين الماضيين.
وكان الأسطول السادس للبحرية الأمريكية قد أعفى الكابتن ديفيد سنودن، قائد حاملة الطائرات “هاري إس ترومان”، من منصبه بعد حادث اصطدام حاملة الطائرات بسفينة نقل تجارية ضخمة بالقرب من المدخل الشمالي لقناة السويس. ويبدو أن إرسال القاذفات الاستراتيجية يهدف جزئيًا إلى تعويض هذا التغيير في الانتشار البحري الأمريكي.
قدرات قاذفات “بي-52” الاستراتيجية
تعتبر قاذفات “بي-52” من أهم الأسلحة الاستراتيجية في الترسانة الأمريكية، وتتميز بقدرتها على حمل كميات ضخمة من الذخائر والصواريخ، وقطع مسافات طويلة دون الحاجة للتزود بالوقود. ويمكن لهذه القاذفات تنفيذ ضربات دقيقة ضد أهداف متعددة، باستخدام صواريخ موجهة وقنابل ذكية.
وتعد طائرات “بي-52” من أقدم القاذفات الاستراتيجية التي لا تزال في الخدمة، حيث دخلت إلى الخدمة في الخمسينيات من القرن الماضي، لكنها خضعت لعمليات تحديث متواصلة جعلتها تواكب أحدث التطورات التكنولوجية في مجال الطيران العسكري.
ردود الفعل الإقليمية والدولية
أثار التصعيد العسكري الأمريكي ضد الحوثيين ردود فعل متباينة على المستويين الإقليمي والدولي. فبينما رحبت بعض الدول الخليجية بالخطوات الأمريكية لمواجهة تهديدات الحوثيين، عبرت أطراف أخرى عن قلقها من احتمال توسع دائرة الصراع في المنطقة.
وتشير التقديرات إلى أن استمرار العمليات العسكرية الأمريكية ضد الحوثيين قد يؤدي إلى مزيد من التصعيد الإقليمي، خاصة مع تمسك الحوثيين بموقفهم المؤيد للفلسطينيين في غزة، واستمرارهم في استهداف السفن المرتبطة بإسرائيل أو الدول الداعمة لها.
يمثل إرسال قاذفات “بي-52” الأمريكية للمشاركة في العمليات العسكرية ضد الحوثيين تطورًا مهمًا في مسار الصراع اليمني ومؤشرًا على تصعيد محتمل في المواجهة بين الولايات المتحدة والجماعات المدعومة من إيران في المنطقة.
ويأتي هذا التصعيد في ظل استمرار هجمات الحوثيين على الملاحة البحرية في البحر الأحمر، ومساعي إدارة ترامب لمواجهة النفوذ الإيراني في المنطقة. ورغم الضربات الجوية المتكررة، تواصل جماعة الحوثيين تحديها للضغوط الدولية وتمسكها بموقفها المؤيد للفلسطينيين في غزة.
وفي ظل تعقيدات المشهد اليمني والإقليمي، تبقى آفاق الحل السياسي للأزمة اليمنية غامضة، فيما تتصاعد المخاوف من تفاقم الكارثة الإنسانية التي يعاني منها الشعب اليمني. وتبرز الحاجة إلى مقاربة شاملة تجمع بين الجهود الدبلوماسية والإنسانية لمعالجة جذور الصراع وتخفيف معاناة المدنيين.