قدم المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية، كريم خان، اليوم الخميس 15 مايو 2025، إحاطته نصف السنوية إلى مجلس الأمن الدولي بشأن سير التحقيقات الجارية في ليبيا.
وتأتي هذه الإحاطة في وقت حاسم للعدالة الدولية، حيث أبلغ خان المجلس أن المحكمة تلقت موافقة ليبيا على ممارسة اختصاصات المحكمة للتحقيق في الانتهاكات الجسيمة التي شهدتها البلاد منذ عام 2011، مما يمثل خطوة مهمة نحو إنهاء الإفلات من العقاب.
تطورات التعاون بين ليبيا والمحكمة الجنائية الدولية
أشار المدعي العام في إحاطته إلى تحسن ملحوظ في مستوى التعاون بين السلطات الليبية والمحكمة الجنائية الدولية، وهو أمر ضروري لإنجاح التحقيقات وتحقيق العدالة للضحايا.
وأكد خان أن مكتبه يعمل على قضايا متعلقة بجرائم ارتُكبت في ليبيا خلال الفترة من 2014 إلى 2020، حيث تم تحديد هويات عدد من الأشخاص المطلوبين والذين صدرت بحقهم مذكرات توقيف.
وفي سياق متصل، أعلن خان أن هناك تقدماً ملموساً في التحقيقات، خاصة فيما يتعلق بالجرائم المرتكبة في مدينة ترهونة، مشيراً إلى أن المحكمة تعتزم إصدار مذكرات توقيف إضافية، بعضها سيكون سرياً، في إطار خارطة الطريق التي وضعتها المحكمة لإنهاء مرحلة التحقيق بحلول نهاية عام 2025
وخلال زيارته السابقة إلى ليبيا في نوفمبر 2024، التقى خان بعائلات الضحايا في المناطق الجنوبية من البلاد، ونقل مطالبهم بتحقيق العدالة إلى مجلس الأمن، مشدداً على أهمية دعم المجتمع الدولي لجهود المحكمة في إلقاء القبض على المتهمين وتقديمهم للمحاكمة.
تحديات التعاون وقضية أسامة المصري نجيم
استعرض خان في إحاطته التحديات التي واجهت عمل المحكمة، مشيراً بشكل خاص إلى قضية أسامة المصري نجيم، المطلوب من المحكمة الجنائية الدولية بتهم ارتكاب جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية في ليبيا.
فقد ألقي القبض على نجيم في إيطاليا في 19 يناير 2025، لكن السلطات الإيطالية أفرجت عنه بعد يومين “لأسباب إجرائية” وأعادته إلى ليبيا على متن طائرة حكومية، في خرق واضح لالتزاماتها كدولة طرف في نظام روما الأساسي.
وأوضح خان أن هذه الحادثة تبرز أهمية التزام الدول الأعضاء بالتعاون الكامل مع المحكمة، حيث تواجه إيطاليا الآن احتمال صدور حكم من قضاة المحكمة الجنائية الدولية بعدم تعاونها، مما قد يؤدي إلى إحالة القضية إلى “جمعية الدول الأطراف” في المحكمة أو مجلس الأمن لاتخاذ مزيد من الإجراءات.
كريم خان يؤكد صحة فيديو الدرسي ويشيد بحل جهاز الردع في ليبيا
أكد المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية، كريم خان، اليوم الخميس، صحة الصور ومقاطع الفيديو التي تم تداولها مؤخراً للنائب الليبي إبراهيم الدرسي، المختفي قسرياً، مشدداً على أنها “سليمة وصحيحة”، وذلك في إحاطته الدورية أمام مجلس الأمن الدولي بشأن تطورات التحقيقات في ليبيا.
وتطرق خان إلى الانتهاكات المستمرة لحقوق الإنسان في البلاد، مشيراً إلى أن مكتبه يتابع بقلق بالغ قضايا الإخفاء القسري والاحتجاز خارج القانون، ومنها قضية الدرسي، التي أثارت جدلاً واسعاً في الداخل الليبي.
وفي خطوة اعتبرها ذات دلالة كبيرة في مسار العدالة، أشاد خان بقرار رئيس حكومة «الوحدة الوطنية الموقتة» عبدالحميد الدبيبة القاضي بـحل جهاز الردع لمكافحة الإرهاب والجريمة المنظمة، واصفاً القرار بأنه “بالغ الأهمية في هذه المرحلة”، لما له من تأثير مباشر على المساءلة ومحاربة الإفلات من العقاب.
وأشار خان إلى أن المحكمة الجنائية الدولية تعتزم إصدار مذكرات توقيف بحق من وصفهم بـ”المنتهكين ومرتكبي الجرائم، سواء في شرق ليبيا أو غربها”، في إطار خارطة الطريق التي وضعتها المحكمة لإنهاء التحقيقات الجارية قبل نهاية عام 2025.
وجدد خان دعوته إلى دعم المجتمع الدولي لجهود المحكمة في إلقاء القبض على المسؤولين عن الجرائم والانتهاكات، مؤكداً التزام مكتبه بالعمل على تحقيق العدالة للضحايا الليبيين في كافة أنحاء البلاد.
جهود مكتب المدعي العام والخطط المستقبلية
كشف خان خلال الإحاطة عن تفاصيل استراتيجية مكتبه المتجددة للعمل في ليبيا، والتي تقوم على أربعة محاور رئيسية للتحقيق: العنف الذي وقع في 2011، الجرائم في مراكز الاحتجاز، الجرائم المتعلقة بالعمليات العسكرية خلال الفترة 2014-2020، والجرائم ضد المهاجرين.
وأشار إلى أن المحكمة أصدرت حتى الآن أوامر اعتقال بحق 12 شخصاً متهماً بارتكاب جرائم في ليبيا، توفي ثلاثة منهم، ولا يزال ثمانية طلقاء، بينما أعلن قضاة المحكمة عدم قبول الدعوى المرفوعة ضد عبد الله السنوسي، رئيس المخابرات السابق في عهد معمر القذافي.
وأكد خان التزام المحكمة بإنهاء مرحلة التحقيق بحلول نهاية 2025، لكن منظمات المجتمع المدني، بما فيها هيومن رايتس ووتش، أعربت عن مخاوفها بشأن هذا الجدول الزمني، مشيرة إلى استمرار غياب التعاون الفعال مع المحكمة من جانب السلطات الليبية، وغياب الملاحقات القضائية المحلية الموثوقة للجرائم الخطيرة التي لا تزال تُرتكب في ليبيا.
موقف المجتمع الدولي وتحديات العدالة العالمية
جاءت إحاطة خان في ظل تحديات كبيرة تواجه المحكمة الجنائية الدولية، خاصة بعد الأمر التنفيذي الذي أصدره الرئيس الأمريكي دونالد ترامب في 6 فبراير 2025، والذي يسمح بفرض عقوبات على مسؤولي المحكمة وداعمي عملها.
وخلال الجلسة، أعرب أعضاء مجلس الأمن الذين هم أطراف في نظام روما الأساسي – بما في ذلك الإكوادور وفرنسا وغيانا ومالطا وكوريا الجنوبية وسيراليون وسلوفينيا والمملكة المتحدة واليابان وسويسرا – عن دعمهم للجهود التي يبذلها مكتب المدعي العام والتقدم الذي تم إحرازه في جميع خطوط التحقيق المحددة في الاستراتيجية المتجددة للعمل في ليبيا.
كما رحبوا بتطوير خارطة طريق لإكمال مرحلة التحقيق، مشددين على أهمية مراعاة آراء جميع أصحاب المصلحة، بما في ذلك الضحايا والناجين.










