تواجه شركة جوجل، التي طالما كانت إمبراطورية الإعلانات عبر الإنترنت، مفترق طرق تاريخيًا مع صعود تقنيات الذكاء الاصطناعي التوليدي. ظهور روبوتات الدردشة الذكية مثل ChatGPT وClaude لم يغير فقط طريقة بحث المستخدمين عن المعلومات، بل بدأ في زعزعة الأسس الاقتصادية التي بنيت عليها هيمنة جوجل لعقود.
هذا التحول العاصف يفرض واقعًا جديدًا على الشركات والعلامات التجارية، مما يدفعها إلى إعادة ابتكار استراتيجيات الظهور الرقمي وملاحقة الفرص في سوق ناشئ تمامًا: “تحسين الظهور عبر الذكاء الاصطناعي”.
التحولات في سلوك المستخدمين.. التهديد الذي يطرق أبواب جوجل
يتغير مشهد البحث الرقمي بسرعة غير مسبوقة. المستخدمون أصبحوا يعتمدون بشكل متزايد على روبوتات الذكاء الاصطناعي بدلًا من محركات البحث التقليدية، ما يشكل تحديًا وجوديًا لجوجل.
تشير الدراسات إلى أن 80% من المستخدمين يعتمدون على إجابات الذكاء الاصطناعي في أكثر من 40% من عمليات بحثهم، مما قد يؤدي إلى تراجع حركة الزيارات العضوية بنسبة تصل إلى 25%. الأخطر أن 60% من عمليات البحث باتت تنتهي دون أي نقر على الروابط – وهو ما يمثل تهديدًا مباشرًا لمنظومة الإيرادات الإعلانية القائمة على النقرات.
ورغم أن نتائج الربع الأول من العام أظهرت نموًا بنسبة 10% لعائدات البحث والإعلانات لتصل إلى 50.7 مليار دولار، إلا أن المخاوف بشأن التأثير طويل الأمد للذكاء الاصطناعي تزداد، خاصة مع احتمال أن تؤدي ملخصات روبوت Gemini إلى تقليص التفاعل الإعلاني تدريجيًا.
سباق العلامات التجارية: معركة الظهور في عصر الذكاء الاصطناعي
في مواجهة هذا الواقع الجديد، انطلقت الشركات والعلامات التجارية الكبرى نحو ابتكار أدوات وتقنيات تضمن حضورها في نتائج الذكاء الاصطناعي:
أدوات رصد الأداء:
شركات ناشئة مثل Profound وBrandtech ابتكرت منصات تحليلية ترصد تكرار ظهور العلامات التجارية في إجابات روبوتات الذكاء الاصطناعي مثل ChatGPT وClaude وGoogle AI Overviews.
تبني سريع من الكبار:
شركات مثل Ramp وIndeed وChivas Brothers بادرت باستخدام هذه الأدوات لتأمين حضورها أمام ملايين المستخدمين الذين يعتمدون على الذكاء الاصطناعي.
مفهوم “حصة النموذج” (Share of Model):
ابتكرت Brandtech منتجًا يقيّم حضور العلامات التجارية في استجابات الذكاء الاصطناعي، مع تقديم نصائح عملية لتحسين المحتوى والهوية الرقمية.
تحليلات متخصصة:
نجحت Profound بجمع 3.5 مليون دولار لتطوير منصتها، مؤكدة أن هذا التحول يعادل الانتقال من الأقراص المدمجة إلى منصات البث المباشر – لحظة فاصلة في تاريخ البحث الرقمي.
قواعد جديدة للظهور.. من SEO إلى AISO
لم يعد تحسين محركات البحث التقليدي كافيًا. الظهور في نتائج الذكاء الاصطناعي يتطلب فلسفة جديدة تقوم على:
التركيز على الجودة والملاءمة العميقة:
نماذج الذكاء الاصطناعي تقوم بتصفية وتحليل مصادر متعددة لتقديم المعلومات الأكثر دقة وملاءمة، مما يجعل التلاعب بالنتائج أصعب من ذي قبل.
فهم أعمق لاستفسارات المستخدمين:
الذكاء الاصطناعي يفهم الاستفسارات المركبة بطريقة تتجاوز القدرات التقليدية لمحركات البحث.
فرص اقتصادية جديدة:
الوكالات الإعلانية والتسويقية ترى في هذا التحول فرصة لإطلاق خدمات “تحسين الظهور عبر الذكاء الاصطناعي” (AISO)، مما يعيد رسم معالم سوق الإعلانات الرقمية بالكامل.
تشكل ثورة الذكاء الاصطناعي لحظة حاسمة في تاريخ الإنترنت. لم تعد المسألة مجرد تغيير في أدوات البحث، بل إعادة صياغة كاملة لمنظومة الوصول إلى المعلومات والعائدات الاقتصادية المرتبطة بها.
العلامات التجارية، والشركات التقنية، وحتى عمالقة البحث أنفسهم، مطالبون اليوم بإعادة ابتكار طرقهم للبقاء في دائرة الضوء في هذا العصر الجديد الذي لا يرحم أولئك الذين يتخلفون عن مواكبته.











