أعلن عدد من المستثمرين المحليين في أفغانستان عن عزمهم ضخ استثمارات بقيمة 650 مليون دولار على ثلاث مراحل لاستكشاف واستخراج أحد بلوكات منجم حاجيكك للحديد، بالشراكة مع شركة أجنبية متخصصة. وتعد هذه الخطوة من أكبر المبادرات الصناعية في البلاد منذ سنوات، حيث تشمل إنشاء مصنع حديث لمعالجة الحديد بطاقة إنتاجية تصل إلى تسعة آلاف طن يوميًا، مع قدرة على تلبية كامل احتياجات السوق المحلي من الحديد.
يتوقع أن يوفر المشروع نحو ستة آلاف فرصة عمل مباشرة للأفغان، في وقت يعاني فيه الاقتصاد من ارتفاع معدلات البطالة وتباطؤ النمو نتيجة الحصار والعقوبات الدولية. ويرى خبراء الاقتصاد أن هذا الاستثمار قد يمثل نقلة نوعية في قطاع المعادن، الذي لطالما اعتبر أحد أعمدة الاقتصاد الأفغاني غير المستغلة، إذ تشير تقديرات رسمية إلى أن البلاد تمتلك ثروات معدنية هائلة تتجاوز قيمتها التريليون دولار، لكنها بقيت بمعظمها خارج دائرة الاستثمار الفعلي بسبب الأوضاع الأمنية والسياسية.
رغم أهمية المشروع، إلا أن الاقتصاد الأفغاني يواجه تحديات بنيوية عميقة، من بينها ضعف البنية التحتية، وتضاؤل المساعدات الدولية، وتراجع الاستثمار الأجنبي، إضافة إلى استمرار معدلات الفقر والبطالة عند مستويات مرتفعة. ورغم تسجيل نمو في الإيرادات الحكومية بنسبة 11.5% خلال الأشهر العشرة الأخيرة، إلا أن هذا النمو مدفوع بشكل أساسي بزيادة الضرائب والإيرادات غير الضريبية من قطاعات مثل التعدين والجمارك، وليس نتيجة توسع اقتصادي حقيقي أو تحسن في مناخ الأعمال بشكل عام.
يشير مراقبون إلى أن نجاح هذا الاستثمار الضخم مرهون بعدة عوامل، أبرزها تحسين بيئة الأعمال، وضمان الشفافية في إدارة الموارد، وتوفير بيئة أمنية مستقرة تسمح باستدامة المشاريع الكبرى. كما أن الشراكة مع شركات أجنبية متخصصة قد تسهم في نقل الخبرات والتقنيات، لكن استمرار عزلة أفغانستان عن النظام المالي العالمي قد يحد من تدفق الاستثمارات الأجنبية المباشرة.
يمثل الاستثمار في منجم حاجيكك للحديد خطوة جريئة تعكس رغبة بعض المستثمرين في المراهنة على مستقبل الاقتصاد الأفغاني رغم المخاطر، لكنه لا يكفي وحده لتغيير الواقع الاقتصادي ما لم تترافق هذه الخطوة مع إصلاحات أوسع في بيئة الأعمال، وتحسين الشفافية، وتوسيع قاعدة الاستثمارات في قطاعات متنوعة. يبقى نجاح المشروع اختبارًا حقيقيًا لقدرة الحكومة الحالية على تحويل الثروات المعدنية الهائلة إلى محرك فعلي للتنمية المستدامة، بعيدًا عن الشعارات السياسية والرهان على مشاريع فردية.










