تفاصيل الإغلاق ووقف المساعدات الغذائية
أكد برنامج الأغذية العالمي في بيانه الأخير أنه “لم يدخل أي طعام إلى غزة منذ 2 مارس وجميع المعابر الحدودية لا تزال مغلقة”. وأوضح البرنامج أن هذا الإغلاق جاء بعد انتهاء المرحلة الأولى من اتفاق وقف النار في مطلع الشهر الجاري، حيث أغلقت إسرائيل مجددًا جميع المعابر المؤدية إلى القطاع، مما أدى إلى وقف تدفق المساعدات الإنسانية بشكل كامل.
وناشد برنامج الأغذية العالمي في بيانه “كل الأطراف إعطاء الأولوية للاحتياجات الإنسانية والسماح بدخول المساعدات إلى غزة”. هذه الدعوة تأتي في ظل تدهور سريع للأوضاع الإنسانية في مختلف أنحاء القطاع، حيث بات سكان غزة يواجهون تحديات غير مسبوقة في تأمين احتياجاتهم الأساسية من الغذاء والدواء.
دعت المنظمة الدولية إلى ضرورة الاستجابة العاجلة لمنع تفاقم الكارثة الإنسانية، مشددة على أن الأمن الغذائي لسكان غزة يتدهور بشكل متسارع مع كل يوم يمر دون السماح بدخول المساعدات الغذائية.
ارتفاع حاد في أسعار المواد الغذائية يفاقم الأزمة
كشفت البيانات الواردة من برنامج الأغذية العالمي عن ارتفاع غير مسبوق في أسعار المواد الغذائية الأساسية في غزة، حيث زادت أسعار بعض السلع الضرورية مثل الطحين والسكر والخضروات بنسبة تزيد عن 200%. وأشار البرنامج إلى أن التجار بدأوا في حجب البضائع بسبب عدم اليقين بشأن موعد وصول الإمدادات الجديدة.
هذا الارتفاع الحاد في الأسعار يأتي في ظل نقص حاد في المعروض من السلع، وانهيار شبه كامل للاقتصاد المحلي، مما يجعل الغذاء بعيدًا عن متناول شريحة واسعة من السكان حتى في حال توفره. وتشير التقديرات إلى أن الأسر في غزة باتت تنفق الجزء الأكبر من دخلها المحدود على شراء كميات قليلة من الطعام، مما يزيد من صعوبة تلبية الاحتياجات الأساسية الأخرى.
جهود إغاثية مستمرة رغم التحديات الهائلة
رغم الإغلاق الكامل للمعابر، يواصل برنامج الأغذية العالمي جهوده لتقديم المساعدات للسكان المتضررين من خلال المخزون المتبقي لديه. وأشارت المعلومات إلى أن البرنامج لديه حاليًا مخزون غذائي يكفي لدعم المطابخ والمخابز العاملة لمدة تصل إلى شهر، بالإضافة إلى طرود غذائية تحتوي على أطعمة جاهزة للأكل تكفي لـ 550,000 شخص لمدة أسبوعين.
ويدعم البرنامج حاليًا 33 مطبخًا في مختلف أنحاء غزة، توفر نحو 180,000 وجبة ساخنة يوميًا، إضافة إلى دعمه لـ 25 مخبزًا. غير أن ستة من هذه المخابز اضطرت للإغلاق في الثامن من مارس الجاري بسبب نقص غاز الطهي.
هذا الوضع ينذر بتراجع قدرة البرنامج على توفير الغذاء لعدد متزايد من المحتاجين مع استمرار إغلاق المعابر. وأكد برنامج الأغذية العالمي أنه يمتلك نحو 63,000 طن متري من المواد الغذائية المخصصة لغزة، مخزنة في المنطقة أو في طريقها إلى الوصول إليها. وهو ما يعادل حصصًا تكفي من شهرين إلى ثلاثة أشهر لحوالي 1.1 مليون شخص، لكنها تنتظر التصاريح اللازمة لدخول غزة.
