الهند وباكستان على حافة الحرب: عملية “سندور” تشعل أخطر مواجهة منذ سنوات
في تصعيد خطير يهدد بتحويل منطقة جنوب آسيا إلى بؤرة توتر دولية، شنت الهند فجر الأربعاء 7 مايو 2025 هجمات صاروخية على مواقع داخل باكستان وكشمير الباكستانية، مما أسفر عن مقتل 26 شخصاً وإصابة 46 آخرين وفقاً للتقارير الباكستانية. وسرعان ما جاء الرد الباكستاني بقصف عبر الحدود وزعم إسقاط 5 طائرات هندية، في تطور هو الأخطر بين القوتين النوويتين منذ سنوات، ويعيد للواجهة الصراع المزمن حول إقليم كشمير المتنازع عليه.
التصعيد العسكري الأخير: عملية “سندور” وتداعياتها
أعلنت وزارة الدفاع الهندية أن عملياتها العسكرية، التي أطلقت عليها اسم “عملية سندور”، استهدفت تسعة مواقع وصفتها بأنها “بنية تحتية إرهابية” في باكستان ومناطق تسميها الهند “كشمير الخاضعة للاحتلال الباكستاني”. وأوضحت الوزارة في بيانها أن “إجراءاتنا كانت مُركّزة ومحسوبة وغير تصعيدية في طبيعتها. لم يتم استهداف أي منشآت عسكرية باكستانية”.
وقال المتحدث العسكري الباكستاني اللواء أحمد شار تشودري في مؤتمر صحفي إن الصواريخ الهندية ضربت أربعة مواقع في البنجاب واثنين في كشمير الخاضعة للإدارة الباكستانية. وأضاف أن أشد هجوم وقع في أحمد بور شرقية بالقرب من مدينة بهاولبور في البنجاب، حيث تعرض مجمع مسجد للقصف، مما أسفر عن مقتل خمسة أشخاص من بينهم طفلة عمرها ثلاث سنوات.
وقد صرّح رئيس الوزراء الباكستاني شهباز شريف عقب الهجمات: “باكستان لديها كل الحق في الرد بقوة على هذا العمل الحربي الذي فرضته الهند، والرد القوي قادم بالفعل”. وفي المقابل، اجتمع رئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي مع لجنة الأمن في مجلس الوزراء لتقييم الموقف.
سبب التصعيد: هجوم باهالغام والاتهامات المتبادلة
يأتي هذا التصعيد الخطير بعد 15 يوماً من هجوم دموي استهدف سياحاً في بلدة باهالغام الجميلة بكشمير الخاضعة للإدارة الهندية في 22 أبريل 2025، والذي أسفر عن مقتل 26 شخصاً، معظمهم من السياح الهندوس. وتتهم الهند مجموعة تسمى “جبهة المقاومة” (The Resistance Front) بتنفيذ المجزرة، مدعية ارتباطها بمنظمة لشكر طيبة التي تتخذ من باكستان مقراً.
وخلال مؤتمر صحفي، حدد وزير الخارجية الهندي فيكرام ميسري مجموعة تُعرف باسم “جبهة المقاومة” كمسؤولة عن المذبحة في كشمير، مدعياً أنها مرتبطة بمنظمة “لشكر طيبة” الباكستانية المصنفة إرهابية من قبل الأمم المتحدة. وفي المقابل، نفت باكستان بشكل قاطع أي مشاركة في حادث باهالغام.
الخلفية التاريخية للنزاع: تمرد 1989 وتداعياته
تعود جذور التمرد المسلح في كشمير إلى عام 1989، وترتبط بنزاع حول الحكم الذاتي المحلي. وكانت بداية المشكلة حين تم تقييد التطور الديمقراطي في كشمير حتى أواخر سبعينيات القرن الماضي، وبحلول عام 1988، تم التراجع عن العديد من الإصلاحات الديمقراطية التي قدمتها الحكومة الهندية.
وفي عام 1987، أثارت انتخابات ولاية متنازع عليها حافزاً للتمرد عندما قاد بعض أعضاء الهيئة التشريعية في الولاية إلى تشكيل جماعات متمردة مسلحة. وفي يوليو 1988، أدت سلسلة من المظاهرات والإضرابات والهجمات ضد الحكومة الهندية إلى اندلاع تمرد كشمير الذي أصبح في التسعينيات مشكلة الأمن الداخلي الأهم في الهند.
تزعم باكستان أنها تقدم الدعم “الأخلاقي والدبلوماسي” للحركة الانفصالية، بينما اتهمت الهند والمجتمع الدولي المخابرات الباكستانية بدعم وتوريد الأسلحة وتدريب المجاهدين للقتال في جامو وكشمير. وفي عام 2015، اعترف الرئيس السابق لباكستان برويز مشرف بأن بلاده دعمت الجماعات المتمردة ودربتها في التسعينيات.
تحولات الجماعات المسلحة: من القديم إلى الجديد
الجماعات التقليدية والتراجع النسبي
كان “حزب المجاهدين” الذي تأسس في عام 1989 أبرز جماعة مسلحة في كشمير. أسسها محمد أحسن دار في سبتمبر 1989، كمجموعة جامعة للمسلحين الإسلاميين، وسرعان ما أصبحت تحت سيطرة الجماعة الإسلامية في كشمير – وهي تعتبر الجناح العسكري للجماعة الإسلامية.
وكانت مدعومة، منذ إنشائها، من قبل المخابرات الباكستانية، ويقع مقرها الرئيسي في مظفر أباد في كشمير الخاضعة للإدارة الباكستانية، ولها مكاتب اتصال في إسلام أباد وروالبندي. وتصنف كمجموعة إرهابية من قبل حكومات الهند، والاتحاد الأوروبي، والولايات المتحدة، وكندا، ومع ذلك فهي لا تزال منظمة تعمل بشكل قانوني في باكستان.
