في واحدة من أكثر القضايا إثارة للجدل في الولايات المتحدة هذا الأسبوع، تسبب منشور على إنستغرام من قبل المدير السابق لمكتب التحقيقات الفيدرالي جيمس كومي في عاصفة سياسية وإعلامية واسعة، بعدما نشر صورة تحمل الرقم “8647” مصنوعة من صدف البحر وأحجار الشاطئ، وكتب تعليقًا بريئًا ظاهريًا: “تشكيلات رائعة خلال التنزه على الساحل”.
لكن خلف هذه الصورة الصامتة، تكمن رسالة أقل ما توصف به أنها مقلقة، بحسب ما قاله عدد من المحللين ومتابعي الشأن الأمريكي. الرقم “86” في العامية الأمريكية يعني “تخلص من”، بينما الرقم “47” يُشير بشكل غير مباشر إلى دونالد ترامب، باعتباره الرئيس الأمريكي السابع والأربعين. وبهذا فإن كثيرين اعتبروا أن جيمس كومي يلمّح إلى اغتيال دونالد ترامب، أو يدعو بطريقة مشفرة إلى “التخلص منه”، في ما اعتُبر تهديدًا مبطنًا لرئيس الولايات المتحدة الحالي.

الجدل لم يتوقف عند التأويلات، فقد بادرت حسابات سياسية وأمنية إلى الإبلاغ عن الصورة، وجرى تفعيل إشارات إلى الشرطة الفيدرالية الأمريكية ومدير مكتب التحقيقات الحالي، وسط مطالبات بفتح تحقيق رسمي في “التهديد المحتمل”. ولم تمضِ ساعات حتى تصدر الوسم #8647 قائمة الأكثر تداولًا على منصة X (تويتر سابقًا).
الأكثر صدمة كان رد فعل ابن دونالد ترامب، الذي قال صراحة: “جيمس كومي يريد اغتيال والدي”، في منشور نُشر على منصة X. وأضاف أن هذا التصرف هو “نتيجة مباشرة لتحريض اليسار العنيف في أمريكا”. وقد طالب عدد من أعضاء الحزب الجمهوري بإدراج الحادثة ضمن تحقيقات لجنة الأمن الداخلي.
يُذكر أن العلاقة بين دونالد ترامب وجيمس كومي كانت متوترة منذ إقالة كومي من منصبه كرئيس لمكتب التحقيقات الفيدرالي عام 2017، في خضم تحقيقات بشأن التدخل الروسي في الانتخابات الأمريكية. وقد صرّح ترامب في أكثر من مناسبة أنه يعتبر كومي “رمزًا للفساد داخل الدولة العميقة”.
ويأتي هذا الحدث في ظل أجواء مشحونة أمنيًا، خصوصًا بعد تقارير أكدت أن ترامب نجا من محاولتي اغتيال خلال عام 2024، مما يزيد من حساسية أي تلميح بالعنف أو التصفية.
بينما نفى كومي وجود أي نية سيئة، وادعى أن الصورة “فنية عفوية” لا تحمل رسائل مشفرة، إلا أن الحادثة باتت تُستخدم سياسيًا، سواء لتأكيد نظرية “الدولة العميقة” التي يروّج لها أنصار ترامب، أو لإدانة ما يعتبرونه تحريضًا غير مباشر من خصوم الرئيس الجمهوري.
محاولات اغتيال دونالد ترامب: حقيقة التهديدات أم ورقة سياسية لاستقطاب الدعم؟
في ظل تصاعد الاستقطاب السياسي في الولايات المتحدة خلال عامي 2024 و2025، برزت قضية محاولات اغتيال دونالد ترامب كأحد أكثر الملفات إثارة للجدل. الرئيس الأمريكي السابع والأربعون، الذي عاد إلى البيت الأبيض في أجواء انتخابية مشحونة، بات هدفًا معلنًا لهجمات لفظية وتهديدات أمنية متعددة، بعضها حقيقي وبعضها مشكوك فيه.
