غنيوة الككلي: المسار المعقد لقائد ميليشيا تحول إلى رمز للفوضى الأمنية في ليبيا
شكّل مقتل عبد الغني بلقاسم الككلي، المُلقب بـ”غنيوة”، في مايو 2025 نقطة تحول في المشهد الأمني بطرابلس، حيث مثّل الرجل تجسيداً لتحالف الميليشيات مع الطبقة السياسية في غرب ليبيا. من سجين مُدان بجرائم قتل إلى قائد لأكبر جهاز أمني شبه حكومي، رسم غنيوة مساراً يعكس تعقيدات الانتقال من ثورة إلى فوضى، ومن فوضى إلى نظام حكم هشّ تتحكم فيه الجماعات المسلحة.
النشأة والتحول إلى عالم الجريمة
وُلد عبد الغني الككلي في بنغازي عام 1978، قبل أن تنتقل عائلته إلى حي أبو سليم الشعبي في طرابلس، حيث ترعرع في بيئة فقيرة. انقطع عن التعليم مبكراً، وعمل في مخبز والده، لكنه انجذب سريعاً إلى عالم الجريمة المنظم. بحلول مطلع الألفية، أصبح اسمه مرتبطاً بشبكات تهريب المخدرات والأسلحة، وهو ما أدى إلى إدانته عام 2004 في قضية قتل وحُكم عليه بالسجن 14 عاماً.
التحرر من السجن وتشكيل الميليشيا
أفرجت أحداث ثورة 2011 عن غنيوة مع سقوط نظام القذافي، حيث استغل الفراغ الأمني لتشكيل ميليشيا “الأمن المركزي” التي اتخذت من حي أبو سليم معقلاً لها. اعتمدت المجموعة على تجنيد العناصر الإجرامية وضحايا النظام السابق، مستغلة حالة الانقسام السياسي لتعزيز نفوذها.
من الميليشيا إلى مؤسسة الدولة الموازية
في تحول جذري عام 2021، أصدر المجلس الرئاسي التابع لحكومة الوحدة الوطنية قراراً بدمج ميليشيا غنيوة ضمن الهيكل الرسمي للدولة تحت مسمى “جهاز دعم الاستقرار”. منح هذا القرار الشرعية القانونية للجهاز، الذي حصل على تمويل رسمي تجاوز 16.8 مليون دينار ليبي من وزارة المالية، وفق وثائق مسربة.
الصلاحيات والانتهاكات
تمتع الجهاز بصلاحيات واسعة شملت “حماية المقرات الرسمية” و”مكافحة الإرهاب”، لكن التقارير المحلية والدولية اتهمته بإدارة معتقلات سرية ومصادرة الممتلكات. أشارت منظمات حقوقية إلى استخدام التعذيب المنهجي ضد المعتقلين، بما في ذلك حالات اختفاء قسري لمعارضين سياسيين.
الدور في الصراعات الداخلية
لعب غنيوة دوراً محورياً في الحروب الأهلية الليبية، حيث شارك ميليشياته في معارك 2014 ضد قوات الكرامة بقيادة خليفة حفتر. كما تحالف مع فصائل مصراتة لإخراج ميليشيات الزنتان من طرابلس، في عمليات شهدت تدميراً ممنهجاً للمناطق الموالية للخصوم.
التحالفات المتغيرة
تميزت استراتيجية غنيوة بالمرونة السياسية، حيث تحالف مع حكومة الوفاق برئاسة فايز السراج ضد وزير الداخلية فتحي باشاغا، قبل أن ينقل ولاءه لاحقاً إلى حكومة عبد الحميد الدبيبة. هذه التحولات أكسبته لقب “رجل الظل” في معادلات القوة الطرابلسية.
الاغتيال وتداعياته الأمنية
اندلعت الاشتباكات المسلحة في 12 مايو 2025 بين قوات جهاز دعم الاستقرار واللواء 444 التابع لمدينة مصراتة، حيث استخدمت الأسلحة الثقيلة في معارك شوارع بمنطقة صلاح الدين. أدت المواجهات إلى مقتل غنيوة وإخلاء مطار معيتيقة الدولي، مما دفع البعثة الأممية لإصدار تحذيرات عاجلة من تصاعد العنف.
فراغ السلطة وانقسام الميليشيات
خلّف مقتل غنيوة فراغاً في قيادة الجهاز، ما أدى إلى انقسامات داخلية بين الموالين لعائلته وقادة الألوية الفرعية. شهدت طرابلس تحشيدات عسكرية من مصراتة وزوارة، بينما حاولت كتائب أبو سليم السيطرة على مقرات الجهاز الحيوية.
الردود الدولية وانعكاسات المستقبل
أعربت السفارة الأمريكية والاتحاد الأوروبي عن قلقهما من تدهور الأوضاع، داعيين إلى حوار وطني شامل. من ناحية أخرى، بدأت تحركات شعبية في أحياء طرابلس تطالب بإخراج الميليشيات، في إشارة إلى احتمال تحول في المشهد السياسي[.
التحديات القانونية الدولية
كشف تقرير لقناة “المحور السابع” عن تحقيقات دولية تتعلق بجرائم عابرة للحدود نسبت لغنيوة، بما في ذلك تهريب وقود مدعوم إلى مالطا وتمويل شبكات تهرب عبر السواحل الليبية. هذه الاتهامات تطرح أسئلة حول إمكانية ملاحقة قيادات الجهاز المتبقين.
إرث من الفوضى وأسئلة المصير
يرحل غنيوة الككلي تاركاً وراءه إرثاً معقداً من العنف والتحالفات الهشة، حيث تُختزل قصته في مفارقة تحول المجرم إلى حامي النظام. بينما تحاول الأطراف الدولية دفع عملية سياسية جديدة، تبقى طرابلس رهينة لمعادلة القوة الميليشياوية التي قد تحتاج سنوات لإعادة هيكلتها.
