صربيا.. مئات الآلاف يتظاهرون في بلغراد يطالبون برحيل الرئيس ألكسندر فوسيتش
شهدت العاصمة الصربية بلغراد أكبر احتجاج مناهض للحكومة في تاريخ البلاد، حيث تجمع عشرات الآلاف من المتظاهرين في وسط المدينة يوم السبت الماضي، مطالبين برحيل الرئيس الصربي ألكسندر فوسيتش. وقدرت وزارة الداخلية الصربية عدد المشاركين في الاحتجاجات بنحو 107 آلاف شخص، في مشهد غير مسبوق يعكس تصاعد حدة الغضب الشعبي ضد الحكومة الصربية.
حشود غاضبة تملأ شوارع بلغراد
امتلأت شوارع وسط بلغراد بالمتظاهرين الذين تجمعوا من مختلف أنحاء صربيا، رافعين الأعلام الوطنية وشعارات مناهضة للحكومة. وملأ المتظاهرون، المجهزون بالصافرات وأبواق الفوفوزيلا، الشوارع مرددين هتافات “ارفعوا أصواتكم!”، وهو شعار الاحتجاجات الطلابية المستمرة منذ أشهر، فيما رمزت لافتات كبيرة كُتب عليها “لقد انتهى!” إلى الغضب والإحباط الجماعيين من قيادة فوسيتش.
وأعرب ميلنكو كوفاتشيفيتش، أحد المشاركين في الاحتجاج، عن أمله في أن يُشكّل هذا الاحتجاج نقطة تحول، قائلاً: “أتوقع أن يُزعزع هذا سلطته، وأن يُدرك فوتيشيتش أن الشعب لم يعد يُسانده”.
وقد وصل آلاف الطلاب ليلة الجمعة من مختلف المدن الصربية، سيراً على الأقدام أو بالدراجات، واستقبلهم عشرات الآلاف من الأشخاص، بالهتافات والصافرات ودقات الطبول. وتم تعليق كافة خدمات النقل العام في المدينة قبيل المظاهرات.
إصابات وحوادث خلال الاحتجاجات
أكد الرئيس الصربي ألكسندر فوسيتش أن 56 شخصاً أصيبوا بجروح متفاوتة في الخطورة خلال مظاهرات الطلاب وأنصار المعارضة المناهضة للحكومة. وقال فوسيتش في تصريح لوكالة أنباء تانغوغ الصربية: “تم نقل 44 شخصاً إلى مراكز الإسعاف، و11 شخصاً إلى المركز الطبي السريري في منطقة زفيزدار، وشخصاً واحداً إلى منطقة زيمون، ليصل العدد الإجمالي إلى 56 شخصاً”.
كما تصاعدت حدة التوترات، مع ورود تقارير عن وقوع حوادث عنف، بما في ذلك دهس سيارة عمداً للمتظاهرين في إحدى ضواحي بلغراد، مما أسفر عن إصابة ثلاثة أشخاص. وأكدت وزارة الداخلية الصربية إلقاء القبض على سائق السيارة.
خلفية الاحتجاجات المستمرة منذ أشهر
تأتي هذه المظاهرة الحاشدة بعد أكثر من أربعة أشهر من الاحتجاجات المناهضة للفساد، والتي شكلت أكبر تحدٍ لقبضة فوسيتش على السلطة بعد 13 عاماً من الحكم. وكانت شرارة الاحتجاجات انطلقت في نوفمبر الماضي، عندما أسفر انهيار سقف محطة قطار نوفي ساد، شمال بلغراد، والتي تم تجديدها مؤخراً من قبل شركة صينية، عن مقتل 15 شخصاً.
يعتقد الطلاب أن الحادث ناجم عن الفساد المستشري في البلاد، ويطالبون بإصلاحات من شأنها ضمان حياة أفضل للجميع في صربيا. واتسعت الاحتجاجات لتشمل أكثر من 100 مدينة وبلدة، وتم احتلال أكثر من 60 كلية جامعية، بينما تواصلت الإضرابات والحصارات في المدارس.
فشل محاولات نزع فتيل الاحتجاجات
في محاولة لاحتواء الاحتجاجات، قدم رئيس الوزراء الصربي ميلوش فوسيفيتش استقالته في 28 يناير 2025، بعد يوم واحد من مشاركة أكثر من 100 ألف متظاهر في حصار استمر 24 ساعة للطريق الرئيسي في بلغراد. وقد أعلن استقالته رسمياً رداً على حادثة في نوفي ساد تعرض فيها طلاب للاعتداء من قبل أفراد مرتبطين بالحزب التقدمي الصربي ونجل رئيس الوزراء.
لكن هذه الخطوة فشلت في تهدئة المحتجين، الذين واصلوا مظاهراتهم مطالبين بمحاسبة المسؤولين عن مقتل 15 شخصاً في حادث محطة القطار، والمساءلة عن العنف ضد المتظاهرين.
رد فعل الحكومة واستفزازاتها
تأتي الاحتجاجات في وقت تتزايد فيه التوترات بين الحكومة والمتظاهرين. وقد صرح الرئيس الصربي يوم الجمعة الماضي بأن احتجاج الطلاب وأنصار المعارضة يوم السبت في بلغراد غير مصرح به من قبل السلطات، لكنه دعا الشرطة والأجهزة الحكومية الأخرى إلى ضمان سلامته الكاملة.
كما حذّر فوسيتش مراراً من خطط مزعومة لإثارة الاضطرابات، مهدداً بالاعتقالات وإصدار أحكام قاسية على أي حوادث. وقبل المظاهرة، ألقت الشرطة القبض على 13 شخصاً ليلة الجمعة بتهمة محاولة إثارة حوادث، كما أعلنت الشرطة عن ضبط العشرات من زجاجات المولوتوف والأسلحة في سيارات قرب وسط المدينة.
اتهامات بتقييد الحريات الديمقراطية
يواجه فوسيتش، الذي يهيمن على السياسة الصربية منذ عام 2012، اتهامات بتقييد الحريات الديمقراطية. وقال الشهر الماضي إن الاحتجاجات ممولة من الغرب، مضيفاً: “إذا كانوا يعتقدون أنني (الرئيس السوري المخلوع بشار) الأسد، وأنني سأهرب إلى مكان ما، فلن أقوم بذلك”.
مستقبل غامض وتصعيد محتمل
تمثل هذه المظاهرة الحاشدة تحدياً كبيراً لسلطة فوسيتش، في بلد يسعى للانضمام إلى الاتحاد الأوروبي. وعلى الرغم من محاولات الحكومة لتقليل أهمية الاحتجاجات واحتوائها، يبدو أن الغضب الشعبي آخذ في التصاعد، مع استمرار الطلاب والمعارضة في تنظيم الاحتجاجات ورفض التنازل عن مطالبهم.
ومع اتساع نطاق المشاركة في الاحتجاجات وتزايد حدة المواجهة بين الطرفين، تبقى التساؤلات مفتوحة حول مستقبل السلطة في صربيا، وما إذا كان فوسيتش سيستجيب للمطالب الشعبية أم سيلجأ إلى مزيد من القمع في محاولة للحفاظ على حكمه.