مخاوف متزايدة من نقل مختطفات سوريات إلى الأراضي التركية وسط صمت دولي
تتصاعد المخاوف مع تزايد عمليات اختطاف النساء السوريات، خاصة من الطائفة العلوية في مناطق الساحل السوري، مع تقارير تفيد بنقل بعضهن إلى داخل الأراضي التركية. وسط صمت دولي مطبق وغياب المحاسبة، يتزايد القلق من تكرار سيناريو “سبي” النساء الإيزيديات في العراق على يد تنظيم داعش، مع رصد شهادات صادمة لنساء نجين من الاختطاف تعرضن للتعذيب والإهانة، بينما لا يزال مصير العشرات مجهولاً حتى اللحظة.
ارتفاع وتيرة عمليات اختطاف النساء في سوريا
شهدت المناطق السورية، خاصة في الساحل والمناطق الشمالية، تصاعداً ملحوظاً في عمليات اختطاف النساء والفتيات خلال الشهور الأخيرة. وثقت منظمات حقوقية وإعلامية عشرات الحالات من عمليات الخطف التي تتم في وضح النهار، وفي أماكن عامة، دون أي رادع أو محاسبة من السلطات المعنية.
فقد ذكر مصدر في جهاز الأمن العام التابع لهيئة تحرير الشام (النصرة سابقاً) أن خمس فتيات اختطفن في إدلب خلال 48 ساعة فقط، وتتراوح أعمارهن بين 7 و13 عاماً. وأضاف المصدر أن حالات اختطاف الفتيات كثرت مؤخراً وأغلبها يحدث في مخيمات النازحين بالمنطقة، مشيراً إلى نقل المختطفات إلى داخل الأراضي التركية فيما يُعرف بـ “الإتجار بالفتيات والنساء”.
كما سُجلت حالات اختطاف متعددة في محافظة طرطوس، حيث تم توثيق اختطاف خمس فتيات في أقل من أسبوع بغرض ابتزاز عائلاتهن ومطالبتهم بدفع مبالغ مالية مقابل إطلاق سراحهن.
وبحسب “المرصد السوري لحقوق الإنسان”، فإن نحو خمسين سيدة من الطائفة العلوية اختفين منذ مطلع العام الجاري، في حوادث متفرقة شملت محافظات عدة، من بينها حمص وطرطوس واللاذقية وحماة.
شهادات مروعة من الناجيات من الاختطاف
كشفت شهادات صادمة لنساء تعرضن للاختطاف ثم أُطلق سراحهن لاحقاً تفاصيل مروعة عن ظروف احتجازهن والمعاملة التي تعرضن لها. ومن بين هذه الشهادات، شهادة امرأة تُدعى رباب (اسم مستعار) التي خُطفت في وضح النهار من ساحة عامة في إحدى قرى الساحل.
تقول رباب: “عذبونا وضربونا، لم يكن مسموحاً أن نتحدّث مع بعضنا بعضاً، لكني سمعت لهجة الخاطفين، أحدهم لهجته أجنبية والآخر لهجته محلية إدلبية، عرفت ذلك لأنهم كانوا يشتموننا لأننا علويات”.
وروت رباب أنها وجدت نفسها في “فان” على مسافة قريبة من مكان خطفها، كون السيارة لم تقف على أي حاجز، ثم رُميت في غرفة في منزل مع باسمة (اسم مستعار)، التي كانت مخطوفة قبلها. وأضافت أنها سمعت أصوات نساء أخريات، لكن لم يكن من السهل التيقن، إذ كانت المختطفات مكبلات الأيدي والأرجل بكرسيّ، ولا يفك القيد إلا عند دخول الحمام.
كما تحدثت امرأة من الطائفة العلوية، في شريط فيديو نُشر في مارس 2025، عن اختطاف عناصر من الأمن التابعين للإدارة السورية المؤقتة فتيات من الساحل، وبيعهن كسبايا في إدلب شمال غربي سوريا.
مخاوف من نقل المختطفات إلى الأراضي التركية
تزداد المخاوف من احتمال نقل النساء المختطفات إلى داخل الأراضي التركية، خاصة مع تقارير سابقة توثق حالات مشابهة. في هذا السياق، أشار مصدر أمني في إدلب إلى نقل مختطفات إلى داخل الأراضي التركية فيما يعرف بـ “الإتجار بالفتيات والنساء”.
وفي سياق متصل، وثقت تقارير سابقة حالات نقل معتقلين سوريين من مناطق النزاع إلى سجون داخل تركيا. ففي ديسمبر 2024، رصدت تقارير حقوقية نقل عشرات المختطفين الذين تم اعتقالهم من مدينة منبج السورية إلى سجون داخل أراضي تركيا، في انتهاك صارخ للقانون الدولي الإنساني الذي يحظر ترحيل المدنيين من الأراضي المحتلة إلى أراضي دولة الاحتلال.
