يعتقد كثيرون أن الشجار بين الزوجين مؤشر على ضعف العلاقة أو اقترابها من الانهيار، إلا أن خبراء العلاقات الأسرية يشيرون إلى أن الشجارات قد تكون ضرورية في بعض الأحيان، بل وتلعب دورًا إيجابيًا في تعزيز الترابط العاطفي إذا ما تمت إدارتها بشكل صحي.
ومع تزايد الاهتمام بمواضيع مثل “كيفية التعامل مع الشريك”، و”طرق تقوية العلاقة الزوجية”، أصبح السؤال الأهم: متى يكون الشجار مفيدًا في الحياة الزوجية؟

أظهرت دراسات حديثة أن الشجار البنّاء يساعد في الكشف عن الحاجات النفسية غير المعلنة، ويفتح باب الحوار الصريح بين الطرفين، خاصة إذا ما تم في أجواء خالية من الإهانات أو التهديدات.
فعندما يُعبّر كل طرف عن مشاعره بصدق دون خوف من الرفض أو الهجوم، فإن ذلك يعزز الشعور بالأمان العاطفي، وهو أساس أي علاقة صحية. لذلك، فإن وجود اختلافات لا يعني بالضرورة وجود خلل، بل قد يكون فرصة للتقارب إذا تم التعاطي معها بوعي واحترام.
من الناحية النفسية، يساعد النقاش الصادق على التخلص من التراكمات السلبية التي قد تؤدي إلى الانفجار لاحقًا، وهو ما يجعل بعض الأزواج يبدون أكثر تفاهمًا بعد شجار واضح وصريح.

ولكن الشرط الأساسي لذلك هو احترام قواعد الحوار الفعّال: الإصغاء، والابتعاد عن الاتهامات، وعدم استحضار الماضي بهدف الإيذاء. في هذا السياق، تُبرز كلمات مفتاحية مثل “فوائد الشجار بين الزوجين”، و”متى يكون الشجار صحيًا في العلاقة”، أهمية إدارة الخلافات لا تجنّبها.
كما تلعب الخلفيات الثقافية والتجارب السابقة دورًا كبيرًا في تحديد طريقة الشجار بين الزوجين، حيث تختلف أنماط التعبير عن الغضب من شخص لآخر.
لكن الأهم هو ألا يتحول الخلاف إلى ساحة لإثبات من الأقوى، بل إلى مساحة لفهم أعمق للحاجات والرغبات. لذلك، ينصح المختصون بأن يكون الهدف من أي نقاش هو إيجاد الحلول وليس تسجيل النقاط.

خلاصة القول، إن الشجار ليس نقيض الحب، بل قد يكون دليلاً على وجوده، بشرط أن يُدار بعقلانية واحترام. فالشجار البنّاء يمكن أن يُخرج العلاقة من دائرة الجمود ويعيد إحياء التواصل بين الطرفين، ليكون بذلك أداة تقوية وليس تهديدًا للاستقرار الزوجي.
وفي زمن تتسارع فيه وتيرة الحياة وتتزايد فيه الضغوط الاقتصادية والاجتماعية، بات الحفاظ على علاقة زوجية متوازنة ومستقرة تحديًا حقيقيًا يواجه الكثير من الأزواج حول العالم. العلاقة الزوجية لم تعد مجرد إطار اجتماعي تقليدي، بل أصبحت شراكة نفسية وعاطفية قائمة على التفاهم والاحترام والدعم المتبادل. ومع ازدياد حالات الطلاق والخلافات الزوجية، تبرز الحاجة لفهم أعمق للعوامل التي تُقوّي أو تُضعف هذه العلاقة.
تشير الدراسات النفسية الحديثة إلى أن نجاح العلاقة الزوجية يعتمد بدرجة كبيرة على جودة التواصل بين الزوجين. فالحوار الصادق والمنتظم حول التحديات اليومية والمشاعر الداخلية يعدّ حجر الزاوية في بناء الثقة وتعزيز الترابط. الأزواج الذين يُتقنون فن الاستماع الفعّال ويمنحون بعضهم بعضًا مساحة للتعبير عن الذات يتمتعون بعلاقات أكثر استقرارًا ورضا.

لكن الحوار وحده لا يكفي، فهناك عناصر أخرى لا تقل أهمية، مثل الاحترام المتبادل، والدعم العاطفي في الأوقات الصعبة، والقدرة على إدارة الخلافات دون اللجوء إلى الإهانة أو التجاهل. يوصي خبراء العلاقات الزوجية بالابتعاد عن الصمت العقابي أو الانسحاب المفاجئ عند وقوع الخلاف، لأن ذلك يعمّق المسافة النفسية بين الزوجين ويؤدي إلى التراكمات السلبية.
من جهة أخرى، تلعب العلاقة الحميمة دورًا محوريًا في تعزيز القرب العاطفي، إذ تُعتبر وسيلة للتعبير عن الحب والانتماء. ويؤكد أخصائيون أن الرضا الجنسي يرتبط ارتباطًا مباشرًا بجودة العلاقة العاطفية، وأن تجاهل هذا الجانب يمكن أن يؤدي إلى فتور وخلل يصعب ترميمه لاحقًا.