محاولة الاغتيال الأولى التي تم الإعلان عنها في منتصف عام 2024 جاءت عبر جهاز الخدمة السرية الأمريكي، حيث تم إحباط مؤامرة تتضمن استهداف ترامب أثناء تجمع انتخابي في أوهايو. المشتبه به آنذاك كان يحمل سلاحًا غير مرخّص وادّعى أنه “منقذ أمريكا من الفاشية”. ورغم تضخيم الإعلام المحافظ للواقعة، إلا أن وسائل إعلام ليبرالية شككت في الرواية واعتبرتها مبالغًا فيها لكسب التعاطف الشعبي.
أما محاولة الاغتيال الثانية، التي وُصفت بأنها الأخطر، فكانت في خريف 2024، حين اخترق شخص بسيارة مصفحة الحواجز الأمنية في محيط نادي “مارالاغو” حيث كان ترامب يقيم. ورغم نفي بعض الأجهزة الأمنية وجود نية مباشرة للقتل، إلا أن فريق ترامب أصر على وصفها بـ”محاولة تصفية سياسية واضحة”، محذرًا مما سماه “الإرهاب الداخلي اليساري”.
الكثير من محللي الأمن القومي الأمريكي ينقسمون حول مدى صدق محاولات اغتيال ترامب. فبينما يرى البعض أن الرئيس المحافظ الأكثر إثارة للانقسام هو هدف مشروع لمتطرفين سياسيين، يعتبر آخرون أن الحوادث إما مفبركة جزئيًا أو مضخّمة إعلاميًا، خاصة مع توظيفها المكثف في الحملات الانتخابية.
خصوم ترامب السياسيون في الداخل الأمريكي ليسوا مجهولين. من اليسار التقدمي بقيادة شخصيات مثل ألكساندريا أوكاسيو كورتيز، إلى الليبراليين الكلاسيكيين في الحزب الديمقراطي، وصولًا إلى بعض الجمهوريين التقليديين الذين يرفضون “شعبوية ترامب”، جميعهم يرون أن بقاؤه في الحكم خطر على الديمقراطية الأمريكية.
كما أن مؤسسات مثل مكتب التحقيقات الفيدرالي (FBI) ووكالة الاستخبارات المركزية (CIA) لم تسلم من اتهام ترامب ومؤيديه بـ”التآمر لإسقاطه”، خاصة بعد تسريبات حول مراقبة اتصالات مقربين منه أثناء رئاسته الأولى.
وتأتي حادثة جيمس كومي الأخيرة – التي نشر فيها صورة تحمل الرقم 8647 وتُفسَّر بأنها دعوة مشفّرة لـ”التخلص من ترامب” – لتعزز رواية مؤيديه بأن هناك دولة عميقة في أمريكا تسعى لإنهائه سياسيًا وربما جسديًا.
لكن في المقابل، يرى منتقدو ترامب أن هذه “الدراما الأمنية” ما هي إلا امتداد لخطابه الشعبوي، الذي يستخدم الخوف والتهديد كأدوات لاستقطاب الناخبين، وصرف النظر عن قضاياه القضائية، وعلى رأسها التهم المتعلقة بـفضائح ترامب الجنسية والتلاعب بنتائج الانتخابات.
ختامًا، فإن قضية محاولات اغتيال دونالد ترامب لا يمكن فصلها عن المشهد السياسي الأمريكي المحتقن، حيث باتت أخبار التهديدات، الحراسات المشددة، والمؤامرات المفترضة، جزءًا من معركة مستمرة بين سرديتين: الأولى تقول إن ترامب ضحية حقيقية لـ”منظومة فاسدة”، والثانية تعتبره مجرد محرض يلبس ثوب الضحية لاستعادة سلطته.
من لينكولن إلى كينيدي ومحاولات لم تنجح مع ترامب
لطالما كانت رئاسة الولايات المتحدة الأميركية منصبًا محفوفًا بالمخاطر، ليس فقط سياسيًا، بل أمنيًا وجسديًا، حيث شهد التاريخ الأميركي سلسلة من جرائم اغتيال رؤساء أمريكا الذين دفعوا حياتهم ثمنًا لمواقفهم، أو ضحية لتحولات سياسية واجتماعية عميقة.
ومن أبراهام لينكولن إلى جون كينيدي، مرورًا بجيمس غارفيلد وويليام ماكينلي، وحتى محاولات اغتيال دونالد ترامب في السنوات الأخيرة، يظهر نمط من التوترات الدائمة التي جعلت “مكتب الرئيس” هدفًا بالغ الحساسية.
