الأردن: أحكام بالسجن 20 عاماً على 4 متهمين في قضية “تصنيع الصواريخ” المثيرة للجدل
أصدرت محكمة أمن الدولة الأردنية أحكاماً قضائية مشددة بالسجن لمدة 20 عاماً بحق أربعة متهمين من أصل 16 ضالعين فيما عُرف إعلامياً بقضية “خلية تصنيع الصواريخ”. هذه القضية التي هزت الرأي العام الأردني تمثل تطوراً بارزاً في سلسلة الإجراءات الأمنية المتخذة في المملكة مؤخراً. تضمنت الاتهامات حيازة مواد متفجرة وأسلحة بقصد استخدامها بطرق غير مشروعة، ما اعتبرته السلطات الأردنية تهديداً مباشراً لأمن واستقرار البلاد.
تفاصيل الأحكام القضائية وخلفية القضية
أصدرت محكمة أمن الدولة الأردنية في جلسة علنية عقدتها اليوم الأربعاء، 30 أبريل 2025، أحكاماً بالأشغال المؤقتة لمدة 20 سنة بحق أربعة متهمين من أصل 16 متهماً وتغريمهم الرسوم، بعد إدانتهم بتهم تتعلق بحيازة مواد متفجرة وأسلحة بقصد استخدامها بطرق غير مشروعة. وتأتي هذه الأحكام بعد أسبوعين من إعلان السلطات الأردنية عن كشفها لمخططات كانت تستهدف الأمن الوطني.
وبحسب وثائق المحكمة، فإن المتهمين الأربعة الذين صدرت بحقهم الأحكام هم: إبراهيم جبر وحذيفة جبر وخالد مجدلاوي وأحمد عايش. وقد أُدينوا بجرائم “حيازة مواد مفرقعة وأسلحة وذخائر بقصد استخدامها على وجه غير مشروع والقيام بأعمال من شأنها الإخلال بالنظام العام وتعريض سلامة المجتمع وأمنه للخطر خلافاً لأحكام قانون منع الإرهاب”.
وقد خلصت المحكمة إلى أن المواد المفرقعة المضبوطة كانت “متفجرات عسكرية ذات خاصية تدميرية وصالحة للاستخدام وذات أثر قاتل على الأرواح وتشكل ضرراً بالممتلكات والسلامة العامة”. وأشارت المحكمة في حيثيات حكمها إلى أن الأربعة أدينوا بنقل وتخزين متفجرات عالية الشدة ذات طابع عسكري بطريقة تمنع كشفها.
الكشف عن المخططات والتحقيقات الأمنية
تعود جذور القضية إلى عام 2021، عندما بدأت دائرة المخابرات العامة الأردنية بمراقبة نشاطات المتهمين. وفي 15 أبريل 2025، أعلنت المخابرات الأردنية عن إحباطها لمخططات “كانت تهدف إلى المساس بالأمن الوطني وإثارة الفوضى والتخريب المادي داخل المملكة”، وإلقاء القبض على 16 شخصاً متورطاً في هذه المخططات.
وتضمنت المخططات المزعومة أربع قضايا رئيسية، هي:
- تصنيع صواريخ قصيرة المدى باستخدام أدوات محلية وأخرى مستوردة من الخارج لغايات غير مشروعة.
- حيازة مواد متفجرة وأسلحة نارية، حيث تم العثور على صاروخ من طراز كاتيوشا مخبأ في منطقة مرج الحمام وجاهز للاستخدام.
- مشروع لتصنيع طائرات مسيرة بدعم تقني من مصادر خارجية، حيث نجح المتهمون في إنتاج نموذج أولي وظيفي.
- تجنيد وتدريب عناصر داخل المملكة وإرسالهم للتدريب في الخارج لتنفيذ هجمات مخطط لها.
وفي إطار التحقيقات، داهمت السلطات الأمنية مستودعين في عمّان والزرقاء، أحدهما كان محصناً بالخرسانة ومجهزاً بغرف مخفية. وبحسب متحدث حكومي، فإن المجموعة كانت قد حصلت على تمويل وتدريب من جهات خارجية.
الجدل القانوني والسياسي حول القضية
أثارت القضية جدلاً واسعاً في الشارع الأردني، وتضاربت الروايات حول دوافع المتهمين وطبيعة أنشطتهم. فبينما تؤكد الرواية الرسمية أن المخططات كانت تستهدف أمن واستقرار المملكة، تشير مصادر أخرى إلى أن المتهمين كانوا يخططون لدعم المقاومة الفلسطينية في الضفة الغربية.