في مقابل ذلك، تظهر تحديات عدة تهدد الحياة الزوجية، أبرزها الضغوط الاقتصادية، وتدخلات الأهل، والانشغال المفرط بالتكنولوجيا ووسائل التواصل الاجتماعي. فالانغماس المستمر في الشاشات يقلّل من وقت الحوار المشترك، ويخلق نوعًا من الانفصال الصامت بين الطرفين. لذلك، ينصح المتخصصون بتخصيص وقت يومي للحوار والتفاعل وجهًا لوجه، ولو لبضع دقائق، بهدف تجديد الرابط الإنساني وتأكيد الحضور العاطفي.
وفي مجتمعاتنا العربية، يواجه الأزواج أحيانًا عراقيل ثقافية مثل غياب التربية العاطفية، والافتراضات النمطية حول الأدوار بين الرجل والمرأة. فالزواج الناجح اليوم يتطلب تجاوز المفاهيم التقليدية الجامدة، واعتماد نموذج تشاركي يقوم على المسؤولية المشتركة والتفاهم بدل التسلط أو التبعية.
من الناحية النفسية، يمكن القول إن العلاقة الزوجية الناجحة هي التي تسمح للطرفين بالنمو الشخصي والعاطفي داخل إطار الأمان والدعم. حين يشعر كل من الزوجين بأنه مسموع، مفهوم، ومقبول كما هو، تتجذر العلاقة في أرضية صلبة يصعب زعزعتها.
ورغم صعوبة الطريق أحيانًا، إلا أن الاستثمار في الحياة الزوجية هو من أكثر القرارات التي تؤتي ثمارًا على المدى الطويل، سواء في الصحة النفسية، أو في استقرار الأسرة، أو في تنشئة الأبناء في بيئة متوازنة. ولعل من أهم ما يمكن للزوجين فعله هو اعتبار العلاقة مشروعًا دائمًا في التطوير، لا مرحلة مغلقة أو ثابتة.
في النهاية، ليست العلاقة الزوجية مجرد ارتباط قانوني أو عاطفي، بل هي رحلة تعلُّم وتحوّل مستمر، تتطلب وعيًا، صبرًا، والتزامًا مشتركًا من كلا الطرفين. فمن خلال التفاهم والتواصل والنية الصادقة، يمكن لأي علاقة أن تتجاوز العقبات وتتحوّل إلى مصدر قوة وسند حقيقي في وجه تقلبات الحياة.
ومع مرور السنوات، تتغير العلاقة الزوجية تدريجياً، إذ ينتقل الشريكان من مرحلة الشغف العاطفي والبدايات الرومانسية إلى نمط أكثر استقراراً وهدوءاً. وبين ضغوط العمل، وتربية الأبناء، والتغيرات الجسدية والنفسية، قد يشعر أحد الطرفين أو كلاهما بأن شيئاً ما قد تغيّر، وأن العلاقة لم تعد كما كانت في بدايتها. لكن هذا التغير ليس بالضرورة دليلاً على الفتور أو الفشل، بل قد يكون علامة نضج يحتاج فقط إلى وعي وتجديد.
يشير خبراء العلاقات إلى أن مرور العلاقة بمرحلة “الروتين” بعد سنوات من الزواج أمر طبيعي، بل متوقع. ومع ذلك، فإن الخطر يكمن في الاستسلام لهذا الروتين دون محاولة التغيير أو التجديد. من أكثر ما يضر العلاقة هو فقدان الشغف وعدم تخصيص وقت للطرف الآخر بعيداً عن مسؤوليات الحياة اليومية. فالحياة الزوجية، مثل أي علاقة إنسانية أخرى، تحتاج إلى تغذية دائمة بالعاطفة والاهتمام.
واحدة من الطرق الفعالة لإحياء العلاقة بعد سنوات من الزواج هي إعادة اكتشاف الشريك. فالتوقف عن الافتراض بأنك “تعرف كل شيء عنه” وفتح باب الحوار حول الأحلام الجديدة، المخاوف، وحتى التفاصيل الصغيرة اليومية، يمكن أن يعيد الحيوية للتواصل بينكما. كذلك فإن التخطيط لنشاطات مشتركة خارج روتين الحياة العادية – مثل السفر، أو حضور فعالية ثقافية، أو مجرد عشاء هادئ – قد يكون له تأثير كبير على إعادة بناء القرب العاطفي.
من المهم أيضًا الحفاظ على الحميمية العاطفية والجسدية. كثير من الأزواج بعد مرور سنوات يتعاملون مع العلاقة الجسدية على أنها واجب أو روتين، مما يؤدي إلى تراجع الشغف والانجذاب. لكن عبر التعبير عن الحب، والاهتمام بالمظهر، والحديث المفتوح عن الرغبات والاحتياجات، يمكن إعادة إحياء هذا الجانب الحيوي من العلاقة الزوجية.
ولا يمكن تجاهل تأثير الأبناء. فبين المدارس، والواجبات، والانشغال بتربيتهم، يُهمل الكثير من الأزواج علاقتهم الخاصة. إلا أن العلاقة الزوجية هي عماد الاستقرار الأسري، ونجاحها ينعكس مباشرة على شعور الأبناء بالأمان. لذلك، فإن تخصيص وقت للزوج أو الزوجة، حتى وسط زحام المسؤوليات، هو استثمار في الأسرة ككل.
أيضًا، لا ينبغي التقليل من أهمية الصحة النفسية في هذا السياق. التغيرات المزاجية، الاكتئاب، أو القلق المزمن يمكن أن يؤثر على العلاقة بشكل غير مباشر. وهنا تبرز أهمية الدعم المتبادل، والمصارحة، وفي بعض الحالات طلب المساعدة من مستشار أسري أو معالج نفسي متخصص.
في النهاية، السنوات التي تمر على العلاقة الزوجية لا ينبغي أن تكون عبئًا أو عائقًا، بل يمكن أن تكون فرصة لإعادة تعريف العلاقة وتطويرها. فمع القبول، والصبر، والرغبة في التغيير، يمكن لأي علاقة أن تتجدد، مهما بلغ عمرها، لتعود مصدر سعادة واستقرار كما كانت في البدايات – وربما بشكل أعمق وأكثر نضجًا.










