تشهد العاصمة الليبية طرابلس اضطرابات أمنية غير مسبوقة منذ مقتل عبد الغني الككلي، المعروف بـ”غنيوة”، أحد أبرز قادة المجموعات المسلحة في الغرب الليبي، ورئيس جهاز دعم الاستقرار التابع للمجلس الرئاسي.
هذا الحدث المفصلي أطلق سلسلة من الاشتباكات المسلحة، والتحركات العسكرية التي تنذر بإعادة رسم خارطة القوى في طرابلس والمنطقة الغربية.
في هذا التقرير الاستقصائي، نرصد تطورات الأزمة لحظة بلحظة، ونحلل تداعيات غياب “غنيوة” على معادلة التوازن الهش في العاصمة الليبية.
وشهدت العاصمة الليبية طرابلس منذ مساء يوم الإثنين الموافق 12 مايو 2025 حالة من الفوضى والاضطرابات الأمنية إثر اشتباكات عنيفة بين تشكيلات مسلحة مختلفة. جاءت هذه الاشتباكات في أعقاب مقتل عبد الغني الككلي، المعروف بـ”غنيوة”، رئيس جهاز دعم الاستقرار التابع للمجلس الرئاسي الليبي.
وتتصاعد المخاوف من تحول هذه الأزمة إلى صراع أوسع قد يعيد تشكيل خريطة النفوذ في العاصمة والمنطقة الغربية بأكملها، وسط تحركات عسكرية كبيرة من مختلف الفصائل المسلحة وتدخلات دولية تدعو للتهدئة وضبط النفس.
الأوضاع الراهنة في طرابلس تشهد العاصمة الليبية حالة من الفوضى والاضطرابات جراء اشتباكات عنيفة تتخللها أصوات قذائف وأسلحة ثقيلة في مناطق عين زارة وصلاح الدين وحي أبو سليم الواقعة في ضواحي العاصمة. وقد بدأت هذه الاشتباكات مساء الإثنين 12 مايو 2025 بعد انتشار أنباء عن مقتل عبد الغني الككلي داخل مقر “اللواء 444 قتال” التابع لمنطقة طرابلس العسكرية.
وتفيد التقارير الإعلامية بأن الاشتباكات دفعت وزارة الداخلية الليبية إلى دعوة المواطنين في طرابلس للالتزام بالبقاء في منازلهم حفاظاً على سلامتهم. كما أعلنت وزارة الصحة رفع درجة الاستعداد في جميع المستشفيات والمراكز الطبية، بينما أعلنت وزارة التعليم تعليق الدراسة لهذا اليوم، وأعلنت جامعة طرابلس تعليق الدراسة حتى إشعار آخر.
وأفادت مصادر إعلامية محلية بانقطاع جزئي للكهرباء في مناطق من العاصمة طرابلس، كما توقفت حركة المغادرة والوصول في مطار معيتيقة الليبي، وتم نقل شركات الطيران إلى مطار مصراتة تحسباً لأي طارئ. وأعلن مركز طب الطوارئ والدعم في المدينة عن انتشال ست جثث من مواقع الاشتباكات.
تطورات الوضع الأمني تشير التقارير الإعلامية إلى دخول أرتال عسكرية كبيرة من مدينة مصراتة إلى طرابلس، بالإضافة إلى تحركات عسكرية من مدن الزاوية والزنتان نحو العاصمة. وقد تمركزت قوات الدعم والاستقرار في منطقة أبو سليم جنوبي العاصمة، في حين أعلنت كتائب أخرى حالة النفير العام.
وتفيد المعلومات أن القوات التابعة للواء 444 قتال بدأت بملاحقة عناصر جهاز دعم الاستقرار، وتتسع دائرة الاشتباكات لتقترب من وسط العاصمة. وهناك مخاوف من أن تتوسع الاشتباكات لتشمل حي أبو سليم، وهو من الأحياء الشعبية المكتظة بالسكان في العاصمة الليبية.
ردود الفعل الدولية أعربت بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا عن قلقها البالغ إزاء تفاقم الوضع الأمني في طرابلس، مع اشتداد القتال بالأسلحة الثقيلة في الأحياء المدنية ذات الكثافة السكانية العالية، ودعت جميع الأطراف إلى وقف الاقتتال فوراً واستعادة الهدوء.