وقد أشار المحامي عبد القادر الخطيب، الذي يترافع عن بعض المتهمين، إلى أن “القضية تعتبر سياسية بامتياز وسابقة في التاريخ”، واصفاً الحكم بـ”القاسي”. وأوضح أن “القضية فتحت خلال عام 2023 حينما نسبت عدة اتهامات لهؤلاء الشبان ذكرت أنهم ينتمون لحركة حماس وأنهم يقومون بتصنيع أسلحة معدة للتهريب إلى الضفة الغربية لدعم المقاومة”.
على صعيد آخر، قررت السلطات الأردنية حظر النشر في تفاصيل القضية. فقد أصدر رئيس محكمة أمن الدولة قراراً بحظر نشر أي مستندات أو بيانات أو وثائق أو محاضر تتعلق بوقائع جلسات المحاكمة. وشمل الحظر كافة وسائل الإعلام المرئية والمسموعة والمقروءة والإلكترونية، بما في ذلك شبكات التواصل الاجتماعي، وذلك حتى صدور الحكم النهائي.
الارتباط بقضية الإخوان المسلمين
تزامنت هذه القضية مع إجراءات أخرى اتخذتها السلطات الأردنية ضد جماعة الإخوان المسلمين. فقد أعلن وزير الداخلية الأردني مازن الفراية، في الأسبوع الماضي، العمل على الإنفاذ الفوري لأحكام القانون على جماعة الإخوان المسلمين “المنحلة”، واعتبارها غير مشروعة، وحظر نشاطاتها كافة.
وشدد الفراية على تسريع عمل لجنة الحل المكلفة بمصادرة ممتلكات الجماعة، وإغلاق أي مكاتب أو مقار تستخدمها في أنحاء المملكة كافة. كما حذر القوى السياسية ووسائل الإعلام ومستخدمي وسائل التواصل الاجتماعي من التعامل مع الجماعة “المنحلة” تحت طائلة المساءلة القانونية.
وقد أشار الوزير إلى أن “الجماعة المنحلة حاولت في نفس ليلة الإعلان عن المخططات الأسبوع الماضي تهريب وإتلاف كميات كبيرة من الوثائق من مقارها، لإخفاء نشاطاتها وارتباطاتها المشبوهة”، حسب تعبيره.
مستقبل القضية والإجراءات القانونية المتبقية
أشارت مصادر قضائية إلى أن الحكم الصادر بحق المتهمين الأربعة سيخضع للمراجعة التلقائية من قبل محكمة التمييز (محكمة النقض) خلال الثلاثين يوماً المقبلة، وهو ما يعني أن القرار النهائي لم يصدر بعد.
أما بالنسبة للمتهمين الـ12 الباقين، فلا تزال محاكمتهم جارية أمام محكمة أمن الدولة بتهم مماثلة. ويشار إلى أن مدعي عام محكمة أمن الدولة، القاضي أحمد شحالتوغ، كان قد وجه تهماً جنائية لـ12 متهماً منهم في وقت سابق، وتمت إحالتهم إلى المحكمة.
محكمة أمن الدولة: جدل حقوقي مستمر
تجدر الإشارة إلى أن محكمة أمن الدولة الأردنية هي مؤسسة قضائية تتعامل مع القضايا المتعلقة بأمن الدولة وجرائم المخدرات وأنواع أخرى من القضايا. ويمكن أن يكون المدعى عليهم فيها عسكريين ومدنيين على حد سواء.
وقد واجهت هذه المحكمة انتقادات من منظمات حقوقية دولية، مثل هيومن رايتس ووتش ومنظمة العفو الدولية، بسبب عدم استقلالها عن السلطة التنفيذية، وبسبب محاكمة المدنيين في محكمة عسكرية. كما أوصت لجنة حقوق الإنسان التابعة للأمم المتحدة بإلغاء هذه المحكمة في الأردن.
رغم الانتقادات، استمرت المحكمة في عملها، وفي سبتمبر 2011، حد العاهل الأردني الملك عبد الله الثاني من صلاحياتها بحيث لا يكون لها اختصاص إلا في أربعة أنواع من الجرائم: الخيانة العظمى، والتجسس، والإرهاب، وتهريب المخدرات.










