أرام كيوان
يعد الحديث الصريح في المسألة الدرزية من إحدى الأمور الصعبة، لأن مثل هذه المسألة فيها من التناقضات والمفارقات ما فيها، ولأن فيها من الحساسية الاجتماعية الكثير كذلك والأهم أن كل كلمة غير موفقة قد نستوعب كهمس “طائفي” وربما تحريض مباشر، وكذلك فوجود الزعامة الدينية يجعلنا نصطدم بحواجز المقدس الديني الذي يقيد النقاش الحر.
المسألة الدرزية ليسَت قضية ضاربة في القدم بل قضية تبدأ بعد النكبة وقيام إسرائيل، أما قبلها فلم يكن هناك اضطهاد للدروز فلسطينيًا وفي نكبة العام 1948 إحدى القرى المهجرة كانت قرية “مغر الخيط” الدرزية.
أي أن ما نسميه “المسألة الدرزية” من أساسها هي نتاج ترتيبات ومشروع استعماري وليست صراعات قديمة في المنطقة تم إعادة إنتاجها بما يتلاءم مع علاقات القوة الحديثة.
يهدف المشروع الإسرائيلي لا فقط إلى “فرق تسد” بل إلى اقتلاع عنصر ومكون أصيل من نسيج المنطقة وتحويله إلى بيدق ضمن إستراتيجية هيمنة شاملة. وقد فرض هذا المشروع فرضًا، فليس من الصحيح أن الدروز هم الذين طالبوا بالتجنيد، فعندما أقرت إسرائيل تجنيد الدروز كان عدد الموقعين مع التجنيد الإلزامي هو 40 شخصًا في حين كان عدد الموقعين ضد التجنيد 1600 شخصًا.
دروز سوريا: أقلية دينية في مرمى النزاعات الإقليمية
سوريا.. حكمت الهجري يكشف موقفه من تجدد احتجاجات الدروز في السويداء
تشكيل المجلس العسكري في السويداء: دروز سوريا في مواجهة انتهاكات سلطة الشرع
تنقسم المسألة الدرزية إلى ثلاثة أدوار: التمثيل الدرزي بين الزعامة الدينية والقيادة “العلمانية”، المشاريع الإسرائيلية، الامتداد الإقليمي الشامي.
وجود هذه المفارقة بين زعامة دينية وزعامة علمانية تتحمل الأنظمة في لبنان وسوريا -لا سيما البعث السوري- مسؤولية كبيرة فيها، كونها اتجهت إلى تركيب هوية قومية بناءً على الفسيفساء الطائفي ند الدولة الأمة الحديثة، ومن الطبيعي أن تتجه الأمور إلى انفجار التناقضات المضمرة عند سقوط هذا الصرح كما حدث في العراق وسوريا.
المشاريع الإسرائيلية لا تقتصر على “فرق تسد”، بل تمتد إلى خلق “قومية درزية” و”خصوصية درزية” بهدف انتزاع المكون الدرزي من التكوينة الاجتماعية الفلسطينية والشامية ككل.
السياسات المتبعة في هذا المشروع، أي خلق قومية درزية، اشتملت على تدريز التعليم والتجنيد الإلزامي وإبقاء الدروز كأقل المهمشين تهميشًا في السياق المواطني، إن كان في سوق العمل وهندسة الدمج السياسي في الخارطة السياسية الصهيونية.
مشايخ الدروز يرفضون تقسيم سوريا ويحذرون من الفتنة الطائفية
نتنياهو يعلن عن غارة إسرائيلية قرب قصر الشرع في دمشق ويجدد التعهد بحماية الدروز
يمكن القول أن المشروع الإسرائيلي قد نجح بشكل عام -وليس تام- وانتشر شعور “القومية الدرزية” بقيادة الزعامة الدينية والانتقال من “فرق تسد” إلى تحالف غير متكافئ ولكنه ليس تبعيًا بالكامل، وفي جزء كبير منه اختياري. فعلى سبيل المثال عند إقرار قانون أساس القومية (2018) شهد الشارع الدرزي مظاهرات تطالب ب”المساواة المدنية” وإضافة بند المساواة إلى القانون -وليس إلغاء القانون- وهذا يعطينا صورة غاية في الوضوح عن الالتباس في الخطاب والتموضع.
ونزيد على هذا عندما رفض نواب القائمة المشتركة الانضمام إلى مبادرة غدير مدريح لتعديل قانون أساس القومية وإضافة بند “المساواة”، كان المنطلق هو أن القانون نفسه يقر بأحقية اليهود في أرض فلسطين قانونيًا، وجواب مريح هو أنها “واقعية”.
إعدام حسام ورور رئيس بلدية صحنايا وولده رميا بالرصاص على يد عناصر نظام أحمد الشرع “فيديو”
دروز سوريا يهددون الشرع: حماية دولية أو مواجهة مفتوحة “فيديو”
السقوط المدوي للبعث السوري في أواخر العام 2024 خلف معه تبعثر الفسيفساء المكونة للهوية القومية وبداية مرحلة جديدة من المسألة الدرزية، وهو طور الانتقال إلى مسألة درزية شامية.
تصاعد العنف في سوريا الطائفي في سوريا وتراجع مشروع الدولة الأمة الحديثة أخلى الجو لإسرائيل لتنقل المسألة الدرزية إلى مستوىً شامي كامل، والهدف اليوم تجاوز خلق قومية درزية إلى خلق دولة درزية موالية لإسرائيل على نمط دولة سعد حداد في جنوب لبنان، أو على نمط الممالك الصليبية قديمًا.
ميليشيات الجولاني والمشاريع الإسرائيلية يحققان هدفًا واحدًا في التحليل الأخير، هو اقتلاع مركب طبيعي في المنطقة وقتل مشاريع بناء الدولة الأمة الحديثة في الشام من خلال الإبقاء على إدارة الطائفية.
كأي مسألة طائفية فإن الحل النهائي هو التحرر الوطني وبناء الدولة الحديثة التي تلغي الطوائف ككيانات اجتماعية منظمة وتخلق حالة من السيولة العامة التي تحول الناس إلى مواطنين أمام القانون وعناصر فاعلة في السوق.
ختامًا، المسألة الدرزية لا تقتصر على الدروز بل هي قضية اليسار والتقدميين والوطنيين العرب.










