التضليل الإلكتروني والتعتيم على مجازر الساحل السوري
تشير التقارير والأدلة المتزايدة إلى وجود جهود منظمة للتعتيم على حقيقة المجازر المروعة التي شهدها الساحل السوري منذ السادس من مارس 2025، من خلال حملات تضليل إلكتروني منسقة تهدف إلى طمس حقائق الإبادة الجماعية والتطهير الطائفي التي تعرض لها المدنيون العلويون.
توثيق مجازر الساحل السوري
وثقت مصادر حقوقية مستقلة مقتل 1383 مدنياً على الأقل، غالبيتهم العظمى من العلويين، جراء أعمال العنف التي شهدتها منطقة الساحل في غرب سوريا اعتباراً من السادس من مارس. وأشار المرصد السوري لحقوق الإنسان إلى أن هؤلاء قتلوا في “عمليات إعدام على يد قوات الأمن ومجموعات رديفة لها”، وأن هذه العمليات تركزت “يومي 7 و8 مارس”.
وقد بدأت أعمال العنف تتصاعد في منطقة الساحل السوري التي يقطنها عدد كبير من العلويين عندما قالت الحكومة السورية إن قواتها تعرضت لهجوم من قبل “فلول” نظام الرئيس المخلوع بشار الأسد. وتدفقت قوات الأمن إلى المنطقة بذريعة إخماد التمرد، لكن التقارير الميدانية كشفت عن حقيقة مختلفة تماماً.
مجزرة الصنوبر: شهادات وأدلة
في تحقيق موسع أجرته شبكة CNN، تم تسليط الضوء على أحداث قرية الصنوبر، وهي بلدة يقطنها آلاف من أبناء الأقلية العلوية في محافظة اللاذقية السورية. وكشفت الشبكة أن مقاتلين موالين للحكومة أخضعوا سكاناً عزّلاً في الغالب لعمليات إعدام ميداني ونهب وحرق متعمد وشتائم طائفية، حيث تكدّست الجثث في مقبرتين جماعيتين.
وأحصت شبكة CNN ما لا يقل عن 84 جثة في مقاطع فيديو محددة جغرافياً في قرية الصنوبر، فيما قال سكان محليون إنهم أحصوا أكثر من 200 قتيل، غالبيتهم العظمى من الذكور. وقد أوضحت مصادر محلية من بلدة تعنينا التابعة لمدينة طرطوس السورية أن ما حدث في الساحل عبارة عن “تطهير عرقي ممنهج” بحق المدنيين بحجة كونهم من فلول النظام السابق.
استراتيجيات التضليل الإلكتروني للتعتيم على المجازر
كشف مصدر مطلع للمرصد السوري لحقوق الإنسان عن تورط فرق أمن سيبراني مقيمة في دولة عربية في عملية منهجية لتزوير وقائع مجزرة الساحل السوري، وذلك عبر شن حملات منسقة لتعطيل ردود الفعل الدولية وطمس أدلة الإبادة الجماعية التي وقعت في مدن الساحل السوري.
تكتيكات الحملة السيبرانية:
- بثّ روايات متناقضة حول هوية منفذي المجزرة، مما شوّش على الإعلام العالمي وأعاق تحديد المسؤولين الحقيقيين عن المجزرة.
- شنّ الهجمات الإلكترونية بشكل منظم على الحسابات التي نشرت وثائق وشهادات تثبت وقوع الجريمة، حيث تم اختراق الحسابات وتهديد أصحابها.
- تصعيد الجدل حول الهويات الدينية، بهدف تحويل الأنظار عن فظاعة المجزرة نحو صراعات جانبية، ما خلق مزيداً من الانقسام الداخلي.
كما أشار المصدر إلى أن هذه العمليات لم تكن مجرد مبادرات فردية، بل كان هناك تعاون مباشر بين هذه الفرق السيبرانية والسلطات السورية التي وفّرت لها دعماً لوجستياً وتمويلياً. هذا التحالف سمح للسلطة بتزوير الحقائق في الفضاء الرقمي، تماماً كما تفعل في الإعلام التقليدي.
تأثيرات الحملة السيبرانية
حققت هذه الحملات السيبرانية أهدافها بشكل مقلق، حيث تأخرت الاستجابة الدولية على خلفية عدة عوامل، منها:
- التشكيك في مصداقية الروايات حول المجزرة.
- تشويه الأرشيف الرقمي: خلط الأدلة الحقيقية بالأدلة المزيفة، مما عرقل جهود التوثيق والمحاسبة.
- إعادة كتابة السردية: الترويج لرواية تبرئ السلطة وتحمل المسؤولية لأطراف غامضة مثل “فلول النظام”، بدلاً من محاسبة المسؤولين الفعليين عن المجزرة.
توثيق المجزرة والمطالب العاجلة
تصدى المرصد السوري لحقوق الإنسان لهذه الحملات عبر توثيق المجزرة بدقة، حيث وثّق 1557 حالة إعدام ميداني بحق مدنيين عُزّل من الطائفة العلوية في 7 آذار/مارس 2024. كما جمع المرصد فيديوهات وتسجيلات تظهر تورط عناصر أمنية في المجازر التي ارتُكبت في مدن الساحل مثل بانياس وريف اللاذقية.
طالب المرصد المجتمع الدولي والسلطات السورية بـ:
- إجراء تحقيق دولي مستقل بإشراف خبراء مختصين للكشف عن جرائم الإبادة الجماعية.
- استبعاد لجنة التحقيق الحالية التي تضم أعضاء أنكروا المجازر أو برّروا انتهاكات سابقة.
- محاسبة الجناة قبل أن يصبح الإفلات من العقاب إشارة خضراء لارتكاب جرائم جديدة.
- حماية السلم الأهلي، في ظل استمرار العنف الطائفي الممنهج الذي يهدد مناطق ذات غالبية علوية.
وأكد المرصد على استمرار توثيق الانتهاكات منذ سقوط النظام السابق، مروراً بيوم آذار/مارس 2024، وصولاً إلى اللحظة الراهنة. وأشار إلى أن الحقيقة لن تُدفن تحت ركام التضليل والتزييف، مُؤكداً أن العمل على كشف هذه الجرائم مستمر وأن العدالة ستتحقق في النهاية.