شهد سعر الدولار في مصر خلال عام 2025 استقراراً نسبياً عند مستويات مرتفعة، تراوحت بين 50 و55 جنيهاً للدولار، بعد موجات متتالية من الانخفاض الحاد للجنيه المصري منذ تطبيق سياسة سعر الصرف المرن في مارس 2024.
ورغم ترويج الحكومة لهذا الاستقرار كنجاح للسياسات النقدية، إلا أن القراءة النقدية تكشف عن جوانب قصور واضحة في إدارة الملف الاقتصادي وتداعياته الاجتماعية.
نقد السياسات الحكومية
تحرير سعر الصرف: مكاسب شكلية وخسائر اجتماعية
تبنت الحكومة المصرية سياسة تحرير سعر الصرف تحت ضغط صندوق النقد الدولي، ما أدى فعلياً إلى القضاء على السوق السوداء وجذب بعض الاستثمارات الأجنبية. لكن هذا التحول جاء مصحوباً بارتفاعات قياسية في معدلات التضخم، حيث وصلت إلى أكثر من 33% بعد التعويم، وتآكلت القوة الشرائية للمواطنين، خاصة الطبقات المتوسطة والفقيرة. لم تواكب الحكومة هذا التحول بإجراءات حمائية كافية، ما جعل المواطن يتحمل كلفة الإصلاح منفرداً.
الفائدة المرتفعة.. علاج مؤقت لا يعالج الجذور
لجأت الحكومة إلى رفع أسعار الفائدة إلى مستويات تاريخية (تجاوزت 27%) في محاولة لكبح التضخم وجذب رؤوس الأموال الأجنبية. ورغم أن هذه السياسة ساعدت نسبياً في تقليل الفجوة بين السوق الرسمية والموازية، إلا أنها رفعت تكلفة الاقتراض المحلي وأثقلت كاهل القطاع الخاص والموازنة العامة، دون معالجة أسباب الأزمة الهيكلية مثل ضعف الإنتاجية ونقص العملة الصعبة.
غياب رؤية واضحة للإصلاح الهيكلي
تركزت الإجراءات الحكومية على استجابة قصيرة الأجل للأزمات النقدية دون خطة اقتصادية متكاملة تعالج جذور المشكلة، مثل ضعف الصادرات وتراجع السياحة والاستثمار الأجنبي المباشر. ويظل الاقتصاد عرضة للصدمات الخارجية، مع استمرار الاعتماد على التمويل الخارجي وتدفقات الأموال الساخنة.
النتائج والتداعيات
استقرار هش ومؤقت
الاستقرار الحالي في سعر الدولار أمام الجنيه المصري لا يعكس تحسناً حقيقياً في المؤشرات الاقتصادية، بل هو نتيجة مباشرة لتدخلات البنك المركزي وسياسات نقدية متشددة. تشير التوقعات إلى أن الجنيه المصري سيظل تحت الضغط، مع احتمالية تراجعه إلى مستويات 54-55 جنيهاً للدولار بنهاية 2025 إذا لم تتحقق إصلاحات هيكلية حقيقية.
ارتفاع معدلات الفقر وتآكل الدخول
أدت سياسات الحكومة إلى زيادة أسعار السلع والخدمات بشكل كبير، ما انعكس سلباً على مستويات المعيشة ورفع معدلات الفقر، دون وجود سياسات حماية اجتماعية كافية تواكب هذا التحول.
ثقة مشروطة من المستثمرين والمؤسسات الدولية
رغم إشادة بعض المؤسسات الدولية بالإصلاحات، إلا أن هذه الثقة مشروطة باستمرار الحكومة في تنفيذ إصلاحات أعمق وأكثر اتساقاً، مع تحذيرات من أن أي تراجع أو تباطؤ في الإصلاح سيعيد الضغوط على الجنيه ويهدد الاستقرار النقدي.
تروج الحكومة المصرية لاستقرار سعر الدولار كإنجاز اقتصادي، لكن الواقع يكشف أن هذا الاستقرار هش وقائم على إجراءات مؤقتة لا تعالج جذور الأزمة. المواطن المصري هو من يدفع الثمن الأكبر من خلال تآكل الدخول وارتفاع الأسعار، فيما تظل الحاجة ملحة إلى إصلاحات هيكلية شاملة تضمن استدامة الاستقرار وتحسن مستوى المعيشة.











