الكاتب : زيد الايوبي
في لحظة فلسطينية دامية يعيشها قطاع غزة تحت وطأة آلة الحرب الإسرائيلية، تتكشف مواقف القوى السياسية، ويصبح وزنها الحقيقي مرتبطًا بمدى استعدادها لتقديم المصلحة الوطنية على اعتبارات التنظيم والسلطة.
وفي هذا السياق، جاء موقف حماس الأخير — الذي طرح فكرة الإفراج عن الرهائن الإسرائيليين مقابل وقف الحرب دون ربطها بمستقبل الحكم في غزة — ليطرح تساؤلات عميقة حول أولويات الحركة في هذه اللحظة التاريخية.
ليس خافيًا أن استمرار حماس في الحكم بغزة شكل لعقود عاملًا معقدًا في المشهد الفلسطيني، بين سلطة أمر واقع ومقاومة تتحرك ضمن سقوف متناقضة أحيانًا. واليوم، وأمام الدمار الهائل الذي حل بغزة، لا يبدو أن التمسك بالحكم يمكن تفسيره إلا باعتباره جزءًا من أزمة أكبر تعيشها الحركة: مأزق الفصل بين المقاومة كمشروع وطني، وبين السلطة كواقع ميداني تتحكم به حسابات التنظيم.
حين تعرض حماس الإفراج عن الرهائن مقابل وقف الحرب، دون تقديم تصور واضح لاعادة توحيد النظام السياسي الفلسطيني، فإنها تبدو وكأنها تفاوض من أجل تثبيت معادلة: “الحفاظ على السلطة مقابل إنهاء العدوان”، دون أن تأخذ بعين الاعتبار أن الشعب الفلسطيني يحتاج قبل أي شيء إلى إنهاء الانقسام، وإعادة بناء مشروعه الوطني الجامع.
اليوم، لم يعد مقبولًا أن تستمر الحسابات الفصائلية الضيقة على حساب معاناة أكثر من مليوني فلسطيني في القطاع.
إن الواجب الوطني والأخلاقي يُحتّم على حماس أن تتجاوز منطق السلطة لصالح مشروع إنقاذ حقيقي، يقوم على ثلاثة أعمدة:
1. الموافقة على استعادة وحدة النظام السياسي الفلسطيني تحت مظلة الشرعية بفلسطينية ممثلة بمنظمة التحرير الفلسطينية .
2. التخلي عن الارتباط بالاجندات الاقليمية واحتكار قرار السلم والحرب الذي كانت نتائجه ما نراه اليوم في غزة من مأساة بذكرها التاريخ .
3. الانحياز الكامل لمصلحة الشعب الفلسطيني، فوق أي مصلحة تنظيمية أو فئوية.
لا خيار اليوم أمام حماس، ولا أمام أي فصيل فلسطيني، سوى اتخاذ قرارات شجاعة تليق بتضحيات الشعب الفلسطيني.
الدم الذي سال في غزة، والركام الذي غطى البيوت، ليس وقودًا لصراع على سلطةٍ محاصرة، بل نداء صارخ لإعادة توجيه البوصلة نحو فلسطين الواحدة الموحدة، بعيدًا عن الحسابات الضيقة، والمغامرات العبثية.
فليكن واضحًا:
استمرار التمسك بالحكم دون أفق وطني شامل، لن يُنقذ غزة من الدمار، ولن يُحقق لشعبنا نصرًا سياسيًا أو ميدانيًا.
الانتصار الحقيقي يبدأ عندما نضع مصلحة الشعب فوق كل اعتبار، ونعود جميعًا إلى مربع الوحدة، والمشروع الوطني الجامع، وحق تقرير المصير لشعبنا، من خلال المؤسسات الوطنية الشرعية، لا عبر سلطات أمر واقع مرهونة لحسابات إقليمية أو تنظيمية.
التاريخ يسجل، والشعوب لا تنسى، ومن يخفق في لحظة الحقيقة، يفقد شرف الطريق كله.










