في تصعيد جديد للأزمة المزمنة بين البيت الأبيض والبنك المركزي الأميركي، كتب الرئيس دونالد ترامب عبر منصته “تروث سوشيال” يوم السبت 17 مايو/أيار، مطالبًا بنك الاحتياطي الفدرالي بخفض أسعار الفائدة فورًا، في خطوة تعكس استمرار ضغوطه العلنية على رئيس الفيدرالي جيروم باول، الذي يصرّ على استقلالية السياسة النقدية رغم العواصف السياسية والاقتصادية المتلاحقة.
منذ توليه الرئاسة، لم يتوقف ترامب عن مهاجمة سياسات بنك الاحتياطي الفدرالي، معتبرًا أن رفع أسعار الفائدة يعرقل خططه لتحفيز النمو الاقتصادي، خاصة في ظل فرضه رسومًا جمركية واسعة على الشركاء التجاريين للولايات المتحدة، والتي يرى باول أنها تهدد بتسريع التضخم وتباطؤ النمو.
تصعيد غير مسبوق: تهديدات بالإقالة وتلويح بالقضاء
لم يكتف ترامب بالانتقادات الإعلامية، بل ذهب أبعد من ذلك، ملوحًا مرارًا بإقالة باول من منصبه، الأمر الذي أثار جدلًا قانونيًا واسعًا حول مدى سلطة الرئيس على البنك المركزي. ورغم أن معظم الخبراء القانونيين يرون أن عزل رئيس الفيدرالي ليس من صلاحيات الرئيس بشكل مباشر، إلا أن ترامب وفريقه القانوني يدرسون سلوك مسارات قضائية جديدة قد تتيح له ذلك، خاصة في ضوء قضايا مشابهة تنظرها المحكمة العليا الأميركية.
نمط متجذر في رئاسة ترامب
الخلاف بين ترامب وباول ليس وليد اللحظة، بل هو امتداد لنمط متكرر في سلوك ترامب تجاه المؤسسات المستقلة. منذ ولايته الأولى، اعتاد ترامب على مهاجمة رؤساء المؤسسات الذين لا ينصاعون لرؤيته أو يعرقلون أجندته الاقتصادية، مستخدمًا أسلوب الضغط العلني والتصعيد الإعلامي وحتى التهديدات القانونية.
- ترامب يرى نفسه صاحب القرار النهائي، ولا يتردد في تحدي الأعراف الدستورية إذا تعارضت مع مصالحه أو رؤيته الاقتصادية.
- باول، على النقيض، يمثل تقليدًا راسخًا في استقلالية السياسة النقدية، ويعتبر أن خضوع الفيدرالي للضغوط السياسية يهدد استقرار الاقتصاد الأميركي على المدى الطويل.
خلفية تاريخية: رؤساء أميركيون والفيدرالي
تاريخيًا، لم يكن ترامب أول رئيس أميركي ينتقد سياسات الفيدرالي، فقد سبق أن ضغط رؤساء مثل رونالد ريغان على البنك المركزي لتغيير سياساته. إلا أن ما يميز عهد ترامب هو حدة التصعيد، والتلويح العلني بالإقالة، واللجوء إلى القضاء، وهو ما لم يحدث بهذا الوضوح في العقود الماضية.
ملامح الشخصية: نرجسية واستعراض واندفاع
تحليل شخصية دونالد ترامب يكشف عن سمات نرجسية واضحة، فهو شديد الإعجاب بذاته، يسعى دائمًا للظهور تحت الأضواء، ويعتبر نفسه متفردًا ومتميزًا عن الجميع. يتصف سلوكه بالاندفاع والتهور، ولا يتردد في اتخاذ قرارات صدامية أو انتهاك الأعراف إذا رأى في ذلك مصلحة شخصية أو سياسية.
- يحتاج ترامب إلى الإعجاب المستمر والتأييد، ويغضب بشدة من النقد أو المعارضة.
- يتعامل مع المؤسسات وكأنها أدوات لتحقيق أهدافه، ولا يتقبل بسهولة فكرة الاستقلالية المؤسسية أو الفصل بين السلطات.
- يميل إلى الأسلوب الاستعراضي في الخطاب، ويستخدم اللغة التصعيدية والمصطلحات الساخرة لوصف خصومه، كما فعل مع باول حين وصفه بـ”الخاسر الكبير” و”البطيء جدًا”.
أثر الشخصية على صنع القرار
الصراع بين ترامب وباول ليس مجرد خلاف عابر حول أسعار الفائدة، بل هو معركة حول حدود السلطة واستقلالية المؤسسات في الولايات المتحدة. وبينما يصر ترامب على فرض رؤيته الاقتصادية حتى لو تطلب الأمر كسر الأعراف، يتمسك باول باستقلالية الفيدرالي كضمانة لاستقرار الاقتصاد الأميركي.
ومع استمرار التصعيد، تبقى الأسواق في حالة ترقب، وسط مخاوف من أن تؤدي هذه المواجهة إلى مزيد من التقلبات وعدم اليقين، في وقت يحتاج فيه الاقتصاد الأميركي إلى استقرار أكبر من أي وقت مضى.