صعود كيانات جديدة بهويات متحولة
بعد إلغاء المادة 370 من الدستور الهندي عام 2019، برزت جماعات جديدة بأسماء تحاول الابتعاد عن الهوية الإسلامية المباشرة، منها:
جبهة المقاومة (TRF): تأسست عام 2019، وبرزت كقوة فاعلة في المنطقة. يعتقد أنها واجهة لجماعة لشكر طيبة، وقد شاركت في العديد من الهجمات البارزة.
الجبهة الشعبية المناهضة للفاشية (PAFF): تأسست عام 2020 على يد جيش محمد أو لشكر طيبة، وهما جماعتان جهاديتان مقرهما باكستان. وهي مسؤولة عن قتل مدنيين ومسؤولين حكوميين، ومهاجمة القوات الهندية، وتجنيد الشباب وتدريبهم على التعامل مع الأسلحة والذخائر والمتفجرات.
وتحاول هذه الجماعات الجديدة الظهور بمظهر أكثر “علمانية” مقارنة بالجماعات التي سبقتها مثل جيش محمد ولشكر طيبة وحزب المجاهدين، من حيث تسمياتها وشعاراتها وطبيعة رسائلها. فعلى سبيل المثال، تركز مجموعات مثل الجبهة الشعبية المناهضة للفاشية أو جبهة المقاومة التي تدعمها لشكر طيبة على مصطلحات مثل “المقاومة ضد الاحتلال” و”الفاشية” و”القوات الفاشية”.
التطورات الأمنية والسياسية بعد إلغاء المادة 370
في أغسطس 2019، قامت الحكومة الهندية بتجريد كشمير من تمتعها بقدر من الحكم الذاتي، الذي كان مكرساً في دستور الهند. وبعد هذا القرار، ظهرت جماعات إرهابية جديدة وتكيفت مع العصر الرقمي، مستخدمة منصات مثل تيليغرام لإطلاق بيانات رسمية وتعظيم انتشارها عبر الإنترنت.
وتبث هذه القنوات بانتظام مواد دعائية بعد الهجمات وغالباً ما تنتقد الأحداث السياسية أو قرارات الحكومة في محاولة لتبرير هجماتها وإثارة المزيد من الانقسام. ويلعب هذا الوجود الرقمي دوراً حاسماً لهذه المنظمات الإرهابية، مما يسمح لها بالتأثير على تصور الجمهور والحفاظ على أهميتها في المنطقة على الرغم من انخفاض الوجود المادي للمسلحين.
السياق الجيوسياسي: كشمير كنقطة اشتعال
كشمير، المنطقة المقسمة بين الدولتين والتي يطالب كل منهما بها بالكامل، كانت في مركز التوترات لعقود وخاضوا حربين من أجلها. وفي أعقاب إلغاء المادة 370، كانت هناك إعادة ظهور ملحوظة للجماعات الإرهابية التي تعمل تحت أسماء جديدة، وهي تحديداً جبهة المقاومة (TRF) – التي تديرها لشكر طيبة – ونمور كشمير، التي تديرها جماعة جيش محمد.
وقد تكيفت هذه الجماعات مع العصر الرقمي، مستخدمة منصات مثل تيليغرام لإطلاق بيانات رسمية وتعظيم انتشارها عبر الإنترنت. وتنشر هذه القنوات بانتظام مواد دعائية بعد الهجمات وغالباً ما تنتقد الأحداث السياسية أو قرارات الحكومة في محاولة لتبرير هجماتها وإثارة المزيد من الانقسام.
تداعيات التصعيد الحالي ومخاطر التصعيد النووي
يمثل التصعيد الحالي بين الهند وباكستان أخطر مواجهة بين البلدين منذ سنوات، حيث استهدفت الضربات الهندية مواقع في البنجاب، أكثر المقاطعات اكتظاظاً بالسكان في باكستان، مما يمثل أول تدخل عسكري من هذا الحجم منذ آخر صراع كامل قبل أكثر من خمسين عاماً، مما أثار مخاوف من احتمال تصعيد العدائيات.
وحذر خبراء من أن إمكانية التصعيد أكبر الآن من الأوقات الأخيرة، نظراً لشدة الهجوم الهندي، الذي تم وصفه بـ “عملية سندور”. وفي اللغة الهندية، “سندور” يشير إلى مسحوق أحمر تضعه النساء الهندوسيات على جباههن أو مفارق شعرهن كرمز للزواج.
مستقبل الصراع
يمثل الوضع في جامو وكشمير تحدياً مركباً يجمع بين الصراع المسلح، والتطرف الديني، والمنافسة الجيوسياسية بين دولتين نوويتين. ورغم انخفاض مؤشرات العنف في السنوات الأخيرة، فإن التحولات في طبيعة الجماعات المسلحة، وتطور تكتيكاتها، واستمرار الدعم الخارجي، كلها عوامل تعيد إنتاج الأزمة بشكل مستمر.
يتطلب تحقيق الاستقرار في المنطقة نهجاً شمولياً يشمل الحلول الأمنية، والتنمية الاقتصادية، والحوار السياسي بين الدول المعنية. ومع ذلك، فإن المخاوف من تصاعد المواجهة الحالية إلى حرب شاملة تبقى قائمة، خاصة مع امتلاك كلا البلدين أسلحة نووية، مما يجعل من الضروري تدخل المجتمع الدولي لاحتواء الأزمة قبل أن تتفاقم.










