المغرب: تظاهرات حاشدة ترفع شعار “الشعب يريد إسقاط التطبيع” تضامنًا مع غزة
شهدت مختلف المدن المغربية يوم الثلاثاء 18 مارس 2025 تظاهرات حاشدة غير مسبوقة عمت أنحاء المملكة، حيث خرج الآلاف من المواطنين المغاربة احتجاجًا على العدوان الإسرائيلي المتجدد على قطاع غزة، والذي أسفر عن استشهاد ما يناهز 420 شخصًا وإصابة قرابة 530 آخرين، بينهم أطفال ونساء. رفع المتظاهرون شعارات تندد بالتطبيع مع الكيان الصهيوني وتطالب بإسقاطه، في تأكيد على استمرار الرفض الشعبي المغربي لاتفاقيات التطبيع التي وقعتها الرباط مع تل أبيب في ديسمبر 2020، والتي يعتبرها الشارع المغربي “خيانة للقضية الفلسطينية”.
خريطة الاحتجاجات الشعبية
توزعت المظاهرات على عشرات المدن المغربية بشكل متزامن، حيث شهدت العاصمة الرباط وقفة مركزية أمام مبنى البرلمان، بينما خرجت مسيرتان حاشدتان في مدينة الدار البيضاء بكل من حي سيدي مومن وحي الألفة. كما عمت الاحتجاجات مدن طنجة، مراكش، الجديدة، تطوان، شفشاون، أكادير، فاس، العرائش، المضيق، وجدة، مكناس، أزرو، بني ملال، تاوريرت، تازة، الناظور، والقنيطرة.
وامتدت الموجة الاحتجاجية لتشمل مدنًا أخرى مثل سطات، برشيد، أزمور، الصويرة، جرسيف، بني تجيت، سيدي بنور وخريبكة، استجابة لنداءات عدة هيئات منها الجبهة المغربية لدعم فلسطين ومناهضة التطبيع، والهيئة المغربية لنصرة قضايا الأمة، والمبادرة المغربية للدعم والنصرة.
وشارك في الوقفات الاحتجاجية مواطنون من مختلف الأعمار، نساء ورجالًا، حاملين الأعلام الفلسطينية والكوفيات، مرددين شعارات مثل “فلسطين أمانة والتطبيع خيانة” و”الشعب يريد إسقاط التطبيع”. وفي مدينة طنجة، أقدم محتجون على إحراق العلم الأمريكي، احتجاجًا على دعم واشنطن للعدوان الإسرائيلي.
شعارات موحدة ومطالب واضحة
توحدت الهتافات في مختلف الفعاليات التضامنية حول مطلب رئيسي: “الشعب يريد إسقاط التطبيع”، إذ استنكر المتظاهرون استمرار التعامل مع الاحتلال بالنظر لجرائمه المستمرة بحق الشعب الفلسطيني. كما رددوا هتافات تضامنية مع غزة، مثل “يا غزة مانسيناك شعب المغرب كل معاك”، وأخرى مدينة للولايات المتحدة الأمريكية من قبيل “إدانة شعبية لأمريكا الإرهابية”.
وأبرز المحتجون أن التطبيع ليس فقط تطبيعًا سياسيًا، بل خطوة تساهم في تمكين الكيان الصهيوني من فرض المزيد من سياساته القمعية على الفلسطينيين ويضع المغرب في موقف متعارض مع القيم والمبادئ التي يؤمن بها الشعب المغربي.
خلفية الاحتجاجات: تجدد العدوان على غزة
جاءت هذه التظاهرات بعد تجدد العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة، الثلاثاء 18 مارس 2025، مما أثار استياءً مغربيًا شعبيًا واسعًا. وقد ارتفعت حصيلة ضحايا الغارات الإسرائيلية منذ صباح ذلك اليوم إلى 419 شهيدًا، و528 مصابًا معظمهم من الأطفال، وفقًا لوزارة الصحة الفلسطينية في القطاع.
وقد حمّلت حركة المقاومة الإسلامية -حماس- واشنطن “المسؤولية الكاملة عن المجازر” في قطاع غزة، بسبب دعمها العسكري والسياسي لإسرائيل.
الأحزاب والهيئات المغربية: موقف موحد ضد التطبيع
منذ بداية العدوان الإسرائيلي على غزة، تصاعدت المواقف الرافضة للتطبيع من قبل مختلف الأحزاب والهيئات المغربية. حيث أكد المرصد المغربي لمناهضة التطبيع، في منشور على صفحته الرسمية، أنه مثلما سقط العدوان الصهيوني على قطاع غزة سيسقط التطبيع في المغرب، مطالبًا النظام المغربي بالاستجابة لنبض الشارع والتعجيل بإلغاء اتفاقيات التطبيع مع الكيان الصهيوني.
