تشهد الموانئ الأميركية حالة من الترقب والتهيؤ لموجة ضخمة من البضائع الصينية بعد إعلان واشنطن وبكين عن تهدئة مؤقتة في التصعيد التجاري بين البلدين عبر خفض الرسوم الجمركية على السلع الصينية من مئة وخمسة وأربعين في المئة إلى ثلاثين في المئة لمدة تسعين يوماً فقط. هذا القرار الذي دخل حيز التنفيذ اعتباراً من الأربعاء يأتي في وقت تعاني فيه الموانئ الأميركية من تباطؤ كبير في حركة الشحن وسط توقعات بانقلاب المشهد رأساً على عقب خلال أسابيع قليلة.
خلفية الأزمة: تصعيد تجاري وتباطؤ في الموانئ
شهدت العلاقات التجارية بين الولايات المتحدة والصين توتراً غير مسبوق خلال الأشهر الماضية مع فرض رسوم جمركية مرتفعة وصلت إلى مئة وخمسة وأربعين في المئة على البضائع الصينية ما تسبب في تراجع حاد في حجم الشحنات القادمة من الصين بنسبة وصلت إلى أربعين في المئة بحسب تشارلز فان دير ستين رئيس شركة ميرسك في أميركا الشمالية. هذا التراجع أدى إلى مشاهد غير مألوفة في موانئ الساحل الغربي مثل الأرصفة الخالية وانخفاض عدد السفن بنسبة عشرين في المئة وحجم البضائع بنسبة خمسة وعشرين في المئة تقريباً في ميناء لوس أنجلوس بالإضافة إلى تراجع الشحنات في ميناء لونغ بيتش بنسبة خمسة وثلاثين إلى أربعين في المئة خلال الأسبوع الماضي.
خفض الرسوم: فرصة مؤقتة وتوقعات باجتياح سلعي
مع إعلان خفض الرسوم الجمركية إلى ثلاثين في المئة لمدة ثلاثة أشهر يرى خبراء القطاع أن تجار التجزئة سيستغلون هذه الفرصة لتسريع عمليات الاستيراد وتخزين أكبر كمية ممكنة من السلع قبل انتهاء المهلة خاصة مع اقتراب موسم العطلات. ويقول جوناثان غولد نائب رئيس السياسة الجمركية وسلسلة التوريد في الاتحاد الوطني لتجار التجزئة نحن في ذروة الفترة التي تصل فيها البضائع الخاصة بموسم العطلات بعض التجار سيحاولون إدخال بضائعهم مبكراً لتفادي ارتفاع الرسوم مجدداً.
ويؤكد الخبير الاقتصادي بيتر بوكفار أن السوق الأميركية ستشهد موجة طلبات ضخمة خلال فترة التسعين يوماً لم يسبق لها مثيل مع توقعات بارتفاع كبير في تكاليف النقل نتيجة هذا التدفق المفاجئ.
تحليل: لماذا هذا التدفق المرتقب مهم؟
- التخزين الاستباقي: التجار الأميركيون خاصة الكبار منهم اعتادوا على استباق فرض الرسوم عبر تخزين كميات ضخمة من البضائع كما حدث في مارس الماضي قبل بدء تطبيق الرسوم الأولى في أبريل. هذا السلوك يعكس هشاشة سلاسل الإمداد أمام التغيرات المفاجئة في السياسات التجارية.
- أهمية الصين: الصين تظل الشريك التجاري الأكبر للولايات المتحدة في قطاعات الملابس والأحذية والألعاب والإلكترونيات والرقائق الدقيقة. أي تغيير في الرسوم الجمركية ينعكس فوراً على حركة التجارة بين البلدين وعلى أسعار السلع في السوق الأميركية.
تحديات مستمرة رغم التهدئة
ورغم التفاؤل بارتفاع حجم الشحنات القادمة إلا أن موانئ الساحل الغربي لا تزال تتوقع استمرار التراجع في حركة السفن والبضائع خلال مايو نظراً لأن الرحلات البحرية من الصين تستغرق من ثلاثة إلى أربعة أسابيع ما يعني أن التأثير الفعلي للقرار لن يظهر قبل منتصف الصيف. أما موانئ الساحل الشرقي فتحتاج السفن إلى أربعة إلى ستة أسابيع للوصول وبالتالي لن تظهر آثار خفض الرسوم إلا بحلول يونيو أو يوليو.
من جهة أخرى يؤكد تقرير تحالف الموانئ الشمالية الغربية أن خفض الرسوم لا يلغي آثارها السابقة فهناك حالة من عدم اليقين وفقدان للأنشطة التجارية وسلاسل الإمداد لا تزال بحاجة إلى الاستقرار.
ثلاثون في المئة عبء ثقيل على الشركات الصغيرة
ورغم خفض الرسوم تبقى نسبة ثلاثين في المئة مرتفعة خاصة بالنسبة للشركات الصغيرة والمتوسطة التي تعاني من ضعف القدرة على التكيف مع التكاليف الإضافية. غرفة التجارة الأميركية شددت على ضرورة إعفاء هذه الشركات من الرسوم معتبرة أن الوضع الحالي لا يزال يشكل تحدياً كبيراً أمامها في حين أن الشركات الكبرى لديها مرونة أكبر للتعامل مع هذه التغيرات.
توقعات الصيف: نشاط متزايد وتحديات لوجستية
يتوقع نائب رئيس لجنة ميناء سياتل رايان كالكينز أن تشهد الموانئ الأميركية تدفقاً كبيراً للبضائع بحلول منتصف الصيف مع زيادة عدد الموظفين للعمل بكامل الطاقة الاستيعابية. وتوضح شركة فليكس بورت للشحن والخدمات اللوجستية أن هناك ارتفاعاً حاداً في حجز الشحن رغم صعوبة تحديد حجم التدفق المرتقب بدقة في الوقت الحالي.
خلاصة وتحليل مستقبلي
التهدئة المؤقتة بين واشنطن وبكين تمثل فرصة لتجار التجزئة الأميركيين لكنها لا تحل جذور الأزمة التجارية بين البلدين. سلاسل الإمداد الأميركية ستظل عرضة للتقلبات ما لم يتم التوصل إلى حلول دائمة ومستقرة. الشركات الصغيرة ستبقى الحلقة الأضعف في مواجهة الرسوم الجمركية المرتفعة ما يتطلب سياسات داعمة من الإدارة الأميركية. الأسواق الأميركية ستشهد صيفاً ساخناً على صعيد حركة البضائع مع تحديات لوجستية متزايدة وتكاليف نقل مرتفعة.
يبقى السؤال الأهم هل ستنجح هذه التهدئة المؤقتة في إعادة الاستقرار لسلاسل الإمداد أم أن موجة جديدة من التصعيد التجاري تلوح في الأفق مع انتهاء المهلة الأيام القادمة ستحمل الإجابة.







