في تحليل جديد مثير للجدل، يرى المحلل السياسي والأمني آدم داود أحمد، المختص بشؤون القرن الأفريقي، أن الصومال لم يعد دولة موحدة، بل ثلاث مناطق مختلفة واقعيا، وأن السبيل الأكثر واقعية واستدامة للسلام هو الاعتراف بهذه الحقيقة على الأرض، من خلال ما يعرف بـ”حل الدول الثلاث”.
وقال أحمد، في مقاله الذي نشر من هرجيسا، أرض الصومال، إن المجتمع الدولي ظل لعقود متمسكا بفكرة “الصومال الموحد”، إلا أن هذه الرؤية باتت بعيدة كل البعد عن الواقع السياسي والأمني والإداري في البلاد.
ثلاث كيانات.. ثلاث تجارب مختلفة
- أرض الصومال: دولة مستوفية الشروط بلا اعتراف
منذ إعلان استقلالها من جانب واحد عام 1991، حافظت أرض الصومال على قدر كبير من الاستقرار والديمقراطية، فأجرت انتخابات منتظمة، وتملك قوات أمن فعالة، وعملة وجواز سفر خاص بها، دون تسجيل أي حادث إرهابي في عام 2024.
ويؤكد أحمد أن أرض الصومال تستوفي كل معايير إقامة الدولة وفق القانون الدولي، ومع ذلك لا تزال محرومة من الاعتراف الدولي، مما يعيق قدرتها على الاستفادة من التمويل والمؤسسات العالمية.
- بونتلاند: حكم ذاتي يشارك في الأمن الإقليمي
أما بونتلاند، التي تأسست عام 1998 كإقليم مستقل داخل جمهورية الصومال الفيدرالية، فقد حافظت على استقرار نسبي، وتعاونت في مجال مكافحة الإرهاب، لا سيما من خلال عملية “هيلاك” في عام 2024 التي استهدفت عناصر داعش وحركة الشباب.
لكنها، رغم دورها المحوري في الأمن، لا تزال في نزاع دائم مع الحكومة الفيدرالية في مقديشو بشأن توزيع السلطات والموارد.
- جنوب/وسط الصومال: الهشاشة المستمرة
في المقابل، لا تزال منطقة الجنوب والوسط الصومالي غارقة في فوضى النزاع المسلح، كما تبين خلال “عملية رمضان” عام 2025، حيث استعادت حركة الشباب المتطرفة السيطرة على عدة بلدات رئيسية.
ورغم المساعدات الدولية الهائلة، يعاني هذا الجزء من البلاد من ضعف الحوكمة، وتراجع سيطرة الدولة، واستمرار نشاط الجماعات المسلحة.
تجاوز الوحدة إلى واقعية الانفصال المنظم
يرى أحمد أن الوقت قد حان لتجاوز “المثل الأعلى للوحدة”، معتبرا أن أفضل طريق للسلام هو الاعتراف:
بأرض الصومال كجمهورية مستقلة ذات سيادة، وببونتلاند كدولة مستقلة فيدرالية يمكنها أن ترتبط مستقبلا باتحاد اختياري، وبجنوب/وسط الصومال كمنطقة تحتاج إلى وصاية أممية مؤقتة لإعادة بناء مؤسساتها السياسية والأمنية.
ويشير الكاتب إلى أن هذا النموذج يمكن أن ينجح كما حدث مع: انفصال إريتريا عن إثيوبيا عام 1993،واستقلال جنوب السودان عام 2011، والانفصال السلمي بين التشيك وسلوفاكيا عام 1993.
التحديات المتوقعة
لا يغفل الكاتب عن التحديات، مشيرا إلى: بقاء الحس القومي الصومالي لدى قطاعات من الشعب وتردد المجتمع الدولي بسبب المخاوف من “عدوى الانفصال” والتحديات القانونية والفنية المتعلقة بتقسيم الموارد وترسيم الحدود.
ومع ذلك، يرى أن تكلفة إبقاء الوضع الراهن أكبر بكثير من كلفة الانتقال إلى واقع جديد مدروس، خاصة في ظل استمرار عدم الاستقرار.
توصيات للمجتمع الدولي
يقترح أحمد أن يبدأ المجتمع الدولي باتخاذ الخطوات التالية: الاعتراف بالواقع السياسي القائم، من خلال فتح قنوات اتصال رسمية مع كل من أرض الصومال، وبونتلاند، وجنوب/وسط الصومال.
وإعداد آليات قانونية للفصل السلمي، بما في ذلك اتفاقيات لتقاسم الموارد وحماية حقوق الأقليات وتصميم الدعم الإنمائي بناء على احتياجات كل منطقة، مع إطلاق وصاية أممية محددة المدة في الجنوب.
بحسب آدم داود أحمد، فإن الصومال لم يعد موحدا إلا على الورق، وإن الاعتراف بالتعدد الواقعي هو الطريق الأقرب للسلام. “هذه ليست دعوة للانقسام” كما يؤكد، بل دعوة إلى “الواقعية السياسية، والكرامة الوطنية، وبناء سلام دائم على أساس ما هو موجود، لا ما هو متخيل”.