المكاسب السابقة في الأمن الغذائي مهددة بالضياع
خلال فترة الهدنة التي استمرت 42 يومًا والتي بدأت في 19 يناير/كانون الثاني، تمكن برنامج الأغذية العالمي من إيصال أكثر من 40,000 طن متري من المواد الغذائية إلى غزة، وقدم مساعدات منقذة للحياة لنحو 1.3 مليون شخص. كما قدم البرنامج أكثر من 6.8 مليون دولار أمريكي كمساعدات نقدية إلكترونية لدعم 135,000 شخص، مما ساعد الأسر على شراء احتياجاتها الأساسية.
لكن مع إغلاق المعابر مجددًا، باتت هذه المكاسب مهددة بالضياع، وعاد شبح المجاعة ليخيم من جديد على قطاع غزة. وقد اضطر البرنامج إلى تقليل كميات الطرود الغذائية الجاهزة للأكل التي يتم توزيعها للأسر لضمان استمرار الإمدادات والوصول إلى المزيد من المحتاجين.
جهود دبلوماسية متعثرة لوقف إطلاق النار
تأتي أزمة الغذاء المتفاقمة في ظل تعثر الجهود الدبلوماسية لتمديد وقف إطلاق النار في غزة. وقد فشلت المحادثات الأخيرة في التوصل إلى اتفاق، حيث اتهمت الولايات المتحدة حركة حماس بتقديم مطالب “غير عملية على الإطلاق”.
من جانبها، اقترحت الولايات المتحدة تمديد المرحلة الأولى من اتفاق وقف إطلاق النار حتى منتصف أبريل، بما في ذلك تبادل إضافي للرهائن المحتجزين لدى حماس والأسرى الفلسطينيين المحتجزين لدى إسرائيل.
وقال مكتب رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، يوم السبت، إن إسرائيل مستعدة لمواصلة المفاوضات مع حماس بشأن تمديد وقف إطلاق النار في غزة. وأفاد المكتب بأن القرار جاء ردًا على ما سمعته إسرائيل من وسطاء بشأن مقترحات أمريكية بالإفراج عن 11 رهينة إسرائيلية على قيد الحياة، وجثث نصف الرهائن المتوفين.
مخاوف متزايدة بشأن الأمن الغذائي في الضفة الغربية
وفي تطور مرتبط، أعرب برنامج الأغذية العالمي عن قلقه المتزايد بشأن تصاعد انعدام الأمن الغذائي في الضفة الغربية أيضًا. وتشير المعلومات إلى أن الوضع في الضفة الغربية آخذ في التدهور مع استمرار النزاع وتشديد القيود على الحركة والتنقل.
الأزمة الغذائية في غزة تلقي بظلالها على الضفة الغربية، مع تزايد الضغوط الاقتصادية والاجتماعية على السكان هناك أيضًا. وتحذر منظمات إغاثية من أن استمرار الوضع على ما هو عليه قد يؤدي إلى تفاقم الأزمة الإنسانية في المنطقة بأكملها.
تداعيات مستقبلية وتحذيرات من انهيار الوضع الإنساني
يحذر خبراء الإغاثة والمنظمات الدولية من أن استمرار إغلاق المعابر سيؤدي إلى انهيار كامل للوضع الإنساني في غزة خلال الأسابيع القليلة المقبلة. ويؤكدون أن المخزون الحالي من الغذاء والوقود والإمدادات الطبية سينفد قريبًا، مما سيؤدي إلى تفاقم الأزمة الإنسانية بشكل غير مسبوق.
الأطفال هم الفئة الأكثر تضررًا من نقص الغذاء، حيث تؤكد تقارير طبية انتشار حالات سوء التغذية الحاد بين الأطفال في مختلف أنحاء القطاع. وبحسب تقديرات منظمات دولية، فإن استمرار إغلاق المعابر سيؤدي إلى تفاقم الوضع الصحي والتغذوي للأطفال والنساء الحوامل وكبار السن وأصحاب الأمراض المزمنة.
وفي ظل هذه الظروف، تتواصل الجهود الدبلوماسية والإنسانية للضغط من أجل فتح المعابر وإدخال المساعدات، لكن الآفاق لا تزال غير واضحة مع استمرار الصراع واستعصاء الحلول السياسية. وتبقى حياة مئات الآلاف من المدنيين معلقة في انتظار تحرك المجتمع الدولي للضغط من أجل فتح المعابر وإنهاء الحصار المفروض على قطاع غزة.