في حربٍ لم تعد تقتصر على الصواريخ والدبابات، تلجأ إسرائيل إلى سلاحٍ أكثر خفاءً وتأثيرًا: المال. فقد اقترح وزير الخارجية الإسرائيلي جدعون ساعر إلغاء الورقة النقدية من فئة 200 شيكل، فيما اعتُبر خطوة ضمنية لاستهداف البنية المالية غير الرسمية في قطاع غزة، وتحديدًا حركة حماس.
لكن هذا القرار الذي يُروّج له كإجراء “أمني” لا يمر دون أثمان اجتماعية واقتصادية باهظة، ويثير أسئلة خطيرة حول استخدام الاقتصاد كسلاح عقاب جماعي في صراع تتجاوز أبعاده خطوط المواجهة التقليدية.
وفي خضم الصراع المستمر بين إسرائيل وحركة حماس، تبرز استراتيجية جديدة تتجاوز المواجهة العسكرية التقليدية إلى ساحة الحرب الاقتصادية. يتمثل أحدث فصولها في مقترح مثير للجدل قدمه وزير الخارجية الإسرائيلي جدعون ساعر لإلغاء الأوراق النقدية من فئة 200 شيكل، بهدف معلن هو “ضرب القدرات المالية لحماس”. هذا المقترح أشعل جدلاً حاداً بين مؤسسات الدولة الإسرائيلية وأثار مخاوف جدية لدى سكان قطاع غزة.
تقدم وزير الخارجية الإسرائيلي جدعون ساعر في أبريل 2025 بمقترح رسمي إلى محافظ بنك إسرائيل، البروفيسور أمير يارون، يطالب فيه بإلغاء الأوراق النقدية من فئة 200 شيكل. وُجهت هذه الدعوة تحت ذريعة تقليل تمويل المنظمات الفلسطينية في غزة، مع تركيز خاص على حركة حماس.
المبررات الأمنية
استند ساعر في مقترحه على تقارير استخباراتية تفيد بأن 80% من الأموال التي تمتلكها حماس مخزنة في شكل أوراق نقدية من الفئة المذكورة. زعم أن الإلغاء سيُضعف القدرة المالية للحركة ويعيق عملياتها اللوجستية.
حظي المقترح بدعم قوي من رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، الذي وصف الفكرة بأنها “ممتازة”، ووزير المالية بتسلئيل سموتريتش، بالإضافة إلى وزراء آخرين في الحكومة الائتلافية. نوقش المقترح بشكل مكثف خلال جلسات مجلس الوزراء، مع تأكيدات على “أهميته الاستراتيجية”.
واجهت الفكرة رفضاً قاطعاً من بنك إسرائيل، الذي أكد أن الإلغاء “غير مطروح على جدول الأعمال”. أشار البنك إلى أن الصلاحية القانونية لإصدار أو سحب العملات تقع ضمن اختصاصه الحصري، مع تحذيرات من “عواقب اقتصادية غير محسوبة”.
إشكالية التنفيذ
طرح خبراء اقتصاديون تساؤلات حول إمكانية فصل الأوراق النقدية المتداولة في غزة عن تلك الموجودة في إسرائيل. أشاروا إلى صعوبة تحديد “السلسلة النقدية المستهدفة” دون إلحاق ضرر بالاقتصاد الإسرائيلي الداخلي.
ناقش محللون إمكانية تحول سكان غزة إلى استخدام عملات بديلة مثل الدولار أو الدينار الأردني، مما قد يُفشل الهدف الأساسي من المقترح.
يعاني القطاع منذ أشهر من نقص حاد في العملات الورقية بسبب القيود الإسرائيلية على إدخال الأموال. أدى ذلك إلى ظهور سوق سوداء تفرض عمولات تصل إلى 30% على عمليات السحب النقدي.
حذر اقتصاديون فلسطينيون من أن الإجراء سيزيد من معاناة المدنيين، بينما قد تجد حماس طرقاً للتكيف عبر أنظمة مالية موازية.
مصادر التمويل
تشير تقارير إلى أن الحركة تعتمد على تحصيل رسوم من وكالات الإغاثة وتجارة الوقود عبر الأنفاق. تُقدَّر إيراداتها الشهرية بملايين الشواقل، مع سيطرتها على شبكة صرافة محلية.
يثير الخبراء شكوكاً حول المزاعم الإسرائيلية بشأن نسبة 80%، مشيرين إلى عدم وجود أدلة ملموسة تدعم هذه الأرقام.
كشف المقترح عن توترات بين المؤسسة المصرفية والسلطة التنفيذية. حاول ساعر تطويق رفض البنك عبر اقتراح “مسارات سياسية بديلة”، مما أثار تساؤلات حول احترام الفصل بين السلطات.
يرى مراقبون أن الدعم الحكومي للمقترح يعكس رغبة في استعراض “الإنجازات الأمنية” أمام الرأي العام الإسرائيلي، أكثر من كونه إستراتيجية مالية مدروسة.
يُجسِّد هذا المقترح استمرار سياسة العقوبات الجماعية ضد غزة، التي تدفع ثمنها الأسر الفلسطينية العادية. بينما تتصاعد الانتقادات الدولية لـ”الحصار الاقتصادي”، تبقى التساؤلات حول فعالية هذه الإجراءات في تحقيق الأهداف الأمنية المعلنة.










