فضيحة “سيغنال”: قاضٍ أمريكي ينظر في أمر قضائي للاحتفاظ برسائل خطط هجوم اليمن
تتصاعد الأزمة السياسية والقانونية حول تسريب خطط عسكرية أمريكية حساسة عبر تطبيق المراسلة المشفر “سيغنال”، حيث من المقرر أن ينظر قاضٍ فيدرالي أمريكي في دعوى قضائية تسعى لإلزام إدارة الرئيس دونالد ترمب بالاحتفاظ برسائل سيغنال التي تضمنت خططاً لعمليات عسكرية ضد الحوثيين في اليمن. تأتي هذه التطورات وسط اتهامات متبادلة بين أعضاء الإدارة الأمريكية حول المسؤول عن هذا التسريب الذي أثار مخاوف أمنية كبيرة وتساؤلات حول أمن المعلومات الحساسة.
تفاصيل الأزمة: كيف وصلت خطط عسكرية سرية إلى صحفي؟
تعود الأزمة إلى منتصف شهر مارس 2025، عندما تم إضافة رئيس تحرير مجلة “ذا أتلانتيك”، جيفري جولدبرغ، عن طريق الخطأ إلى مجموعة دردشة على تطبيق “سيغنال” بعنوان “مجموعة الحوثيين الصغيرة”. وقد ضمت هذه المجموعة 18 شخصية بارزة من كبار مسؤولي إدارة ترمب، بينهم نائب الرئيس جي دي فانس، ووزير الدفاع بيت هيجسيث، ووزير الخارجية ماركو روبيو، ومدير وكالة الاستخبارات المركزية جون راتكليف، ومسؤولين آخرين في مجلس الأمن القومي.
وبحسب ما كشفه جولدبرغ في مقال نشره في مجلته بعنوان “إدارة ترمب أرسلت لي عن طريق الخطأ خططها الحربية“، فإن وزير الدفاع بيت هيجسيث قام بمشاركة معلومات تفصيلية عن الهجوم المخطط ضد الحوثيين، بما في ذلك الموعد الدقيق لإقلاع الطائرات المقاتلة الأمريكية والأهداف والأسلحة التي ستستخدم وتسلسل الهجمات. وتأكدت صحة هذه المعلومات لاحقاً، حيث وقعت الضربات الجوية في الموعد الذي حدده هيجسيث في رسائله.
أكد البيت الأبيض أن سلسلة الرسائل أصلية، لكنه أصر على أنه لم تتم مشاركة أي معلومات سرية على تطبيق سيغنال. ووصفت المتحدثة باسم البيت الأبيض كارولين ليفيت التطبيق بأنه “تطبيق معتمد يتم تحميله على الهواتف الحكومية في وزارة الدفاع (البنتاغون) ووزارة الخارجية ووكالة المخابرات المركزية الأمريكية”. ومع ذلك، فإن مشاركة خطط عسكرية حساسة عبر تطبيق للمراسلة التجارية أثار تساؤلات جدية حول الالتزام ببروتوكولات الأمن القومي.
تداعيات الفضيحة وتصريحات ترمب
أثار الكشف عن هذه الفضيحة ردود فعل غاضبة في واشنطن، خاصة من جانب الديمقراطيين الذين دعوا إلى إقالة أعضاء فريق الأمن القومي بسبب هذه التسريبات. وسط هذه الأزمة، صرح الرئيس دونالد ترمب بأن مستشاره للأمن القومي مايك والتز هو المسؤول عن تسريب خطط الهجوم الأمريكية على الحوثيين، ونأى بنفسه عن تداعيات هذا الجدل.
وقال ترمب للصحفيين في المكتب البيضاوي: “أعتقد أنه مايك، دائماً ما ظننت أنه هو”. وأضاف متسائلاً عن وزير الدفاع: “كيف يُقحم هيجسيث في الأمر؟ لا علاقة له به”. هذه التصريحات تظهر وجود انقسامات داخل الإدارة الأمريكية حول المسؤولية عن هذا الخرق الأمني الخطير.
