بدائل حكم حماس في غزة: خيارات إسرائيلية لا تحل المعضلات الأمنية والسياسية

تتسارع الخطط الإسرائيلية لإيجاد بدائل لحكم حركة حماس في قطاع غزة، في ظل استمرار العمليات العسكرية وتطورات المفاوضات حول وقف إطلاق النار. تكشف التصريحات الرسمية الإسرائيلية والتقارير الإعلامية عن عدة سيناريوهات مطروحة لمستقبل الحكم في القطاع، لكنها تواجه تحديات سياسية وأمنية وإنسانية معقدة. تستعرض هذه المقالة الخيارات المطروحة ومدى واقعيتها، والتحديات التي تواجهها، وآثارها المحتملة على مستقبل القضية الفلسطينية والاستقرار الإقليمي.

استراتيجية إسرائيل لتغيير الحكم في غزة

إعلان رسمي عن البحث عن بديل

صرّح وزير الدفاع الإسرائيلي يوآف غالانت في يونيو 2024 بأن إسرائيل لن تقبل استمرار حركة حماس في حكم قطاع غزة في أي مرحلة خلال عملية إنهاء الحرب. وأضاف: “بينما ننفذ عملياتنا العسكرية المهمة، تعمل مؤسسة الدفاع في الوقت نفسه على دراسة جهة حاكمة بديلة لحماس”. وأوضح غالانت خطة إسرائيل قائلاً: “سنعزل مناطق (في قطاع غزة) وسنبعد عناصر حماس من تلك المناطق وننشر قوات ستمكن من تشكيل حكومة بديلة… بديل يهدد حماس”.

تكشف هذه التصريحات عن تحول استراتيجي في السياسة الإسرائيلية تجاه غزة، حيث لم تعد تكتفي بالضربات العسكرية، بل تسعى إلى تغيير بنية الحكم في القطاع بشكل جذري. ويأتي هذا التوجه بعد أسابيع من تقديم الرئيس الأمريكي جو بايدن اتفاقاً إطارياً لإنهاء الحرب في غزة، ورغم أن حماس رحبت مبدئياً بالمبادرة، إلا أنها لم تصرح بما يدل على استعدادها للتنحي أو التخلي عن السلاح طوعاً.

سياسة فصل المناطق والسيطرة التدريجية

أشار وزير الدفاع الإسرائيلي إلى أن “العمل العسكري والقدرة على تغيير الحكم سيؤديان إلى تحقيق هدفين من أهداف هذه الحرب، إسقاط حكم حماس وقوتها العسكرية وإعادة الرهائن”. وتتضمن الخطة الإسرائيلية تقطيع أوصال قطاع غزة والسيطرة على مناطق واسعة وضمها إلى ما تسميه “الحزام الأمني”، حيث يسعى الجيش الإسرائيلي إلى فصل جنوب القطاع عن وسطه عبر السيطرة على منطقة “موراج” (تل السلطان) لفصل مدينة رفح عن خانيونس.

كشفت تقارير أمريكية عبر موقع “أكسيوس” عن استعداد إسرائيل لاحتلال 25% من قطاع غزة خلال الأسابيع المقبلة، وهو ما يشير إلى توجه إسرائيلي نحو فرض واقع جغرافي جديد في القطاع. وتبرز هذه السياسة رغبة إسرائيل في إحكام السيطرة على مناطق استراتيجية في غزة كخطوة لتفكيك حكم حماس.

الخيارات المطروحة لبدائل حكم حماس

نموذج الإدارة العشائرية

أحد السيناريوهات التي تدرسها إسرائيل هو منح قيادات عشائرية محلية مسؤولية إدارة شؤون الجماعات السكانية التابعة لها في نطاق جغرافي محدد. وبحسب هيئة البث الإسرائيلية “مكان”، من المفترض أن يوفر الجيش الإسرائيلي الحماية للأحياء التي تديرها هذه العشائر، على الأقل في البداية، حتى لا تسيطر عليها حماس مجدداً.

يستند هذا المقترح إلى فكرة أن شيوخ العشائر “يراعون مساكن الناس، ولا يبحثون عن القتال ضد إسرائيل أو السلطة”. هذا النموذج يُقدم كبديل لفكرة حل الدولتين أو الدولة الواحدة، ويفترض أن يقدم حلاً واقعياً يلبي الاحتياجات الأساسية للسكان دون تشكيل تهديد أمني لإسرائيل.