كما كشفت تقارير سابقة عن اختطاف مئات الفتيات الكرديات ونقلهن إلى تركيا عبر نقاط العبور العسكرية على الحدود مع سوريا.
مطالبات حقوقية بالتحقيق في مصير المختطفات
أصدرت الحركة السياسية النسوية السورية بياناً في 23 أبريل 2025 حول اختطاف النساء السوريات في الساحل السوري، جاء فيه: “في هذا السياق الحرج، وردت أنباء عن حوادث اختطاف واختفاء نساء سوريات، على خلفية انتماءاتهن للطائفة العلوية. تُشكل هذه الظاهرة جريمة مزدوجة بحق المرأة وكرامة المجتمع السوري”.
وطالبت الحركة بـ”تحقيقات عاجلة وشفافة في حوادث اختفاء النساء، خاصة في الساحل السوري، وضمان أمن جميع المواطنات والمواطنين. والكشف الفوري عن مصير المختطفات وضمان عودتهن سالمات وحماية عائلاتهن من أي أعمال انتقامية أو تهديدات، ومحاسبة جميع المسؤولين عن هذه الجرائم”.
كما ندد الرئيس الروحي للطائفة الدرزية الشيخ موفق طريف، في سياق مشابه سابقاً، بالصمت الدولي بما يخص مصير المختطفات، معتبراً أن “عدم العمل من المجتمع الدولي على إطلاق سراحهن قد أدى الى تمادي الإرهابيين”.
صمت دولي وإقليمي مريب تجاه القضية
يشير متابعون للشأن السوري إلى أن الصمت الدولي والإقليمي تجاه قضية المختطفات السوريات يفاقم المأساة ويشجع الجناة على الإفلات من العقاب. ويرى مراقبون أن هذا الصمت مشابه لما حدث في قضايا أخرى، مثل القصف الإسرائيلي المتكرر على الأراضي السورية.
وفي سياق مماثل، أدان البرلمان العربي في بيان له “استمرار الصمت الدولي” الذي “يشجع” على الاستمرار في الانتهاكات والإمعان فيها، وطالب “مجلس الأمن الدولي والدول الفاعلة في المجتمع الدولي إلى الاضطلاع بمسؤولياتها” في وقف هذه الانتهاكات ومحاسبة مرتكبيها.
مخاوف من تكرار سيناريو “سبي الإيزيديات”
يثير نمط اختطاف النساء العلويات على وجه الخصوص مخاوف من تكرار سيناريو ما عُرف بـ”سبي الإيزيديات” الذي مارسه تنظيم داعش في العراق وسوريا.
وفي هذا السياق، أشارت تقارير إعلامية إلى وجود أقاويل تربط الخطف المتكرر لفتيات علويات بـ”السبي”، وهو انتهاك خطير سبق أن مارسه تنظيم “داعش” خلال فترة سيطرته في العراق وسوريا، وتم بموجبه خطف نساء كثيرات وسبيهن، خصوصاً من الأقلية الأيزيدية التي لا يزال مئات من ضحاياها من النساء مفقودات.
لكن خبراء يحذرون من المبالغة في هذه المقارنة، إذ أشار الكاتب والباحث حسام جزماتي إلى أن “تاريخ جبهة النصرة سابقاً، وهيئة تحرير الشام سابقاً، لم يحو حالات سبي للنساء، بل اقتصر الأمر على تنظيم داعش الذي أحيا ‘سنة السبي’ ومارسها ضد الايزيديات”.
غياب الإجراءات الرسمية وتفاقم الانفلات الأمني
يبدو أن السلطات الرسمية السورية عاجزة عن اتخاذ إجراءات فعالة للحد من ظاهرة اختطاف النساء. وتشير تقارير متعددة إلى غياب التحقيقات الشفافة في هذه الحوادث، وعدم محاسبة الجناة، ما يساهم في استمرار الظاهرة وتفاقمها.
وقد أكدت الحركة السياسية النسوية السورية في بيانها أن “تباطؤ السلطات في اتخاذ خطوات جادة نحو العدالة الانتقالية، وغياب آليات شفافة لمحاسبة الجناة، قد ساهما وسوف يستمران في المساهمة في تأجيج مناخ الانتقام، وإطلاق العنان للكراهية والتحريض، لا سيما في ظل غياب المحاسبة العامة وإفلات الجناة من العقاب”.










