في خطوة جديدة تعكس تعمق التبعية الاقتصادية المتنامية للنظام السعودي تجاه الولايات المتحدة، أعلنت شركة “آي سكوير كابيتال” الأمريكية، المتخصصة في الاستثمارات العالمية، عن نيتها تأسيس مقر إقليمي في العاصمة السعودية الرياض باستثمار يُقدر بأكثر من مليار دولار. هذه الخطوة تمثل إحدى مظاهر استخدام الاقتصاد كأداة لتعزيز النفوذ الأمريكي في المنطقة، وتؤكد استمرار اعتماد المملكة على الدعم المالي والتقني من واشنطن ضمن مسار تحقيق أهداف “رؤية السعودية 2030”.
تأتي هذه الخطوة في وقت تعمل فيه المملكة على تعزيز مكانتها كمركز إقليمي مالي واستثماري، وسط استراتيجية واضحة لجذب كبرى الشركات العالمية، وبخاصة الأمريكية، لتوطين أنشطتها في السعودية. وتعتبر “آي سكوير كابيتال” من أبرز الشركات الاستثمارية في العالم، بإدارتها أصولًا بمليارات الدولارات في قطاعات استراتيجية مثل البنية التحتية والطاقة والرقمنة، ما يجعل استثمارها في السعودية مؤشرًا على استمرار توظيف المملكة كسوق مفتوحة للمصالح الغربية، وعلى رأسها الولايات المتحدة.
دور أمريكا في دعم الاقتصاد السعودي:
لطالما شكلت العلاقة الاقتصادية بين السعودية والولايات المتحدة محورًا أساسيًا في العلاقة الاستراتيجية بين البلدين، حيث تمثل واشنطن الداعم الرئيسي لمشاريع التنمية والتحول الاقتصادي في المملكة. فعلى مدار عقود، دعمت الشركات الأمريكية قطاع النفط والغاز، وبنت شراكات طويلة الأمد في مجالات الدفاع والطاقة والبنية التحتية. ومع بدء تنفيذ رؤية 2030، تسارعت وتيرة هذا الدعم لتشمل التكنولوجيا، الابتكار، والتعليم، مما عزز من ارتباط الاقتصاد السعودي بالشركات الأمريكية، سواء عبر التمويل أو المعرفة أو حتى التخطيط الاستراتيجي للمشاريع الكبرى.
الأنشطة الاقتصادية المشتركة بين أمريكا والسعودية:
1. الطاقة: لا تزال الولايات المتحدة شريكًا رئيسيًا في تطوير قطاع الطاقة السعودي، من خلال نقل التكنولوجيا وتقديم الحلول المستدامة، خاصة في الطاقة المتجددة والنفط الصخري.
2. البنية التحتية: شركات أمريكية كبرى تشارك في مشاريع ضخمة مثل نيوم، والقطار السريع، وتطوير المدن الاقتصادية، مما يجعل السعودية بيئة تشغيلية رئيسية لرؤوس الأموال الأمريكية.
3. التكنولوجيا والرقمنة: استفادت المملكة من شركات التكنولوجيا الأمريكية في تطوير قطاعات الاتصالات والذكاء الاصطناعي، في ظل سعي الحكومة إلى بناء اقتصاد معرفي.
4. الاستثمار المباشر: شهدت السنوات الأخيرة دخول عدد من الصناديق الاستثمارية الأمريكية إلى السوق السعودية، في ظل الحوافز الحكومية والتسهيلات التنظيمية التي تعكس توجهاً لاستقطاب رأس المال الأجنبي.
5. التعليم والبحث العلمي: آلاف الطلاب السعوديين يدرسون في الجامعات الأمريكية، وهناك شراكات بحثية مستمرة بين مؤسسات أكاديمية سعودية وأمريكية.
قراءة في البعد السياسي الاقتصادي:
يمثل الاستثمار الأمريكي في السعودية، كحالة “آي سكوير كابيتال”، أكثر من مجرد نشاط تجاري؛ فهو مؤشر على توظيف الاقتصاد كأداة جيواستراتيجية. فالرياض تُعد سوقًا جاهزة لتدفق رؤوس الأموال الأمريكية ضمن توافق سياسي قائم منذ عقود. وفي ظل التحديات الجيوسياسية الإقليمية، يعكس هذا النوع من الاستثمار رغبة واشنطن في ترسيخ حضورها في مفاصل الاقتصاد السعودي، مستفيدة من حاجة المملكة إلى الشراكة التكنولوجية والتمويلية لتحقيق طموحاتها الاقتصادية.
قرار “آي سكوير كابيتال” بإنشاء مقر إقليمي في الرياض باستثمار ضخم ليس حدثاً معزولاً، بل يمثل امتداداً لمنظومة اقتصادية أمريكية تستثمر في الداخل السعودي بشكل يعزز من تبعية المملكة في مشاريعها التنموية للمكون الغربي، وتحديدًا الأمريكي. ومع سعي السعودية لتقديم نفسها كمركز مالي واستثماري عالمي، فإن استمرار هذا النوع من الارتباط يُبرز حدود الاستقلال الاقتصادي، ويعيد تشكيل العلاقة بين الطرفين ضمن معادلة “التمويل مقابل النفوذ”.