لجنة الإسناد المجتمعي

خيار آخر مطروح وتم تقديمه في الخطة العربية لإعادة إعمار غزة هو تشكيل لجنة الإسناد المجتمعي. وقد أعلنت حركة حماس عن موافقتها على هذا المقترح، حيث قال القائم بأعمال رئيس حركة حماس خليل الحية: “استجابة للخطة العربية لإعادة إعمار غزة، فإننا نعلن موافقتنا على تشكيل لجنة الإسناد المجتمعي لإدارة القطاع، يجب الإسراع في تشكيلها، وعليها تسلم عملها فوراً لقطع الطريق أمام أية دعاية تمارسها إسرائيل بأن حماس متمسكة بالحكم”.

تتكون هذه اللجنة، بحسب الخطة العربية، من 15 عضواً من الكفاءات والمشهود لهم بالنزاهة والخبرة والشفافية، وهي لجنة غير فصائلية ولا سياسية من خبراء واقتصاديين لتولي إدارة القطاع. ويقول وزير الخارجية المصري بدر عبدالعاطي: “نتحدث عن لجنة خاصة بإدارة قطاع غزة من التكنوقراط ممن لا علاقة لهم بأي من الفصائل الفلسطينية، وهذا أمر شديد الوضوح، وبالتوازي مع تولي اللجنة مهام عملها في القطاع سيجري تمكين السلطة الوطنية الفلسطينية”.

البديل العسكري الإسرائيلي

الخيار الثالث الذي يلوح في الأفق هو احتلال إسرائيل الكامل لقطاع غزة وفرض حكم عسكري. ويرى الباحث في الشأن الإسرائيلي، جاكي خوري، أنه في حال تطبيق نتنياهو لأهداف الحرب التي حددها، “فإن الوضع سيذهب إلى احتلال كامل لقطاع غزة، وربما لحكم عسكري للقطاع”.

وتشير التطورات الميدانية الأخيرة إلى توجه إسرائيلي نحو هذا الخيار، حيث كشفت مصادر ميدانية فلسطينية عن وضع الجيش الإسرائيلي لحواجز عسكرية في مناطق متفرقة شرق وشمال وغرب مخيم جباليا، إلى جانب إقامة ما يشبه المنتجع السياحي بهدف تقديم وجبات ساخنة للجنود وأماكن مبيت وإقامة، “فيما يبدو مخططاً للبقاء لفترات أطول”.

التحديات التي تواجه البدائل المطروحة

مصداقية تنازل حماس عن الحكم

رغم إعلان حماس استعدادها لتسليم الحكم للجنة الإسناد المجتمعي، إلا أن هناك تشكيكاً في جدية هذا التنازل. يقول المتخصص في مجال العلوم السياسية حسن عصفور: “تتخذ حماس من هذا الإعلان غطاء فقط للتستر وراء الحكم بلجنة الإسناد المجتمعي، الحركة لن تتنازل عن السيطرة على غزة، وما زالت تتحكم في مفاصل الحياة اليومية”. ويضيف: “حتى لو تسلمت لجنة الإسناد المجتمعي مهامها في غزة، فإن ذلك سيكون شكلياً لأن حماس تتحكم في جميع أركان العمل الحكومي، وعناصرها متداخلون بين الناس”.

يشكك عصفور في نية حماس التنازل عن حكم غزة، مستشهداً بما قاله المبعوث الأمريكي للشرق الأوسط ستيف ويتكوف، الذي أكد أن الحركة “تروج في الإعلام بأنها لا تريد غزة وفي الغرف المغلقة تشترط بقاءها في سدة الحكم بطريقة متجددة”.

غياب الرؤية الإسرائيلية الواضحة

انتقد وزير الدفاع الإسرائيلي يوآف غالانت رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو في مايو 2024 “بسبب غياب أي خطة لإدارة غزة في مرحلة ما بعد الحرب”. وتشير هذه الانتقادات إلى انقسامات داخل المؤسسة الإسرائيلية حول مستقبل القطاع.

كما أن هناك تحديات تواجه الخيارات المطروحة من قبل إسرائيل، منها صعوبة إيجاد قيادات محلية تتمتع بالشرعية والقبول الشعبي وفي نفس الوقت تكون مقبولة لدى إسرائيل. ويتزايد القلق من أن أي حكومة بديلة مدعومة من إسرائيل قد تُنظر إليها على أنها “عميلة” وتفتقر إلى الشرعية الشعبية.

رفض الاحتلال والاستيطان

أعلن عشرات من جنود الاحتياط في الوحدة الطبية بالجيش الإسرائيلي أنهم غير مستعدين للعودة للقتال في غزة، وأشاروا في عريضتهم إلى أن رفضهم للخدمة العسكرية سببه “دعوات الاستيلاء على أراضي الفلسطينيين في غزة والاستيطان فيها”. وتعكس هذه الخطوة انقسامات داخل المجتمع الإسرائيلي حول خيار احتلال غزة والسيطرة عليها عسكرياً.