كما أصدرت عدة سفارات أجنبية تحذيرات وتوجيهات لرعاياها، حيث دعت السفارة التركية رعاياها المقيمين في العاصمة طرابلس إلى توخي الحذر والالتزام بتنويه وزارة الداخلية. وطالبت السفارة البنغلاديشية رعاياها في ليبيا باتخاذ الاحتياطات اللازمة والبقاء في منازلهم بسبب الأوضاع في العاصمة.
من هو عبد الغني الككلي “غنيوة” عبد الغني بلقاسم خليفة الككلي، المعروف بلقب “غنيوة الككلي”، هو رئيس جهاز دعم الاستقرار التابع للمجلس الرئاسي الليبي، الذي قُتل في 12 مايو 2025. وُلد الككلي في مدينة بنغازي، لكنه نشأ في طرابلس، وتحديداً في حي أبو سليم الشعبي، حيث كوّن شبكاته الأولى.
خلفيته وصعوده لم يكمل الككلي تعليمه، وانغمس في أعمال غير مشروعة مبكراً، من بينها تجارة المخدرات، وقضى 14 عاماً في السجن بتهمة القتل. ومع اندلاع ثورة 17 فبراير/شباط 2011، أُفرج عنه، وسرعان ما شكّل مليشيا “الأمن المركزي”، مستفيداً من فراغ الدولة ووفرة السلاح، وبات حي أبو سليم معقله الرئيسي، ونقطة انطلاق لنفوذ واسع في طرابلس.
في عام 2021، قرر المجلس الرئاسي تحويل القوة التي يتزعمها الككلي إلى كيان رسمي شبه حكومي، تحت اسم “جهاز دعم الاستقرار”. ورغم الصبغة القانونية، ظل الجهاز محل اتهامات بانتهاك حقوق الإنسان، وإدارة معتقلات خارج الإطار القضائي.
نفوذه وتأثيره لم يكن غنيوة مجرد قائد مليشيا تقليدي، بل أحد مهندسي ما يمكن وصفه بـ “توازن الرعب” في الغرب الليبي، إلى جانب شخصيات مثل هيثم التاجوري وعبدالرؤوف كارة. شارك بقوة في معارك “فجر ليبيا” 2014، ولعب أدواراً مزدوجة في أكثر من مواجهة داخلية، إذ عُرف بتبديله السريع للتحالفات حسب المصلحة، وهو ما مكّنه من البقاء في قلب المشهد الأمني لعشر سنوات متواصلة.
كان جهاز دعم الاستقرار الذي يترأسه الككلي يتمتع بصلاحيات واختصاصات واسعة، منها تعزيز الإجراءات الأمنية لحماية المقرات الرسمية للدولة، وحماية المسؤولين، والمساهمة في تأمين المنافذ البرية والبحرية، ومكافحة الهجرة غير القانونية. كما كان للجهاز فروع في مختلف مناطق ليبيا، وعدد من المكاتب في عدة مدن ليبية.
ظروف اغتيال “غنيوة” وأسبابه تشير التقارير إلى أن مقتل عبد الغني الككلي جاء خلال اجتماع في مقر “اللواء 444 قتال” التابع لمنطقة طرابلس العسكرية داخل معسكر خليفة التكبالي. وقد أكدت مصادر محلية أن اغتيال الككلي جاء بعد مقتل 10 من حراسه خارج المعسكر.
خلفية الاشتباكات يبدو أن التوترات التي أدت إلى الاشتباكات الحالية بدأت قبل نحو أسبوع، عندما قامت قوات تابعة لجهاز دعم الاستقرار باقتحام الشركة الليبية القابضة للاتصالات، وهي الشركة العليا في قطاع الاتصالات في ليبيا، مما أدى إلى اختطاف رئيس الشركة ونائبه وإصابتهما بطلقات نارية. وذُكر أن نائب رئيس هذه الشركة، السيد يوسف بودة، هو من مدينة مصراتة، وقد ذهب إلى هناك بعد إصابته للعلاج.
بعد هذه الحادثة، خرجت حشود وأصوات من مصراتة تهدد بالرد، وبدأت تحركات عسكرية من مصراتة باتجاه طرابلس. وكان هناك اجتماع أمني يوم الإثنين 12 مايو 2025، لمناقشة هذه التوترات، حضره الككلي وقادة أمنيون آخرون، بما في ذلك محمود حمزة قائد اللواء 444 قتال، وعبد السلام الزوبي وكيل وزارة الدفاع بحكومة الدبيبة، وعماد الطرابلسي وزير الداخلية، وأخوه عبد الله الطرابلسي المكلف بالأمن العام في الوزارة.
