انشقاق جديد داخل “الحركة الشعبية لتحرير السودان – التيار الثوري الديمقراطي” وتأسيس كيان جديد
في تطور سياسي بارز على الساحة السودانية، شهدت “الحركة الشعبية لتحرير السودان – التيار الثوري الديمقراطي” بقيادة ياسر عرمان انقساماً جديداً، حيث أعلنت مجموعة من قياداتها البارزة انشقاقها وتأسيس كيان جديد يحمل الاسم نفسه. ويأتي هذا الانشقاق في سياق سلسلة من التصدعات والانقسامات التي عانت منها الحركة الشعبية على مدى السنوات الماضية، مما يعكس حالة عدم الاستقرار التنظيمي والخلافات الفكرية والسياسية العميقة داخل أحد أبرز التنظيمات السياسية السودانية.
خلفية تاريخية لتأسيس “التيار الثوري الديمقراطي”
تأسس “التيار الثوري الديمقراطي” بقيادة ياسر سعيد عرمان في أغسطس 2022، عندما أعلنت مجموعة من قيادات الحركة الشعبية لتحرير السودان عن ميلاد كيان جديد تحت هذا المسمى. وكان هذا الإعلان نتيجة للانقسام الذي وقع بين ياسر عرمان ومالك عقار، رئيس الحركة الشعبية آنذاك. شارك في تأسيس التيار آنذاك 33 عضواً من المجلس القيادي القومي والسكرتارية العامة وقيادات ورؤساء الحركة بالولايات وتنظيمات المهجر وطلاب الحركة ونساء السودان الجديد.
وقد اتفق عرمان وعقار في ذلك الوقت على الافتراق بصورة ودية بسبب تباين المواقف حيال العديد من القضايا السياسية الراهنة، خاصة فيما يتعلق بإجراءات 25 أكتوبر 2021. كان عقار يؤيد تلك الإجراءات ويتمسك بمنصبه في مجلس السيادة، بينما رأى عرمان أن ما حدث كان انقلاباً عسكرياً، وقرر العمل ضمن تحالف المعارضة “قوى إعلان الحرية والتغيير” لإسقاطه.
سلسلة الانشقاقات في تاريخ الحركة الشعبية
تعد الحركة الشعبية لتحرير السودان من أعرق الحركات السياسية السودانية، لكنها عانت من انقسامات متعددة على مر السنين. ففي عام 2017، انشقت الحركة إلى جناحين: جناح عبدالعزيز الحلو وجناح مالك عقار. ثم في عام 2022، انشق جناح عقار نفسه حين خرج نائبه ياسر عرمان مكوناً “الحركة الشعبية لتحرير السودان – التيار الثوري الديمقراطي”.
يأتي الانشقاق الجديد المعلن مؤخراً في فبراير 2025 ليضيف حلقة جديدة إلى سلسلة الانقسامات المتتالية، حيث أعلنت مجموعة من قيادات “الحركة الشعبية لتحرير السودان – التيار الثوري الديمقراطي” بقيادة ياسر عرمان عن انشقاقها وتشكيل كيان جديد يحمل الاسم نفسه.
أسباب الانشقاق الجديد
تشير المعلومات المتوفرة إلى أن أسباب الانشقاق الجديد تتمحور حول ما وصفه المنشقون بـ “غياب المؤسسية” واتخاذ قرارات فردية في قضايا مصيرية دون الرجوع للمكتب القيادي ومؤسسات الحركة. وقد جاء في بيان المنشقين تأكيدهم على “عدم موافقتهم ورفضهم التام للمواقف التي اتخذها بعض أعضاء قيادة الحركة خلال الفترة السابقة في ما يخص القضايا الكبرى”.
من بين القضايا التي أثارت الخلاف:
- قضية نزع الشرعية من حكومة الانقلابيين
- قضية الخروج من الجبهة الثورية
- الخروج من تحالف “تقدم” والدخول في تحالف جديد يُعرف باسم “صمود”
وقد أشار البيان إلى أن هذه القرارات اتُخذت بصورة فردية ودون الرجوع إلى المكتب القيادي ومؤسسات الحركة، وهو ما اعتبروه مخالفاً للدستور ولمبادئ العمل المؤسسي.
خلفية الخلافات الحالية
تأتي هذه الخلافات في ظل ظروف استثنائية تمر بها البلاد، حيث يعاني السودان من حرب أهلية ومخاطر تهدد وحدته وأمنه. وقد عبر المنشقون عن قلقهم من أن السياسات الفردية تزيد من تعقيد الموقف، خاصة في ظل “الكارثة الإنسانية” الناتجة عن الحرب و”مخططات تقسيم ما تبقى من السودان”.
أكد المنشقون أن الصمت أو التهاون مع ما وصفوه بـ”التجاوزات الخطيرة والممارسات الفردية غير المؤسسية وغير الدستورية” في ظل هذه الظروف الحرجة يعد “جريمة لا تغتفر”.
موقف الحركة من الصراع الحالي في السودان
كانت الحركة الشعبية لتحرير السودان بجناح ياسر عرمان قد أعلنت عند تأسيسها في 2022 أنها تتبنى رؤية تقوم على “الانحياز دون تردد للشارع وقوى الثورة المدنية والسياسية في مواجهة الانقلاب حتى اسقاطه وإعادة الحكم المدني الديمقراطي”.
وفي بيانها التأسيسي، اتهمت الحركة تياراً آخر داخل الحركة الشعبية بأنه “يرى أن تنفيذ اتفاقية السلام يتطلب التحالف مع الانقلابيين والاستمرار في دعمهم”، في إشارة إلى جناح مالك عقار.
التداعيات المحتملة للانشقاق
يمكن أن يؤدي هذا الانشقاق الجديد إلى مزيد من تشتت القوى السياسية السودانية، مما يضعف الجهود الرامية إلى التوصل إلى حل سياسي للأزمة التي تمر بها البلاد. كما أنه يعكس حالة الاستقطاب الشديد في المشهد السياسي السوداني، والذي يؤثر سلباً على إمكانية بناء توافق وطني.
من جهة أخرى، قد يؤدي هذا الانشقاق إلى إعادة تموضع القوى السياسية وتشكيل تحالفات جديدة، خاصة في ظل الصراع المسلح الدائر بين القوات المسلحة وقوات الدعم السريع منذ أبريل 2023.
مستقبل الحركة
يشير هذا الانشقاق الجديد داخل “الحركة الشعبية لتحرير السودان – التيار الثوري الديمقراطي” إلى استمرار أزمة الهياكل التنظيمية والقيادية في الحركات السياسية السودانية. ويضاف هذا الانشقاق إلى سلسلة طويلة من الانقسامات التي عانت منها الحركة الشعبية، بدءاً من انشقاقها إلى جناحين في 2017، مروراً بانفصال ياسر عرمان عن مالك عقار في 2022، وصولاً إلى الانشقاق الحالي داخل تيار عرمان نفسه.
وفي ظل تعقد المشهد السياسي السوداني وتشابك الصراعات، تبقى التساؤلات مطروحة حول مستقبل هذه التنظيمات السياسية وقدرتها على تجاوز الخلافات الداخلية والمساهمة في إيجاد حلول للأزمات المتلاحقة التي يعاني منها السودان.