تشير أحدث البيانات الرسمية الصادرة عن مكتب الإحصاء الوطني الصيني إلى تباطؤ واضح في نمو الاقتصاد الصيني خلال شهر أبريل 2025، حيث سجل كل من الإنتاج الصناعي ومبيعات التجزئة أرقامًا أقل من التوقعات، في ظل تصاعد التوترات التجارية مع الولايات المتحدة الأمريكية. هذا التباطؤ يعكس حجم الضغوط التي يتعرض لها ثاني أكبر اقتصاد في العالم وسط بيئة دولية متقلبة وتغيرات مستمرة في السياسات التجارية العالمية.
أرقام رسمية تكشف تراجع الزخم الاقتصادي
بحسب البيانات الرسمية، ارتفع الإنتاج الصناعي الصيني بنسبة 6.1% فقط على أساس سنوي في أبريل 2025، مقارنة بنسبة نمو بلغت 7.7% في مارس من نفس العام. ورغم أن هذا النمو تجاوز توقعات المحللين التي كانت تشير إلى 5.5%، إلا أنه يُعد تراجعًا ملحوظًا عن الأداء القوي الذي شهده الاقتصاد الصيني في الأشهر السابقة. أما مبيعات التجزئة، فقد سجلت نموًا بنسبة 5.1% فقط، منخفضة عن معدل 5.9% في مارس، وأقل من توقعات السوق التي بلغت 5.5%. وبلغ إجمالي مبيعات التجزئة خلال أبريل حوالي 3.72 تريليون يوان، ما يعادل نحو 517 مليار دولار أمريكي.
خلفيات التباطؤ: تصعيد الحرب التجارية مع الولايات المتحدة
جاء هذا التباطؤ في وقت تشهد فيه العلاقات التجارية بين الصين والولايات المتحدة تصعيدًا جديدًا، خاصة بعد عودة الإدارة الأمريكية إلى فرض رسوم جمركية مرتفعة على الواردات الصينية. فقد قامت الولايات المتحدة في مطلع أبريل 2025 برفع الرسوم الجمركية الإجمالية على السلع الصينية إلى 54%، مع فرض رسوم إضافية بنسبة 25% على السيارات وقطع الغيار والصلب والألمنيوم، بالإضافة إلى رفع الرسوم على الطرود الصغيرة إلى 120%. وردت الصين بإجراءات مماثلة، حيث رفعت الرسوم على السلع الأمريكية إلى 125%، واستهدفت منتجات زراعية أمريكية رئيسية مثل فول الصويا والذرة.
هذه الإجراءات المتبادلة أدت إلى ارتفاع الأسعار في الأسواق، وإرباك سلاسل الإمداد العالمية، وتراجع ثقة المستثمرين والمستهلكين على حد سواء. كما انعكس ذلك على الأداء الاقتصادي العام، حيث أصبح المستهلك الصيني أكثر حذرًا في الإنفاق، بينما تراجع زخم الاستثمار في الأصول الثابتة إلى 4% فقط في الأشهر الأربعة الأولى من 2025، وهو أقل من توقعات المحللين.
تأثيرات ملموسة على القطاعات الاقتصادية
رغم أن بعض القطاعات مثل الإلكترونيات والسيارات والمنتجات الكيماوية شهدت نموًا ملحوظًا، إلا أن معظم القطاعات الصناعية الأخرى سجلت تباطؤًا مقارنة بالشهر السابق. كما أن قطاع العقارات لا يزال يشكل عبئًا على النمو الاقتصادي، في ظل استمرار تراجع الاستثمار وضعف الطلب على الوحدات السكنية الجديدة.
أما على صعيد الاستهلاك، فقد أظهرت البيانات أن برامج التحفيز الحكومية، مثل دعم استبدال السلع الاستهلاكية القديمة وتحفيز شراء الأجهزة المنزلية، ساهمت في نمو مبيعات بعض المنتجات، إلا أن التأثير الإيجابي بقي محدودًا أمام الضغوط التضخمية وعدم اليقين بشأن مستقبل العلاقات التجارية مع الولايات المتحدة.
السياسات الحكومية لمواجهة التحديات
في مواجهة هذه التحديات، كثفت الحكومة الصينية من إجراءات التحفيز الاقتصادي. فقد أعلنت عن رفع العجز المالي المستهدف إلى 4% من الناتج المحلي الإجمالي، ووسعت من إصدار السندات الحكومية لدعم برامج تجديد المعدات وتحفيز الاستهلاك المحلي. كما يتوقع أن يقوم البنك المركزي الصيني بخفض أسعار الفائدة الأساسية عدة مرات خلال عام 2025 لدعم الإقراض والاستثمار.
ورغم هذه الجهود، لا تزال التوقعات تشير إلى أن الاقتصاد الصيني سيواجه صعوبات في تحقيق معدلات نمو مرتفعة ما لم يتم التوصل إلى حلول جذرية للنزاع التجاري مع الولايات المتحدة، أو حدوث انفراجة في بيئة الاستثمار العالمية.
توقعات مستقبلية: هل يستطيع الاقتصاد الصيني تجاوز الأزمة؟
تتوقع بعض المؤسسات المالية أن يحقق الاقتصاد الصيني نموًا بنسبة 4.5% خلال عام 2025، مدعومًا بحزم التحفيز الحكومية وتوجه الدولة نحو تعزيز الصناعات عالية التقنية. إلا أن استمرار الحرب التجارية مع الولايات المتحدة، وضعف الاستثمار الأجنبي، وتباطؤ القطاع العقاري، كلها عوامل تهدد بإبطاء وتيرة النمو في الأشهر المقبلة.
خلاصة
تعكس بيانات أبريل 2025 هشاشة تعافي الاقتصاد الصيني في ظل تصاعد التوترات التجارية مع الولايات المتحدة. وبينما تراهن بكين على التحفيز الداخلي وتطوير الصناعات المتقدمة لتعويض أثر الحرب التجارية، يبقى مسار النمو مرهونًا بقدرة السياسات الحكومية على تعزيز ثقة المستهلكين والمستثمرين، واستعادة الزخم في الاقتصاد العالمي.