الخيارات المحدودة أمام الفلسطينيين

يرى الكاتب والباحث السياسي، إياد القرا، أن “الخيارات قد تكون صعبة وضيقة جداً” أمام حماس وسكان القطاع بعد أكثر من عام من “الإبادة والتشريد والنزوح”. ويقول القرا إن هناك ثلاث قضايا يمكن التعامل معها بالوقائع، وهي: ملف الأسرى، والمقاومة في الميدان التي “صمدت أمام الاحتلال خلال عام ونصف من الحرب، بإقرار إسرائيلي”، والصمود الشعبي على الرغم من ضخامة الخسائر البشرية والمادية.

محاور السياسة الإسرائيلية في غزة

التصعيد العسكري كورقة ضغط

يرى الباحث في المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات، معين الطاهر، أن السياسة الإسرائيلية في قطاع غزة تقوم على ثلاثة محاور، أولها التصعيد العسكري الذي تحاول إسرائيل من خلاله الضغط على حماس لانتزاع تنازلات في المفاوضات. ويوضح الطاهر أن هذا هو ما تريده إسرائيل، إذ “تسعى إلى إجراء المفاوضات مع حماس تحت القصف، وجنازير الدبابات، ومن خلال قتل المدنيين وتجويعهم”.

إعادة الاحتلال وتوسيع الحزام الأمني

المحور الثاني من السياسة الإسرائيلية يكمن في إعادة احتلال مناطق أخرى في قطاع غزة وضمها إلى ما تدعيه بـ”الحزام الأمني”، حيث دفعت إسرائيل بالفرقة 36 التابعة لجيشها للسيطرة على منطقة “موراج” (تل السلطان) لفصل مدينة رفح عن خانيونس.

التهجير السكاني

المحور الثالث للسياسة الإسرائيلية هو “تهجير السكان من المناطق التي يتم ضمها إلى الحزام الأمني”، حيث تعمل على التضييق عليهم تدريجياً لتنفيذ مخطط التهجير ضد الفلسطينيين.

الموقف الرسمي الإسرائيلي وتطور المبادرات

شروط نتنياهو لإنهاء الحرب

حدد رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو شروط إنهاء الحرب على غزة، وهي “نزع سلاح حركة حماس، وإخراج قادتها من قطاع غزة، والسيطرة الأمنية الكاملة على القطاع، والتمهيد لعملية التهجير وفقاً للخطة التي أعلنها الرئيس الأميركي دونالد ترامب”.

وتشير التقديرات داخل إسرائيل إلى أنه سيتم بشكل أساسي مناقشة البديل الحكومي في قطاع غزة، في اليوم التالي من الحرب، وربما في إطار الترويج لاتفاق محتمل. وهذه المرة الأولى التي يتم فيها الحديث علناً عن مناقشة مصير “اليوم التالي” للحرب في غزة، خاصةً بعد تحذيرات كبار المسؤولين في المؤسسة الأمنية الإسرائيلية من أن إسرائيل ستعود، من دون إيجاد بديل لحكم “حماس”، إلى ما كانت عليه الأوضاع قبل 6 أكتوبر (تشرين الأول) 2023.

المبادرات الدولية والرد الإسرائيلي

قال مكتب رئيس الوزراء الإسرائيلي إن إسرائيل قدمت مقترحاً جديداً لصفقة تبادل بتنسيق كامل مع الإدارة الأميركية. وأوضح المكتب أن نتنياهو عقد سلسلة مشاورات بشأن مقترح تهدئة في غزة وصله من الوسطاء قبل تقديم مقترح بديل لهم بتنسيق كامل مع واشنطن.

تعقيدات اليوم التالي وتحديات المستقبل

تواجه الخيارات المطروحة لبدائل حكم حماس في غزة تحديات كبيرة تتعلق بالشرعية الشعبية وقبول السكان المحليين والمجتمع الدولي. وتزداد هذه التحديات تعقيداً في ظل الدمار الواسع الذي لحق بالقطاع والخسائر البشرية الكبيرة التي تكبدها السكان.

ويبدو أن الحلول المطروحة من قبل إسرائيل لا تعالج جذور المشكلة السياسية، ولا تقدم رؤية واضحة لمستقبل سياسي مستقر في القطاع. كما أن استمرار العمليات العسكرية وتوسيع السيطرة الإسرائيلية على مناطق في غزة قد يزيد من تعقيد الوضع ويصعب من إمكانية التوصل إلى حل سياسي دائم.

مع استمرار المفاوضات حول وقف إطلاق النار وتبادل الأسرى، يبقى مستقبل الحكم في غزة غامضاً، وتبقى التساؤلات قائمة حول إمكانية التوصل إلى صيغة تلبي مصالح جميع الأطراف وتضمن الاستقرار الإقليمي وتحقيق السلام المنشود.