شهدت فرنسا أزمة حادة في صادرات السلاح بعد إسقاط ثلاث مقاتلات رافال هندية في المواجهة الأخيرة مع باكستان، ما أدى إلى تراجع ثقة الأسواق العالمية في فعالية السلاح الفرنسي. الهند، التي تعد أكبر زبون للسلاح الفرنسي بنسبة 28% من صادرات فرنسا العسكرية، وقعت مؤخراً صفقة بقيمة 7.4 مليار دولار لشراء 26 طائرة رافال، لكن هذه الصفقة باتت مهددة بعد الخسائر الأخيرة وتزايد الانتقادات حول ارتفاع التكلفة وضعف الأداء.
في المقابل، سجلت الصين قفزة هائلة في صادرات السلاح، إذ ارتفعت مبيعاتها إلى الشرق الأوسط وحده من 398 مليون دولار عام 2010 إلى أكثر من 43 مليار دولار عام 2023، وحققت نمواً بنسبة 143% خلال خمس سنوات فقط. كما أصبحت الصين ثالث أكبر مصدر للسلاح عالمياً، متجاوزة فرنسا وألمانيا، وتعتمد باكستان على الصين في 82% من وارداتها العسكرية، ما عزز قدرتها على مواجهة التفوق الجوي الهندي المدعوم بالرافال الفرنسية.
هذه التحولات تعكس تغيراً جذرياً في خريطة تجارة السلاح العالمية، مع تراجع واضح لمكانة فرنسا وصعود الصين كقوة تصديرية كبرى في سوق السلاح.
تعد فرنسا من أعرق الدول في مجال الصناعات العسكرية وتصدير السلاح، إذ لعبت دوراً محورياً في النزاعات الكبرى منذ أوائل القرن العشرين. في الحرب العالمية الأولى، كانت فرنسا أحد أقطاب الحلفاء، وخاضت معارك دموية مثل معركة المارن وفردان، وتكبدت في يوم واحد عام 1914 أكثر من 27 ألف قتيل، وهو ما اعتبر أسوأ يوم في تاريخها العسكري. هذه الخبرة القتالية دفعت فرنسا لتطوير صناعاتها الدفاعية باستمرار، لتصبح لاحقاً من أكبر مصدري السلاح في العالم.
بعد الحرب العالمية الثانية، سعت فرنسا لتحرير قرارها العسكري من الهيمنة الأمريكية، خاصة مع إنشاء حلف الناتو عام 1949، وبرزت رغبتها في تحقيق استقلالية استراتيجية أوروبية. هذا التوجه دفعها لتطوير منظومات تسليح خاصة بها، ورفض المشاركة في بعض المشاريع الأوروبية المشتركة مثل “تايفون” و”تورنيدو”، لصالح تسويق مقاتلتها الوطنية “رافال”.
بدأ تطوير الرافال في أواخر السبعينيات كاستجابة لحاجة فرنسا لطائرة متعددة المهام قادرة على تنفيذ عمليات جوية معقدة. دخلت الخدمة عام 2001، وتم تسويقها بنجاح لعدة دول منها الهند ومصر وقطر، وساهمت هذه الصفقات في رفع حصة فرنسا من صادرات السلاح العالمية، حتى أصبحت باريس في السنوات الأخيرة ثاني أكبر مصدر للسلاح بعد الولايات المتحدة. بلغت قيمة بعض صفقاتها مليارات الدولارات، مثل صفقة الهند الأخيرة لشراء 26 طائرة رافال بقيمة 7.4 مليار دولار.
لكن مكانة فرنسا تعرضت لهزات متتالية، أبرزها أزمة الغواصات مع أستراليا التي ألغت عقداً بقيمة 65 مليار دولار لصالح تحالف مع الولايات المتحدة وبريطانيا، ما كشف عن هشاشة النفوذ الفرنسي في سوق السلاح العالمي. كما بدأت دول مثل المغرب ورومانيا بإلغاء أو مراجعة صفقات مع باريس، بسبب ارتفاع الأسعار أو تغير التحالفات.
في المقابل، شهدت الصين صعوداً مذهلاً في سوق السلاح الدولي خلال العقدين الأخيرين. استثمرت بكين بكثافة في تطوير صناعاتها الدفاعية، ونجحت في تصدير أسلحتها إلى أكثر من 50 دولة، أبرزها باكستان التي أصبحت تعتمد بنسبة 82% من وارداتها العسكرية على السلاح الصيني. ارتفعت صادرات الصين من السلاح إلى الشرق الأوسط وحده من 398 مليون دولار عام 2010 إلى أكثر من 43 مليار دولار عام 2023، بنمو تجاوز 87%.
جاءت حرب الهند وباكستان الأخيرة لتكون نقطة تحول تاريخية في سوق السلاح العالمي. فخلال المواجهات الجوية، استخدمت باكستان مقاتلات وصواريخ صينية متطورة وأسقطت خمس طائرات هندية، بينها ثلاث مقاتلات رافال فرنسية. هذا التفوق الميداني عزز مكانة الصين كمصدر موثوق للسلاح، وأدى إلى تراجع الثقة الدولية في فعالية السلاح الفرنسي، خاصة بعد فتح وزارة الدفاع الفرنسية تحقيقاً داخلياً حول أداء الرافال.
أثارت هذه التطورات قلقاً كبيراً في الغرب، حيث حذرت تقارير أمريكية من أن استمرار تفوق السلاح الصيني في النزاعات الإقليمية سيهدد هيمنة واشنطن وباريس على سوق السلاح العالمي، ويدفع المزيد من الدول نحو الاعتماد على التكنولوجيا الصينية الأرخص والأكثر مرونة.
وبذلك، فإن ما حدث في سماء كشمير لم يكن مجرد مواجهة إقليمية، بل فصل جديد في تاريخ تجارة السلاح، يرمز إلى انتقال مركز الثقل من باريس إلى بكين، وسط تحولات جيوسياسية واقتصادية عميقة تعيد رسم خريطة سوق السلاح العالمي.