تأثير اغتيال “غنيوة” على خريطة النفوذ في طرابلس مقتل عبد الغني الككلي لا يمثل حدثاً عابراً في العاصمة الليبية طرابلس، بل نقطة تحول فارقة في توازنات القوى بين المجموعات المسلحة التي تتقاسم النفوذ في المدينة. وقد أكد المتحدث السابق باسم رئيس المجلس الرئاسي الليبي، محمد السلاك، أن مقتل عبد الغني الككلي قد يعيد تشكيل خريطة النفوذ في طرابلس وكامل المنطقة الغربية.
معادلة القوة في طرابلس كانت طرابلس تحت سيطرة ثلاث قوى رئيسية: جهاز دعم الاستقرار بقيادة الككلي، واللواء 444 قتال بقيادة محمود حمزة، وقوة الردع ومكافحة الإرهاب برئاسة عبد الرؤوف كارة. وكان جهاز دعم الاستقرار يسيطر على حي أبو سليم وأجزاء كبيرة من جنوب العاصمة، بينما كان اللواء 444 قتال يسيطر على مناطق أخرى في جنوب طرابلس، وجهاز الردع يسيطر على مطار معيتيقة ومحيطه.
ومع غياب الككلي، يُتوقع إعادة توزيع مناطق النفوذ بين التشكيلات المسلحة، خاصة مع ورود أنباء عن احتمال إصدار المجلس الرئاسي مرسوماً بإلغاء جهاز دعم الاستقرار. وقد أكدت وزارة الدفاع بحكومة الوحدة الوطنية أنه تم السيطرة بالكامل على منطقة أبو سليم في طرابلس، مما يشير إلى تغيرات في خريطة النفوذ بدأت بالفعل.
سيناريوهات مستقبلية مقتل غنيوة الككلي قد لا يُفضي بالضرورة إلى نهاية الفوضى الأمنية في طرابلس، لكنه يترك فراغاً في شبكة المصالح المعقدة التي تشكّلت حوله. ومن المرجّح أن تشهد المدينة محاولات لإعادة توزيع مناطق النفوذ بين التشكيلات المسلحة، وربما تصاعداً في التوتر بين الأطراف التي ترى في غيابه فرصة لتوسيع نطاق تحرّكها.
وتبقى طرابلس رهينة لسيناريوهات مفتوحة، تبدأ بالاشتباكات المتقطعة، ولا يُستبعد أن تتطور إلى صدامات أشمل في حال فشل التهدئة أو غابت التسويات المؤقتة المعتادة. وقد يؤدي هذا التصعيد إلى تفاقم الأزمة السياسية والأمنية في البلاد، خاصة في ظل الانقسامات المؤسساتية القائمة والتدخلات الخارجية المستمرة.
خلاصة: طرابلس على مفترق طرق تمر العاصمة الليبية طرابلس بمرحلة حرجة بعد اغتيال عبد الغني الككلي “غنيوة”، أحد أبرز قادة التشكيلات المسلحة وأكثرهم نفوذاً في المشهد الأمني الليبي. ويمثل هذا الحدث تحولاً مهماً قد يعيد رسم خريطة النفوذ في العاصمة والمنطقة الغربية بأكملها، خاصة مع استمرار الاشتباكات والتحركات العسكرية من مختلف المدن والفصائل.
لقد كشفت الأحداث الأخيرة عن هشاشة التوازن الأمني في طرابلس، الذي كان يعتمد بشكل كبير على توزيع النفوذ بين مجموعات مسلحة متعددة، والتي تتنازع السيطرة والشرعية. ومع غياب أحد أبرز أقطاب هذه المعادلة، تتسع دائرة عدم الاستقرار، وتزداد المخاوف من اندلاع صراع أوسع على السلطة والنفوذ.
إن الخروج من هذه الأزمة يتطلب جهوداً حثيثة من كافة الأطراف الليبية، بدعم من المجتمع الدولي، للتوصل إلى تهدئة عاجلة وتسوية سلمية للخلافات. كما يستدعي العمل على بناء مؤسسات أمنية موحدة وفاعلة تحت سلطة دولة مركزية، بعيداً عن منطق الميليشيات وتقاسم النفوذ، وهو الأمر الذي يبدو بعيد المنال في ظل الظروف الراهنة والتعقيدات التي تشهدها الساحة الليبية.