أبراهام لينكولن
في 14 أبريل 1865، تعرض الرئيس الأمريكي أبراهام لينكولن للاغتيال على يد الممثل المسرحي الجنوبي جون ويلكس بوث، الذي أطلق عليه النار في مسرح فورد في واشنطن.
الاغتيال جاء بعد أيام فقط من نهاية الحرب الأهلية الأمريكية، وكان تعبيرًا عن رفض الجنوبيين المتطرفين لسياسات لينكولن تجاه العبيد وإعادة توحيد الاتحاد.
لا تزال جريمة اغتيال أبراهام لينكولن واحدة من أكثر الجرائم السياسية تأثيرًا في التاريخ الأميركي.
جيمس غارفيلد
الرئيس جيمس غارفيلد لم يكمل سوى أربعة أشهر في منصبه قبل أن يُطلق عليه الرصاص في محطة قطار بواشنطن عام 1881، من قبل تشارلز غيتو، وهو محامٍ مختل عقليًا اعتقد أن الحكومة تجاهلته بعد أن قدم خدمات سياسية.
توفي غارفيلد بعد صراع دام 11 أسبوعًا، ليصبح ثاني رئيس أمريكي يُغتال.
ويليام ماكينلي
في عام 1901، اغتيل الرئيس ويليام ماكينلي في معرض بمدينة بافالو بولاية نيويورك على يد اللاسلطوي ليون تشولغوش.
الجريمة سلطت الضوء على تصاعد العنف السياسي في أمريكا بداية القرن العشرين، وكانت دافعًا لتشديد الحماية الأمنية للرؤساء الأميركيين.
جون كينيدي
تبقى جريمة اغتيال جون كينيدي أكثر الاغتيالات إثارة للجدل والغموض. في 22 نوفمبر 1963، وبينما كان في موكب رئاسي بدالاس، أُطلق عليه الرصاص وأعلنت وفاته فورًا.
المتهم الرسمي لي هارفي أوزوالد قُتل بعد يومين، لكن التحقيقات لم تغلق الباب على نظريات المؤامرة، لا سيما ما يتعلق بدور المخابرات أو المافيا أو حتى لوبيات السلاح في تصفيته.
محاولات اغتيال فاشلة
الرئيس رونالد ريغان نجا من محاولة اغتيال عام 1981 حين أطلق عليه جون هينكلي النار بدافع مرض نفسي، بينما نجا جيرالد فورد من محاولتين خلال فترة رئاسته.
وفي العصر الحديث، واجه الرئيس دونالد ترامب عدة تهديدات أمنية ومحاولات اغتيال تم إحباطها. أبرزها حادثة أوهايو عام 2024، حين ألقت السلطات القبض على شخص مسلح قرب تجمع انتخابي.
كما أثار منشور من جيمس كومي، مدير FBI السابق، يتضمن الرقم 8647، جدلًا واسعًا، حيث فُسر على أنه تهديد مبطّن لاغتيال ترامب، باعتبار أن “86” تعني “تخلّص من” و”47″ تُشير إلى أنه الرئيس الأمريكي السابع والأربعون.
ومع تصاعد الانقسام الداخلي الأميركي، وانتشار خطابات الكراهية والتحريض، يرى مراقبون أن احتمالات تكرار محاولات اغتيال رؤساء أمريكا قد لا تكون بعيدة عن الواقع، خاصة مع التوترات المتزايدة بين تيارات اليمين واليسار، واستمرار الخطاب السياسي المتطرف.
رغم تعزيز الحماية الأمنية بشكل كبير بعد اغتيال كينيدي، إلا أن التاريخ أثبت أن التهديدات ضد الرؤساء الأمريكيين لا تأتي فقط من الخارج، بل في كثير من الأحيان من الداخل، من مواطنين أميركيين أو جهات متطرفة.
ولعلّ أخطر ما في الأمر أن بعض هذه التهديدات تُستغل سياسيًا، كما في حالة ترامب، سواء لخلق حالة تعاطف أو لتبرير إجراءات استثنائية.