من جهته، جدد حزب العدالة والتنمية في بيان رفضه المطلق لكل أشكال التطبيع، مطالبًا بـ”قطع كل العلاقات وإلغاء كل الاتفاقيات مع الكيان الصهيوني”. ودعا الحزب إلى “مواصلة مواجهة الاختراق الصهيوني الخطير الذي يهدد النسيج الوطني والثقافي والتربوي والجامعي والاقتصادي”.
كما طالبت الجبهة المغربية لدعم فلسطين ومناهضة التطبيع، التي تضم عشرات الهيئات والمنظمات، النظام المغربي بالاستجابة إلى مطالب الشعب المغربي وإلغاء كل الاتفاقيات مع الكيان الصهيوني، مؤكدة أن “التطبيع وصمة عار على جبين المملكة”.
انتصار المقاومة يزيد من قوة المطالب الشعبية
يرى مراقبون أن صمود الشعب الفلسطيني وإجبار الاحتلال الصهيوني على توقيع اتفاق وقف إطلاق النار في وقت سابق، أجج مطالب الشعب المغربي بإسقاط التطبيع وفك الارتباط بالكيان الصهيوني. وقد أدى ذلك إلى تنامي الاحتجاجات الشعبية وإصدار بيانات متتالية من مختلف الأحزاب والهيئات التي تشدد على ضرورة إلغاء جميع اتفاقيات التطبيع التي أبرمت في ديسمبر 2020.
دور الطلبة في رفض التطبيع
يلعب الاتحاد الوطني لطلبة المغرب، الذي يعد أكبر فصيل طلابي بالمملكة، دورًا بارزًا في رفض التطبيع، حيث أفاد بأنه شارك وحده في تنظيم أكثر من 400 مظاهرة بنحو 40 مؤسسة جامعية خلال الفترة الأخيرة. وقد ساهمت هذه الفعاليات في ترسيخ رفض التطبيع مع الكيان الصهيوني في عقول ووجدان شريحة طلاب الجامعات.
وقد عبر الاتحاد عن رفضه القاطع لأي شكل من أشكال التطبيع، خاصة في المجال الأكاديمي، معتبرًا محاولات التطبيع في بعض الجامعات المغربية “جريمة تاريخية”.
قمع المناهضين للتطبيع
رغم الحراك الشعبي المناهض للتطبيع، إلا أن النظام المغربي لا يزال مستمرًا في نهجه التطبيعي مع الاحتلال، مع قمع كل من يرفض إقامة علاقات مع الكيان الصهيوني. حيث قضت محكمة مغربية في وقت سابق بحكم يقضي بالسجن لمدة ستة أشهر مع وقف التنفيذ على 13 ناشطًا مغربيًا مناهضًا للتطبيع، إثر مشاركتهم في مظاهرة مناهضة للتطبيع.
وأدانت الجبهة المغربية لدعم فلسطين ومناهضة التطبيع ما وصفته بالمحاكمات الصورية بحق مناهضي التطبيع، معربة عن تضامنها الكامل معهم ومعتبرة هذه المحاكمات سياسية تروم تجريم مناهضة التطبيع، في الوقت الذي كان يجب فيه تجريم التطبيع الذي يمس بموقف الشعب المغربي منه، ويمس في الجوهر بالسيادة المغربية.
استمرار الرفض الشعبي
يستمر الرفض الشعبي في المغرب للتطبيع مع الكيان الصهيوني بقوة، حيث يرى المواطنون المغاربة أن هذا التقارب لا يعكس موقفهم الراسخ في دعم الشعب الفلسطيني، بل يمثل تفريطًا في قضية تعد رمزًا للكرامة والمبادئ العربية والإسلامية.
ووسط هذا الغضب المتصاعد، تتوالى الدعوات من مختلف التيارات السياسية والمدنية داخل المغرب لمراجعة السياسة التطبيعية والعودة إلى موقف يعكس إرادة الشعب الرافضة لهذا التقارب.
تعكس التظاهرات الحاشدة التي شهدتها المدن المغربية تضامنًا مع غزة ورفضًا للتطبيع حالة السخط الشعبي المتنامي ضد استمرار العلاقات مع الكيان الصهيوني في ظل جرائمه المتواصلة ضد الشعب الفلسطيني. ورغم استمرار النظام المغربي في نهجه التطبيعي، إلا أن المظاهرات والاحتجاجات الشعبية تؤكد أن الشارع المغربي لا يزال متمسكًا بمبادئه الداعمة للقضية الفلسطينية والرافضة للتطبيع مع كيان يمارس القتل والإبادة.
ومع تجدد العدوان الإسرائيلي على غزة، من المتوقع أن تستمر وتتصاعد موجة الاحتجاجات الشعبية المغربية المطالبة بإسقاط التطبيع، وهو ما قد يضع المزيد من الضغوط على صناع القرار في الرباط لإعادة النظر في علاقاتهم مع تل أبيب.