شهدت أسعار الإيجارات السكنية في منطقة القاهرة الكبرى قفزة هائلة منذ بداية عام 2025، حيث ارتفعت بنسبة 60% وسط جدل متصاعد حول مشروع قانون الإيجار القديم الذي يناقشه البرلمان المصري حاليا.
وصل متوسط الإيجار الشهري للوحدات السكنية إلى 4 آلاف جنيه مقارنة بـ2500 جنيه في نهاية 2024، مما فاقم أزمة السكن للطبقة المتوسطة والفقيرة.
يأتي هذا الارتفاع في ظل مقترحات حكومية لزيادة الإيجارات القديمة إلى 20 ضعف قيمتها الحالية وتحديد مهلة خمس سنوات لتحرير العلاقة الإيجارية، مما يثير مخاوف من تداعيات اجتماعية واقتصادية خطيرة على ملايين المصريين.
ارتفاع غير مسبوق في أسعار الإيجارات السكنية
قفزت أسعار الإيجارات السكنية في محيط القاهرة الكبرى (القاهرة والجيزة والقليوبية) بنسبة 60% منذ بداية العام الجاري 2025، ليصل متوسط سعر العقود الإيجارية إلى 4 آلاف جنيه شهريا، بدلا من 2500 جنيه بنهاية العام الماضي.
وأشار عادل سليمان، رئيس مجلس إدارة إحدى شركات التسويق العقاري بمحافظة القليوبية، إلى أن متوسط سعر الإيجار في عدد كبير من المناطق بالمحافظة، يتراوح حاليا بين 3500 و5500 جنيه، مقارنة بمستويات تتراوح بين 2 و3 آلاف جنيه في الربع الأخير من العام الماضي.
وتتوافق هذه الأرقام مع تقارير شركة “جيه إل إل” للاستشارات العقارية، التي أشارت إلى زيادات كبيرة في أسعار الإيجارات بمختلف المناطق، حيث ارتفعت في القاهرة الجديدة بنسبة 124% و116% في الربع الثالث من 2024 مقارنة بنفس الفترة من العام السابق، كما ارتفعت بنسبة 115% في مدينة السادس من أكتوبر خلال نفس الفترة.
تغير في شروط وطبيعة التعاقدات
من الملاحظ أن طبيعة العقود الإيجارية الجديدة قد تغيرت أيضا، حيث أصبح الملاك يميلون إلى تقصير مدة العقود. فبعد أن كانت تمتد لخمس أو سبع سنوات، أصبحت الآن لا تتعدى عامين أو ثلاثة على الأكثر، مع اشتراط زيادة سنوية بنسبة 10% مقارنة بـ5% و7% في السابق.
هذا التغيير يعكس قلق الملاك من استمرار ارتفاع الأسعار وتراجع قيمة العملة.
مشروع قانون الإيجار القديم: بوادر تغيير جذري
بدأ البرلمان المصري مناقشة مشروع قانون الإيجار القديم الذي قدمته الحكومة، والذي يهدف إلى معالجة ملف عقود الإيجار التي أبرمت وفقا للقوانين السابقة أرقام 49 لسنة 1977 و136 لسنة 1981.
وتأتي هذه المناقشات استجابة لحكم المحكمة الدستورية العليا الصادر في نوفمبر 2024، والذي قضى بعدم دستورية تثبيت الأجرة السنوية للأماكن المرخص بإقامتها لأغراض السكن.
الملامح الرئيسية للقانون المقترح
يتضمن مشروع القانون المقدم من الحكومة عدة مواد أساسية تشكل تغييرا جذريا في منظومة الإيجار القديم:
- زيادة القيمة الإيجارية: رفع الإيجار إلى 20 ضعف القيمة الحالية للوحدات السكنية، مع تحديد حد أدنى قدره 1000 جنيه شهريا في المدن و500 جنيه في القرى.
