في وقتٍ يعاني فيه المواطن المصري من أسوأ موجات الغلاء والتضخم منذ عقود، حيث لم تعد أبسط السلع في متناول الفقراء، لا تكف الحكومة عن ابتكار وسائل جديدة لزيادة الأعباء المالية على المواطنين، ولو جاءت مغلفة بشعارات “الصحة العامة”. وبينما تتفاقم معاناة الناس مع ارتفاع الأسعار وتراجع الدخول، تطل الدولة اليوم بمشروع ضريبي جديد على المنتجات السكرية، يثير تساؤلات حقيقية: هل تهتم الحكومة فعلًا بصحة المواطن، أم أنها تبحث عن مصدر دخل جديد حتى ولو من جيوب المنهكين؟
أزمات خانقة
تمر مصر بأزمة اقتصادية خانقة، تسببت في ارتفاع غير مسبوق في أسعار السلع الأساسية، من الغذاء إلى الدواء، ما جعل ملايين المصريين عاجزين عن تلبية احتياجاتهم اليومية. ومع ضعف الأجور وارتفاع معدلات البطالة، بات المواطن البسيط هو الحلقة الأضعف في معادلة الإصلاح الاقتصادي. وأمام كل موجة غلاء، لا يجد المواطن إلا الوعود بالتخفيف، بينما تأتي السياسات الواقعية عكس ذلك تمامًا.
ضريبة في وقت صعب
في هذا السياق الاقتصادي الصعب، تدرس الحكومة المصرية فرض ضريبة جديدة على المنتجات الغذائية والمشروبات المحلاة التي تتجاوز فيها نسب السكر المعدلات العالمية الموصى بها، في محاولة لتقليل انتشار الأمراض المزمنة كالسمنة والسكري. وتشير الجهات الرسمية إلى أن هذه الضريبة لن تُفرض على السكر الخام ذاته، بل على المنتجات التي تحتوي على كميات سكر مفرطة.
وقد نفت مصلحة الضرائب المصرية أي نية لفرض ضريبة قيمة مضافة على السكر في صورته الخام، مؤكدة أن القانون المصري يعفي هذه السلعة من الضريبة منذ عام 2016، وأن مشروع الموازنة الجديدة لعام 2025/2026 لا يتضمن أي تعديل في هذا الشأن.
الآلية المقترحة تعتمد على تحديد نسبة السكر القصوى المسموح بها في المنتجات، وفرض ضريبة إضافية على ما يتجاوز تلك النسبة. وتؤكد الحكومة أن العائدات سيتم توجيهها إلى تمويل منظومة التأمين الصحي الشامل، بجانب الضرائب المفروضة على التبغ ومنتجات أخرى ضارة بالصحة.
لكن رغم النوايا الصحية المُعلنة، فإن تطبيق هذه الضريبة قد يؤدي عمليًا إلى ارتفاع أسعار منتجات يستهلكها المواطن يوميًا، مما يضيف عبئًا إضافيًا إلى نفقاته في ظل موجة الغلاء الحادة التي تشهدها البلاد.
وفي حين أن مصر تسجل معدلات استهلاك سكر مرتفعة (34 كيلوجرامًا للفرد سنويًا مقارنة بـ22 عالميًا)، إلا أن توقيت هذه الخطوة، وطريقة طرحها، يثيران الشكوك حول جدية الاهتمام بصحة المواطنين، خاصة في ظل عدم وجود بدائل غذائية صحية مدعومة أو برامج توعية فعالة.
الضريبة المقترحة قد تكون خطوة إيجابية في سياقها الصحيح، لكنها في واقع اقتصادي مرهق، وبدون ضمانات لحماية الطبقات الأكثر فقرًا، قد تتحول إلى مجرد عبء جديد يُضاف إلى قائمة طويلة من الأثقال التي يتحملها المواطن المصري يوميًا تحت شعار “الإصلاح”.