الدعوى القضائية والقاضي بواسبرغ
في خطوة لاحقة، رفعت مجموعة مراقبة حكومية ذات ميول ليبرالية تدعى “أمريكان أفرسايت” (الرقابة الأمريكية) دعوى قضائية تتهم فيها مسؤولي إدارة ترمب بانتهاك قانون السجلات الفيدرالية. تجادل المجموعة بأن المسؤولين لم يتخذوا التدابير اللازمة التي تمنع الحذف التلقائي للرسائل في دردشة سيغنال، مما يشكل انتهاكاً لواجباتهم القانونية.
تم تكليف قاضي المحكمة الجزئية الأمريكية جيمس بواسبرغ في واشنطن بالنظر في هذه الدعوى القضائية. والملفت أن هذا القاضي هو نفسه الذي قال الرئيس ترمب إنه ينبغي مساءلته أمام الكونغرس بهدف عزله، لأنه منع الرئيس من استخدام سلطات خاصة بوقت الحرب في ترحيل مهاجرين فنزويليين.
وتسعى الدعوى إلى استصدار أمر قضائي يعلن أن أفعال مسؤولي الإدارة غير قانونية، وأمر آخر يلزمهم بالحفاظ على السجلات واستعادة أي مواد محذوفة قدر الإمكان. كما تهدف إلى إجبار إدارة ترمب على تسليم سجلات متعلقة بالكشف عن هذه الخطط العسكرية الحساسة.
مخاوف أمنية وقانونية
تثير قضية “سيغنال” مخاوف أمنية وقانونية على عدة مستويات. فمن جهة، يشكل استخدام تطبيق المراسلة التجاري لمناقشة خطط عسكرية حساسة خرقاً محتملاً لبروتوكولات الأمن القومي، خاصة إذا تمت هذه المناقشات عبر هواتف شخصية محمولة.
ومن جهة أخرى، فإن الكشف عن معلومات مثل الموعد الدقيق لإقلاع الطائرات المقاتلة الأمريكية كان من شأنه تعريض حياة الطيارين للخطر. وعادةً ما يُفصح البنتاغون عن التوقيت الدقيق وتسلسل هذه الغارات عبر قنوات حكومية آمنة فقط.
كما تثير القضية تساؤلات حول احتمال انتهاك قانون التجسس. وفي هذا السياق، أشار خبراء قانونيون إلى أن “الحكومة لم تُجرِ ملاحقات قضائية بموجب قانون التجسس أو الأحكام ذات الصلة إلا إذا وُجد دليل على نية متعمدة لنشر معلومات سرية”. وبالنظر إلى أن التسريب كان عن طريق الخطأ، قد تكون الملاحقة بموجب هذا القانون صعبة.
إجراءات برلمانية موازية
بالتوازي مع الدعوى القضائية، بدأ مشرع ديموقراطي في مجلس النواب الأمريكي السعي إلى إجبار إدارة ترمب على تسليم سجلات متعلقة بالكشف عن خطط عسكرية شديدة الحساسية التي تمت مشاركتها عبر تطبيق المراسلة سيغنال. وتأتي هذه الخطوة في إطار الدور الرقابي للكونغرس على السلطة التنفيذية، خاصة في قضايا الأمن القومي.
لم ترد الإدارة الأمريكية بعد على الدعوى القضائية ولا على طلبات التعليق من وسائل الإعلام. وسيكون من المثير للاهتمام متابعة موقف البيت الأبيض ووزارة العدل الأمريكية من هذه القضية التي تهدد بإثارة المزيد من الجدل حول إدارة ترمب لقضايا الأمن القومي.
الخلاصة: تحديات أمنية وقانونية
تمثل قضية “سيغنال” تحدياً كبيراً لإدارة ترمب على المستويين الأمني والقانوني. فهي من جهة تكشف عن ثغرات في التعامل مع المعلومات الحساسة المتعلقة بالأمن القومي، ومن جهة أخرى تفتح الباب أمام مساءلات قانونية حول مدى التزام المسؤولين بقوانين حفظ السجلات الفيدرالية.
ستكون قرارات القاضي بواسبرغ في هذه القضية ذات أهمية بالغة، خاصة في ظل العلاقة المتوترة بينه وبين الرئيس ترمب. ومع استمرار التحقيقات والإجراءات القانونية، من المتوقع أن تستمر هذه القضية في إثارة الجدل حول كيفية تعامل الإدارة الأمريكية مع المعلومات الحساسة وتأثير ذلك على الأمن القومي.