- زيادة سنوية مستمرة: ارتفاع القيمة الإيجارية بنسبة 15% سنويا من القيمة السابقة.
- تحديد مدة انتهاء العقود: تنتهي كل عقود الإيجار القديمة بعد خمس سنوات من بدء تطبيق القانون، ما لم يتفق الطرفان على غير ذلك.
- إجراءات الإخلاء: يلتزم المستأجر بالإخلاء بعد خمس سنوات، ويجوز للمالك استصدار أمر بالطرد من قاضي الأمور الوقتية.
- تعويض المستأجرين: مقترح بإضافة مادة تسمح بإنهاء العلاقة الإيجارية مبكرا خلال السنوات الثلاث الأولى، مع حصول المستأجر على تعويض يعادل 25% من القيمة السوقية للوحدة.
أسباب ارتفاع الإيجارات الحالية
تتعدد الأسباب وراء الارتفاع الحاد في أسعار الإيجارات السكنية في القاهرة الكبرى، ومن أبرزها:
الترقب والاستباق لقانون الإيجار القديم
يرى أسامة سعد، المدير التنفيذي لغرفة التطوير العقاري باتحاد الصناعات، أن ارتفاع أسعار العقود الإيجارية بغرض السكن جاء نتيجة للجهود الحكومية الرامية إلى حل أزمة “الإيجار القديم”. فالتوقعات بزيادة الإيجارات القديمة دفعت الملاك الحاليين إلى رفع قيمة العقود الجديدة، نظرا لتضاؤل حجم الفرص البديلة في السوق.
الزيادة في أسعار العقارات بشكل عام
ارتفاع أسعار الإيجارات جاء متماشيا مع زيادة أسعار الوحدات السكنية نفسها، حيث يشير عادل سليمان إلى أنه “لا يوجد شخص سيشتري وحدة ثمنها يقترب من المليون جنيه، ويسمح بتأجيرها بألف أو ألفين جنيه شهريا”. وتتوقع مصادر عقارية ارتفاع أسعار العقارات في 2025 بنسبة تتراوح بين 15% و20% على الأقل.
تأثير الجالية العربية
ساهمت الجالية العربية، خاصة السودانية، في رفع القيم الإيجارية للوحدات السكنية بالمناطق الشعبية بنسبة كبيرة.
وأوضح أشرف سطوحي، وسيط عقاري في محافظة الجيزة، أن الأسر السودانية كانت تستأجر الوحدة المفروشة بقيمة تتجاوز الـ15 والـ20 ألف جنيه شهريا، موزعة على متوسط 3 أو 4 أسر في كل شقة.
احتياج الملاك للعائد المادي
في ظل الظروف الاقتصادية الحالية وارتفاع التضخم الذي بلغ 28.3% في 2024، يسعى ملاك الوحدات السكنية إلى زيادة العائد المادي من ممتلكاتهم لتلبية احتياجاتهم المتزايدة.
التداعيات الاجتماعية والاقتصادية
يثير ارتفاع أسعار الإيجارات ومشروع قانون الإيجار القديم مخاوف اجتماعية واقتصادية عميقة، حيث حذر عضو مجلس النواب عاطف مغاوري من أن إقرار مشروع القانون يمثل “ذبحا للمستأجرين الذين دفعوا مبالغ مالية كبيرة عند تحرير العقد تتناسب مع القيمة السوقية للشقة آنذاك”، محذرا من “تسريح ملايين الأسر”. وهناك مخاوف من أن يجبر المستأجرون غير القادرين على الانتقال إلى مناطق أو أحياء فقيرة وغير رسمية.
ومن المتوقع أن يؤدي تدفق مستأجري الإيجار القديم إلى سوق الإيجارات الجديدة غير المنظمة إلى ارتفاع الأسعار بشكل أكبر، مما يجعل السكن غير ميسر للمستأجرين الحاليين والنازحين على حد سواء.









